صحيفة عبرية: هكذا رفعت “الثورة الإبراهيمية” الستار العربي أمام الدولة “اليهودية"

صحيفة عبرية: هكذا رفعت “الثورة الإبراهيمية” الستار العربي أمام الدولة “اليهودية"

تعرض محافل في اليسار "الإسرائيلي" التقرب بين نتنياهو والجمهور العربي (الفلسطيني) في "إسرائيل" كحيلة انتخابية قصيرة المدى، كظاهرة لا تدل على تغيير حقيقي في موقفه المتحفظ والمتعالي من المجتمع العربي. إن ميل فحص الوضعية عبر البعد السياسي الضيق يفوت الثورة الحقيقية التي تتميز بها علاقات "إسرائيل" مع شعوب الشرق الأوسط كله والتي تعد العلاقات مع "عرب إسرائيل" (أصحاب الأرض الفلسطينيين) مجرد مقياس لها.

في إطار هذه الثورة، لا يوجد مكان حقيقي للمفاهيم الرومانسية والقيمية والأيديولوجية، التي عرفت في الماضي السياسة الإقليمية، بل العكس هو الصحيح؛ يقبع في أساسها استعداد اللاعبين الإقليميين لتوديع أحلام الأفق المطلقة ورؤى التطرف التي تُصمم عبر سياسة الهويات في صالح جدول أعمال يقوم على أساس تعريف المصالح، التي تفضل فيها الحياة في الحاضر على تلك في المستقبل.

إن التنمية الاقتصادية وجودة ومستوى المعيشة، وجودة البيئة، والتنمية التكنولوجية، ومصادر الطاقة وصحة الجمهور، هي اسم اللعبة قبل كثير من أهداف غبية ميزت السياسة القديمة للشرق الأوسط في صيغته ما قبل "الربيع العربي" 2010. وجدول الأعمال العملي – البراغماتي الذي يميل لطمس خطوط الانكسار القومية واضح جيداً في “اتفاقات إبراهيم” التي وقعت عليها "إسرائيل" مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، والتي وجهت لها في حينه انتقادات من جانب دوائر اليسار على كونها اتفاقات منفعة عديمة القيم.

ويتضح أثر الفهم الجديد للعلاقات في الشرق الأوسط في الدائرة الأقرب أيضاً لعلاقات "إسرائيل" مع السلطة الفلسطينية. وهكذا يشهد تفضيل الطرفين، في القدس ورام الله، لتأجيل الانشغال بالطموحات الوطنية – الأيديولوجية، الضم الكامل من جهة والدولة المستقلة من جهة أخرى، مقابل الاستقرار الأمني "لإسرائيل" وإمكانية حياة الرفاه الاقتصادي والإدارة المستقلة لحكم ذاتي للفلسطينيين. وبمفاهيم عديدة، فإنه النموذج الذي تدخل إليه أيضاً "إسرائيل" وحماس في قطاع غزة، بمساعدة المال القطري.

إن شروط المحبة التي تتميز بها العلاقات بين نتنياهو والأقلية العربية (الفلسطينيين) في "إسرائيل" هي جزء من ذاك الميل العام. عملياً، لا يدور الحديث على الإطلاق عن ظاهرة جديدة، إذ أن الأقلية تحظى منذ عقد بعناق شامل من جانب اليمين "الإسرائيلي" ودولة "إسرائيل" في شكل الخطوة لدمج السكان العرب في الاقتصاد اليهودي، هذه المرة ليس في مكانة “حطابين وسقاة” بل كجهة تساهم في الاقتصاد الوطني. ومثل منظومة العلاقات بين "إسرائيل" ودول الخليج التي دارت من تحت الرادار وأصبحت في السنة الأخيرة اتفاقات رسمية، فقد رفع الستار الآن عن هذا الميل وارتبط قسم منه بـ “الخروج من الخزانة” لشخصيات عامة عربية مثل النائب منصور عباس، ورئيس بلدية الناصرة علي سلام، في كل ما يتعلق بالتعاون مع اليمين في "إسرائيل".

يمر خط مباشر بين التحولات التي تجري في الدائرة الداخلية في العلاقات التي بين الدولة اليهودية والأقلية العربية، وتلك التي في الدائرة الأبعد المتعلقة بالعلاقات مع الفلسطينيين في "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) وقطاع غزة، وفي الدائرة الإقليمية العامة المرتبطة بعلاقات "إسرائيل" مع دول اتفاقات إبراهيم. والميل للاستخفاف بذلك باسم الفكر الذي يقدس رومانية القيم في السياسة الإقليمية والدولية، فإن عظمة التغيير الجاري في الشرق الأوسط الذي يتحلل من التعريفات الأيديولوجية في صالح جدول أعمال واقعي في إطاره "لإسرائيل" يفوت كقوة عظمى اقتصادية، تكنولوجية، بالطاقة، وليس فقط عسكرياً.

إذا ساعد الربيع العربي في شتاء 2010 في دفع دول الشرق الأوسط والفلسطينيين في "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) إلى نظرة واعية، تقدس الاستقرار السياسي الذي يتحقق بواسطة الاقتصاد، يخيل أن أزمة كورونا تفعل أمراً مشابهاً للوسط العربي في "إسرائيل". وبالفعل، هذا جدول أعمال جديد يركز على المنافع والمصالح، ولكن له أهمية كبيرة في طمس خطوط الانكسار الوطنية والأيديولوجية بين شعوب المنطقة. من هذه الناحية، تعد هذه بشرى إيجابية، حتى اليسار "الإسرائيلي" محب السلام يجب أن يستوجب آثارها على "إسرائيل"، فما بالك على سكان المنطقة كلها!

----------------------- 

الكاتب: دورون مصا

المصدر: "إسرائيل اليوم"

التاريخ: 18/1/2021