«الأزمة الحادّة وراءنا»: هل وكيف ومتى؟

«الأزمة الحادّة وراءنا»: هل وكيف ومتى؟

«الأزمة الحادة باتت وراءنا»: هذه العبارة الواردة في تصريح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كانت خلال الأيام الماضية بين الاستغراب والترحيب.


والاستغراب هو في رؤية البعض بأن الأزمة ما زالت وراءنا وأمامنا في آن معا، وسط مسلسل حلقات اقتصادية ومالية ونقدية ووبائية وانفجارات أمنية وعثرات حكومية تراوحت بين الاستقالة والاعتذار والتعطيل والتأجيل.


والترحيب هو وضع البعض لعبارة حاكم مصرف لبنان في إطار النتائج الاقتصادية (والسياسية) المتوقعة من عملية رسم الحدود البحرية والبرية الجنوبية، بما يفتح الطريق أمام لبنان لاستغلال موارده الغازية والبترولية في منطقة مائية اقتصادية، حصة لبنان فيها 95,9 ترليون قدم غاز و٨٦٥ برميل نفط، يقدّر قيمتها تقرير أولي صادر عن دائرة الأبحاث والدراسات في بنك عودة بـ٢٠٠ مليار دولار ٦٣% منها في البلوك رقم ٩. بما يوازي ١٢٦ مليار دولار. ولو انه حسب وجهة نظر الخبير البترولي المهندس ربيع ياغي لـ «اللواء» ان أي تقديرات واقعية عن الكميات والمبالغ والأسعار المرتقبة ينبغي أن تنتظر نتائج الحفر والتحليلات والمواعيد وتطورات أسواق الغاز والنفط. علما انه من خلال تقديرات شركة توتال الفرنسية ان الانتهاء من عمليات الحفر قد لا تتجاوز منتصف العام ٢٠٢٠.


وبناء على هذه المعطيات فإن تصريح حاكم مصرف لبنان خلال اللقاء الشهري مع جمعية المصارف بأن «الأزمة الحادة باتت وراءنا» يصب في النتائج المالية المرتقبة أو المحتملة من عائدات الغاز والنفط بما يساعد في تسديد تدريجي للدين العام، (أكثر من ١٠٠ مليار دولار العام المقبل) وسد «الفجوة المالية» المقدرة بحوالي ٨٠ مليار دولار. وبما يوفر على لبنان أعباء استيراد بـ٣ مليار دولار سنويا لحوالي ١٥٠ ألف طن غاز و1,5 مليون طن بنزين و٩٠٠ ألف طن مازوت. 


ويبقى السؤال..



هل على لبنان أن ينتظر نتائج مسلسل الحفر والتحليل والاستخراج والتصدير التي يقدّرها الخبراء ما بين ٧ و٨ سنوات، كي يتسلم الأموال المطلوبة لبداية انفراج أزماته المالية والاقتصادية؟


الجواب انه بمجرد إعلان نتائج إيجابية عن وجود كميات تجارية من الغاز والنفط أو أي منهما، سيكون من السهل على لبنان أن يحصل باكرا على قروض فورية وبفوائد مخفضة جدا يمكن استخدامها - إذا سمح نظام الهدر والنهب! - في تنشيط الاقتصاد وزيادة فرص الاستثمار ورفع معدلات النمو والحد من البطالة وإستعادة الثقة بالعملة الوطنية وبالنظام المصرفي محليا وعربيا ودوليا.


مع الملاحظة انه إذا تزامنت نتائج الحفريات خلال منتصف العام المقبل، مع مسيرة المفاوضات المرتقبة مع صندوق النقد الدولي، فان لبنان قد يختار عندها الحصول على قروض مباشرة من الأسواق المالية الدولية والعربية، وبفوائد ميسّرة، ودون الحاجة الى دفع أثمان شروط الصندوق، وإنما دائما بإصلاحات مالية ونقدية وإدارية لا بد منها أيا كان مصدر القروض.


ملاحظة: قبل أكثر من ١٠ سنوات أكد تقرير صادر عن شركة Noble Energy الأميركية بالتعاون مع شركة Derek Group الاسرائيلية أن هناك نسبة ٥٥% احتمال بأنه يوجد في ما يسمى شمال إسرائيل (جنوب لبنان) على عمق ما بين ٥٨٠٠ و٧٢٠٠ متر، حوالي ٢٣ ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي تشكّل ضعف احتياطيات الغاز البريطاني في بحر الشمال، إضافة الى مليارات من براميل النفط. وان «الكونسورسيوم» الأميركي - الإسرائيلي عثر على كميات تجارية من الغاز في ما أسماه التقرير «حقول إسرائيلية في جنوب لبنان»(!) تكفي حاجة إسرائيل من الغاز الطبيعي لعشرات السنين. كما أشار تقرير في حينه للشركة النرويجية Petroleum geo-services انه في البحر المتوسط، على المنطقة الممتدة من قبرص ولبنان وإسرائيل ودلتا النيل المصرية، ما لا يقل عن ٢٢٣ ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي بما قيمته ١ ترليون و٧٨٤ مليار دولار (بسعر الغاز عام ٢٠١٠).


علما ان إسرائيل لم تلزم نفسها بالمعاهدة المسمّاة Mantego Bay المتعلقة بالحقوق البحرية، وهي معاهدة انضم إليها لبنان الذي أرسل في العام ٢٠١٠ الى الأمم المتحدة خرائطه البحرية، فيما إسرائيل التي تتجاهل هذه الخرائط اكتفت في حينه بالإعلان على لسان وزير البنية التحتية انها ستتعاون في هذا المجال مع قبرص واليونان ومع شركات النفط والغاز الدولية في استثمار الثروة الغازية والنفطية على ساحل البحر المتوسط.

ذو الفقار قبيسي