الآباء يدخّنون والأبناء يقلّدونهم

الآباء يدخّنون والأبناء يقلّدونهم

كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:


في 31 أيار من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للإمتناع عن التدخين، تنظّم خلاله الندوات والمؤتمرات للتوعية على مخاطر التدخين. ولا تهتم هذه المؤتمرات بالناحية الطبية لتجنّب آفة «التدخين» عند مختلف الأعمار وحسب، بل تخصّص جزءاً مهمّاً من تلك المحاضرات لمعالجة دور العائلة وسلوكيات الوالدين و»التقنيات النفسية» لمساعدة مختلف أفراد العائلة، والشباب المراهقين خصوصاً، لتجنّب هذه العادة المضرّة. فكيف يمكن للأهل أن يساعدوا أولادهم المراهقين للإمتناع عن التدخين؟ وهل نوعية الأصدقاء لها دور في تشجيع أو تجنّب التدخين؟


كم من المرات نرى مراهقاً يقلّد بطريقة مباشرة أهله، حتى لو كان هذا التقليد يضرّ بصحته؟ هو يتباهى بأهله ويقوم بالسلوكيات نفسها التي يقومون بها. ويُعتبر التدخين من أكثر التصرفات التي يميل المراهق إلى تقليدها. فعندما يرى أباه يدخن، سيتعلم ذلك ويصبح بدوره مدخّناً. من الضروري إذاً أن يكون الأهل قدوة صالحة لأولادهم. فلا يمكن أن نطلب من المراهق الإمتناع عن التدخين، في حين أنّ أهله يمارسون علناً هذه العادة السيّئة. لذلك، يشكّل اليوم العالمي للإمتناع عن التدخين فرصة ذهبية للتكلم مع المراهقين، الفئة العمرية الأكثر تأثراً بالعادات السيئة، وتوعيتهم حول موضوع التدخين وآثاره النفسية.


لماذا يستسلم بعض الأشخاص للتدخين؟

عندما يطلب المدخن مساعدة نفسية للتوقف عن هذه العادة، يطرح عليه الأخصّائي النفسي أوّلاً السّؤال التالي: لماذا إستسلمت للتدخين؟ ويحتوي هذا السؤال على شقّين أساسيّين: الأسباب النفسية أو النفسية-الإجتماعية التي جعلت من هذا الشخص فريسة سهلة للتدخين من جهة، و”الحدث” الذي قاد الشخص للتدخين من جهة أخرى. بالنسبة للكثير من المدخنين، إنّ حبّ “الاكتشاف” هو من الأسباب التي دفعتهم للتدخين للمرة الأولى، باحثين بذلك عن “مشاعر” سيجدونها في هذه اللفة الصغيرة الموجودة بين أصابعهم. وأكّد التحليل النفسي أنّ هناك علاقة وطيدة ما بين طريقة الفطام عند الطفل الصغير وعادة التدخين. فكلّما كان الفطام “سريعاً وقاسياً بدون تحضير الطفل الصغير”، زادت نسبة التعلق بالتدخين أو “باللذة الفموية” عندما يصبح هذا الطفل الصغير شخصاً راشداً.


وهناك أسباب اخرى للتدخين كتقليد الشخص الراشد وتصرفاته، مهما كانت عفوية، مؤذية أو حتى صحية. فنجد عند العديد من العائلات، إستخفافاً في بعض السلوكيات الخطرة، مثل التدخين، حيث يهرع المراهق إلى التدخين، مقلّداً أباه الذي (بالنسبة له) يمثّل الصورة المثالية. لذا، عندما نكتشف بأنّ المراهق يدخن، في المدرسة مثلاً، يجب أن يقوم الأخصائي النفسي المدرسي بتحقيق حول “مبدأ” التدخين في عائلته. فربما هذا التصرف “مباح” بشكل مباشر في تلك العائلة.


تقليد المراهق لأهله

يساعد دور الأهل في التوجيه النفسي عند المراهق. فحتى لو كانت الطفولة من أكثر المراحل دقة في التكوين النفسي للطفل، هذا لا يعني أنّ لا دور أساسي للتوجيه النفسي في مرحلة المراهقة. ونلاحظ في تلك المرحلة تقليد المراهق “العشوائي” أو “الإنتقائي” للراشدين خصوصاً للأب والأم، والأصحاب أيضاً.


ولكن لماذا يقلّد المراهق أهله؟ لهذا السؤال جواب بسيط، وهو لأنّ المراهق بحاجة لمثال أمامه يقتدي به. فمهما كان هذا المثال، جيداً أو سيّئاً، سيقتبسه المراهق وستتأثر به حياته لمدى العمر. ويعتبر المراهق، الذي يبحث عن طريقة للإنتماء إلى مجموعة ما، أنّ التدخين أفضل حلّ للشعور بأنّه ينتمي لهذه المجموعة، أكانت “شلة” أصحاب، أو “العائلة”. ولا يمكن أن ننسى أنّ للقلق دوراً بارزاً لإستسلام المراهق للتدخين، خصوصاً إذا كان يعاني من مشكلات عائلية وإجتماعية.


دور الأهل

خلال مرحلة المراهقة الحساسة جدّاً، يكون المراهق سريع الإستجابة لإغراء السيجارة. فيجب على الوالدين أن يتحدّثا معه عن مخاطر التدخين وأن يكونا مثالاً أعلى له. كما يمكن للأهل أن يعرضوا على أولادهم الفيديوهات التوعاوية عن مخاطر التدخين الموجودة على الإنترنت ومشاركة المراهق معلومات علمية عن التدخين ومخاطره ومنها:


– التفسير عن مادة النيكوتين التي تؤدي للكثير من المشكلات الفيزيولوجية

– التوتر الذي يخلقه التدخين للمراهق بسبب المواد السامة الموجودة فيه

– الوفيات السنوية بسبب الأمراض السرطانية الناتجة عن التدخين

– إرتفاع نسبة أمراض القلب والشرايين بين المدخنين

– الشرح له أنّ الأرغيلة أكثر ضرراً من التدخين

– تشجيعه على ممارسة الرياضة وتوجيهه نحو النشاطات الرياضية


في حال إكتشف الأهل أنّ طفلهم المراهق يدخن، يجب نصحه والتعرف معه على الدوافع التي أدت إلى اللجوء إلى التدخين. فيجب أن يعرف الأهل الأسباب النفسية والنفسية – الإجتماعية التي جعلت المراهق يستسلم أمام هذه العادة المضرّة. وتأثير الأهل على أولادهم خلال هذه مرحلة المراهقة تكون كبيرة، حيث يتقبّلون بسهولة وبسرعة نصائح وإرشادات الأهل، خصوصاً إذا إستطاع الأهل أن ينصحوهم بشكل علمي وهادئ بعيداً من التشنجات والعصبية.