الإنسان ببلدنا رخيص وانسانيتنا معدومة !!

الإنسان ببلدنا رخيص وانسانيتنا معدومة !!

كتبت : سمر الخليل 

اليوم كان عندي موعد بمستشفى اوتيل ديو لصورة RMI للرقبة ، وبعد ما وصلت عل الوقت المحدد ،بتخبرني مسؤولة الأشعة انو في تأخير٤٥ دقيقة ، هون قلت لحالي بروح ببرم بالمستشفى ليجي دوري.... ٤٥ دقيقة خلوني راجع حالي بكتير قصص!! ويا ريت دايما بتتاخر مواعيدنا المادية لنعرف شو قيمة الوقت ولنكون حاضرين للموعد الحقيقي والوحيد !


انا مني شخصية درامية ، واللي بيعرفوني بيعرفوا قديش محبة للحياة والنشاط والحيوية، بس بعترفلكم انا ضعيفة وضعيفة كتير قدام " الموت"!


رحت عند موظف الاستقبال وتطلعت فيه بكل محبة ،وخجلان من غرابة السؤال " عفوا استاذ، بدي منك خدمة، وين الطابق اللي فيه مرضى السرطان"؟؟ 

الموظف قلي " شو اسم المريض، وانا بدلك ع غرفتو!"

قلتلو ما تواخذني، ما عندي مريض هون، بس حابب شوف المرضى اللي عندهم المرض واكيد ما لح ازعجهم"، بلكي مناخد العبرة منهم! 

قلي فهمتك، ليك في هون من الغرفة ٦٠٠ لل٦٢٠ كلهم مرضى سرطان ، بس عنا 5 service لهل نوع من المرض، وبكل طابق في service خاص ،

عندك بالطابق الرابع من الغرفة ٤٧٠٠ لل٤٧٣٠ كمان مرضى سرطان ووووو ،


بالطابق الارضي في خط اصفر، بتوصل للمرضى اللي بال٦٠٠ ... لحقت الخط وعم قول لحالي" نحنا عايشين بسلام، بس هون بين هل جدران في ناس بتحمل وجع ما في وجع ممكن يضاهية بالكون!! وجع " لعبة الوقت" بالصراع مع مرض خبيث بيحرمنا وبيحرم المصابين فيه من اعمارهم وارواحهم وانفاسهم ! "

رائحة الادوية والمطهرات والابر والمصل بتخليك ترتعش من رهبة المكان، وفجأة انا قدام الغرفة ٦٠٠ !! امراة مبتورة اليد ووجها اصفر مخطوف اللون!! لا حول ولا قوة الا بالله!! تمنيت لو فيي فوت واسي الحجة بوجعها واحضنها واوقف جنبها بس انا غريبة وللمرضى حرمتهم! 

تابعت مترين، بنت عم تمشي مع امها المنهكة وايدهم بايد بعض ، حلقت شعرها بتحكي عنها ، والحزن واضح ع عيونهم!! 

جربت اعمل حالي عم فتش ع مريض معين ، بدي شوف هل الناس الموجوعة ، يمكن ما منحس معهم دايما"، بس حلو نواسيهم او نتعلم منهم " عبرة" قبل ما يتركونا...


الغرفة ٦١٢ شاب من عمري بيقول آخخخخ كل دقيقتين وصوتو مسموع لبرا ، قاعد عم يجرب يقاوم، حاولت اسرق اكتر من نظرة ع غرفتو، بس كنت خايف من ردة فعل الممرضات حولي... شاب متل الوردة واضح من لونه وشعره انو عم يصارع المرض قبل ما يصرعه!!! 

بتمشي، بتبكي عليه، او ع حالك، ع حالتهم، او ع حالتك وخطاياك !!

هون قدام الغرف ام عم تصلي لابنها، صلاتها كانت صلاة ما سمعتها قبل، صلاة اصدق من كل الصلوات بالجوامع والكنايس....


فليت وقلت بقلبي، يمكن انا بكرا، يمكن غيري، لازم نزورهم ونطل عليهم، هيدا المرض ما لازم يكون حاجز عنهم، هول بيموتوا باليوم الف مرة بالوقت اللي نحنا عايشين عم نفكر بسهرة بكرا، وضهرة الاحد، وسفرة الصيف، عم نفكر بماديات تافهة من لبس وشرب وسيارة وبحر!


هول عرفوا انو كل الدنيا ما بتسوا شي ابدا" لولا رحمة الله ونعمة الصحة .. فكرة انو البراد بالطابق الارضي ناطر كتير منهم، خلتني فكر بحالتنا ،وقديش نحنا جماد ،وايمتى منوعى ع حالنا قبل ما نصير يوما" ما مثلهم رهائن " الوقت" ولعبته والتسويف للنفس الامارة بالسوء.


صدقوني زوروا المرضى وخصوصا" الحالاتهم مستعصية، زيارتهم اصدق من عبادات العالم باسره...جرعة الوعي اللي بتطلعوا منها هونيك بتوازي الف محاضرة دينية جامدة.


برا المستشفى، ام كبيرة بالعمر مفترشة الارض وعم تاكل منقوشة والحرارة شي ٣٥ بتحرق، تطلعت فيها وقلت 

بأي عالم من الذئاب نحن ؟؟؟قالتلي صرلي شهرين هون ابني بالكوما يا ابني !!! المرا الصابرة بحجابها المتلون ورغم تعبها وعرقها وحزنها كانت اجمل من كل بيروت البشعة بكل مادياتها !!! المكيفات مش لهل ناس!!


بتفل... وبتقول بقلبك كلمة وحدة ، الإنسان ببلدنا رخيص و" انسانيتنا صارت معدومة"!!!