جنبلاط يبادر... اتركوا للصلح مطرح ستتفقون حتماً

كسرت القوى السياسية كل مجاذيف سفينة الوطن، وقطعت حبل التواصل والحوار والتوافق الذي كان سِمَة النظام السياسي اللبناني ما بعد اتفاق الطائف، فصارت دعوة رئيس للجمهورية الى طاولة حوار وطني حول مواضيع اساسية ومهمة موضع انقسام وخلاف وتحليل وتفسير دستوري وسياسي لتبرير مقاطعة الحوار. فكان من الطبيعي ان تتفاقم الأزمات السياسية في مثل هذا الوضع، وتزيد تفاقم الوضع الاقتصادي والمعيشي، فيما الناس تصرخ في الشارع مطالبة بتغيير الطبقة السياسية كلها... ولا من يبالي.
سبق وحصلت من العام 2005 مشكلات وانقسامات كبيرة وخطيرة، بدأت بمسيرات 8 اذار ومن ثم 14 اذار، التي كرست الانقسام العمودي في البلاد، وتلتها خلافات وانقسامات حول كثير من القضايا المهمة وغير المهمة، لكن في كل مفصل كان الحوار والتواصل سيّدا الأحكام، فيعود السياسيون المختلفون الى الالتقاء والتفاهم ولو على حدود دنيا واحيانا حدود قصوى من ادارة البلاد وحفظ الاستقرار.
حصل ذلك في عهد الرئيسين اميل لحود وميشال سليمان وفي حكومات عديدة، فكان الانقسام والتعطيل ومن ثم الشلل التام والفراغ الرئاسي، ولكن عاد الجميع بمبادرات محلية وعربية الى الالتقاء على الحلول وحول طاولات حوار وطني في القصر الجمهوري وفي مقر الرئاسة الثانية، ويحصل الان في عهد الرئيس ميشال عون انقسام وتباعد، بفارق وجود حكومة متماسكة ولو أطلِق عليها اسم حكومة اللون الواحد. لكن المشكلة الان ان اية جهة عربية او دولية صديقة للبنان غير مستعدة لوضع يدها في اي حل بعد التجارب المريرة التي مر بها الاشقاء والاصدقاء خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. فمن اذاً يتولى إخراج البلاد من ازماتها؟
حتى الان، هناك امر واقع موجود ولو كان مرفوضاً من اغلبية اللبنانيين، يتمثل بالقوى السياسية الحاكمة الممسكة بأعناق البلاد والعباد منذ 30 سنة، وهي المسؤولة بحكم الموقع الرسمي عن ايجاد الحلول لكل مشكلات البلد، مع انها المسبب الاول والاخير لها. وبحكم هذا الامر الواقع يصبح من الضروري ان يترك السياسيون المختلفون للصلح مطرحاً، وان يحاولوا ايجاد الحد الادنى من اسس التفاهم والانقاذ، لأن المواطن لم يعد يطيق صبراً عليهم، والساحات تتفجر كل ليلة وقد يُراق دم في الشوارع، وتزداد اعمال القتل والخطف والسرقة والفوضى فمن ستحكمون وقتها؟
التجارب اظهرت ان هذه الطبقة السياسية لاتترك نفسها لتصل الى الانفجار، وفي كل مفصل خلافي كبير كانوا يتصالحون ويتحاورون ويتقاسمون المنافع والخيرات مجدداً، وعاجلاً ام آجلاً سيصلون الى هذه المسلّمة. فليختصروا الوقت وليقللوا الخسائر وليوقفوا مسرحيات الخلافات لأنها غير واقعية وغير منطقية. فهم "دافنينو سوا" ويزورون قبره كل موسم لتجديد الاتفاق على حكم المصالح.
ولعل مبادرة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بزيارة الرئيس ميشال عون امس، تفتح باب العودة الى الحوار والتواصل بين اركان القوى السياسية، لا سيما على الامور المهمة والمصيرية، في هذا الظرف التاريخي الصعب الذي يمر به لبنان. خاصة اذا صدقت المعلومات عن ان جنبلاط يسعى لتهدئة الاوضاع بين قاعدتي الحزب الاشتراكي والتيار الوطني الحر في مناطق الجبل، بعد التوتر والتصعيد الواسعين بين الجانبين. وللحديث مع عون في كل الملفات الاخرى العالقة بين الطرفين.
غاصب المختار