هل أصبحت أكبر أحلام أبناء سويسرا وباريس الشرق الهجرة إلى أُمهم الغرب؟ نور وهبي

هل أصبحت أكبر أحلام أبناء سويسرا وباريس الشرق الهجرة إلى أُمهم الغرب؟ نور وهبي

كتبت الزميلة نور وهبي من موقع برس نيوز

سويسرا الشرق أو باريس الشرق، ألقابٌ كانت تُطلَقُ على لبنان منذُ القدم لقوة ثبات مركزه المالي ولتنوع ثقافاته ودوره الكبير في إثراء الثقافات العربية والعالمية في الكثير من المجالات. أما الآن فإن المواطن اللبناني يقضي أكثر من نصف عمره بين المدرسة والجامعة والمعهد بنظامٍ تعليمي فاشل، ويعود ليُعلِّق شهادته على حائطِ غُرفته يتأملها بحسرةٍ قبل نومه وهو عاطلٌ عن العمل. وكم من الصعبِ الآن أنني أكتُب على ضوء هاتفي الخفيف، وأنني أُفكر بالإختصاص الذي يتوفر له فرص عمل في لبنان بدلاً من الإختصاص الذي أُحبه لأنه كما يُقال باللبناني "ما بطعمي خبز" وفَشِلت، فليس هناك أي فرص عملٍ هنا، في ظل غياب الدولة عن أبسط حقوقنا كمواطنين، وفي ظل تفضيل محصصاتها على حقوق ومستقبل المواطن.



في صفوفنا المدرسية، وفي صف الجغرافيا تحديداً كنا دائماً نسمع أن لبنان هو منطقة جذب السياح وأنه يعتمد في الإقتصاد على الخدمات السياحية و المصرفية (المجالات الأكثر تضرراً عند حصول أي شيء إقليمياً و دولياً).

أمَّا الآن أبناء بلد جذب السياح يريدون الهجرة عند أول فرصة، ومواقع التواصل الإجتماعي تضُج ب"ترجع بالسلامة" و " رح نشتقلك". أصبحت أكبر أحلام المواطن اللبناني هي الهجرة، هي ترك كل شيء هنا والبدء من الصفر، رغم كل الأعباء النفسية التي سيواجهها، فهو يبحث عن بصيص أملٍ صغيرٍ ليستطيع تأمين لقمة عيشه منه.


إضافةً إلى أنه بعد انتفاصة ١٧ تشرين سنة ٢٠١٩ و بعد أن توحد الشعب في أيامها الأولى تحت سقف المطالب المعيشية أو إذا صَحَّ التعبير الحقوق المعيشية، إرتفعت نسبة العائدين من هجرتهم الطويلة عن لبنان، فكانت الإنتفاضة بصيص أملٍ في أعينهم في البلد الذي خطوا أولى خطاهم فيه، أحبُّوا أول حُبٍّ فيه و كانت قبلهم الأولى داخله. لم يأخذ الكثير من الوقت كي يختفي هذا الأمل، فمنهم من تراجع عن قراره في البقاء و الآخر عَلِقَ في الوقت الذي حاصَر فيروس كورونا (covid 19) لبنان. وها نحن نلاحظ تهافت كل من المهاجرين والمواطنين إلى المطار مع معاودة فتحه وأصبح الأمل بالعودة شبه مستحيل للبعض منهم أو ربما أغلبهم، بعد أن نفذت مواردهم المالية بسبب الأزمة الإفتصادية الراهنة. 


إحدى القصائد التي كتبها يونس الإبن وغناها الراحل وديع الصافي تقول "لبنان يا قطعة سما" والآن صار حُلم المواطن اللبناني رؤية لبنان من السماء مباشرة، من نافذة الطائرة التي ستنقذ مستقبله من قطعة السماء ذو الأوزون المفخوت، فهو يمشي والنفايات معاً ودخان سجائره التي تخفف من قلقه وتوتره تجوب هواء قطعة السماء. يا "ضيعان" حنجرة وديع و"يا ضيعان" صوت فيروز وألحان زياد، فسلامٌ على بيروت من نافذة الطائرة و "ينسم علينا الهوا" عند نزولنا منها. 


بعد كُلِ هذا، أمازال لبنان يستحِق لقب سويسرا أو باريس الشرق؟ أمازالت مراكزه المالية ثابتة؟ ما نفع تنوع ثقافاته الآن؟ 

وإلى متى سنبقى هكذا؟ و يأتي هنا دور السؤال الأبرز هل أصبحت الهجرة حُلُمًا أم ضرورةً؟