ماذا لو لم ينجح سمير جعجع؟

لا يخفى على أحد اليوم ما يقوم به سمير جعجع و"القوات اللبنانية". فلقد أطلق جعجع مبادرة وطنية لإطلاق دينامية للمعارضة في محاولة لتوحيد صفوفها؛ لأنّه في حال استمرار الأمور على هذه الحالة من التشرذم، واكتفاء الأفرقاء المعارضين بانتقاد الأداء السياسي لهذه الأكثرية الحاكمة بالتصريحات الفضفاضة فقط، من دون الذهاب إلى مدّ الجسور مع الآخرين، فالمستفيد الأكبر سيكون "حزب الله" وأكثريته. فمسعى جعجع هو إنقاذي بامتياز؛ أقلّه على مستويين:
الأوّل: إسقاط الأكثرية بالإنتخابات المبكرة واستبدالها بأكثرية كيانية لبنانية وأصيلة وصافية. فمن دون إسقاط هذه الأكثرية سينتخب رئيس مقبل على صورة الرئيس الحالي، وبالتّالي نكون قد مدّدنا لهذه السلطة سنوات ست مقبلة، هذا إن خلت من أيّ تمديد خسيس مقبل.
الثاني: باستبدال هذه الأكثرية يستعيد لبنان وهجه السياسي مع إدارة جديدة تحرص على المال العام وتحقّق الاصلاحات المطلوبة، في الإقتصاد والتربية والسياحة والإستشفاء والإعمار، وتعيد بناء علاقات لبنان الديبلوماسية التي أفرغته هذه الأكثرية منها. وبالتالي يعود لبنان فاعلاً في عمقه العربي الاستراتيجي، وفاعلاً كبلد الرسالة الحضارية بين الحضارات في العالم أجمع.
لقد وضع خريطة طريق واضحة للمرحلة المقبلة. ولكن تسارعوا لوضعه في مواجهة العهد، وتحديداً الرّجل الأول فيه، أي فخامة الرئيس، لأنّ هذا الموضوع "كسّيب" في الشارع المسيحي حيث يثير الغرائز الإقتتالية بين الإخوة. يظهرون أنفسهم بموقع المُعتَدَى عليهم وهم الذين يمثّلون الدولة، بينما "القوات" هي ميليشيا الزعران. في حين أنّ الحقيقة هي معكوسة تماماً. وحدها "القوات" حافظت على نواة المؤسسات الرسمية في المنطقة الشرقية، بما فيها القوى المسلّحة، وسلّمتها جميعها للدولة الشرعية التي نالت الشرعيتين العربية والدولية بعد اتّفاق الطائف.
لقد رسم جعجع معالم المرحلة المقبلة، وحدّد معركته مع الأكثرية الحاكمة، وليس مع العهد وقواه السياسية فحسب. لقد مكّن تيّار العهد "حزب الله" من تحقيق الأكثرية النيابية المطلوبة للسيطرة على الحكم. هذا فضلاً عن تمكينه من القدرة التغييرية للنظام، بحجّة تطويره كما ادّعى الوزير باسيل، ليتمكّن من فرض مشروعه تحت رعاية الولي الفقيه. فالمعركة إذاً مع هذه الأكثرية مجتمعة، ويبدو أنّ الفريق السيادي بات مقتنعاً اليوم بخريطة الطريق التي طرحتها "القوات" إلا أنّه يترقّب اللحظة المناسبة لإعلان موقفه بكلّ تجرّد.
لكنّ المشكلة تكمن في السقف السياسي الذي رسمه جعجع مع فريقه الذي خاض تجربة المؤسّسات. وهذا ما قد لا يناسب بعض من تحوم حولهم أيّ شبهات. حيث لكلّ من هؤلاء أزلام في صلب مؤسسات الدّولة وصناديقها. ولن يسمح الخطّ السياسي البياني لجعجع بالتّغاضي عن أيّ من هذه الممارسات. لذلك، وحتّى هذه اللحظة، يبدو أنّ هذه القوى تسعى إلى التكتّل، والبحث عن حيثيّتها الميثاقية الوطنية لتستطيع مواجهة جعجع، وتحجيمه سياسياً، تمهيداً لإسقاط مشروعه في الجمهورية القويّة. وإن حصل ذلك سنكون أمام حال من الفوضى الشاملة. ومَن يضمن عدم العودة إلى ما قبل تسعينات القرن الماضي؟
لكن حتّى هذه اللحظة، لا يبدو أنّ هذه الحركة الاعتراضية قد استطاعت النجاح بذلك، لأنّها لم تستطع استيعاب حركة الشارع كما استطاعت استيعابها "القوّات" التي تتناغم بمطلب الانتخابات النيابية مع أبرز مطالب الشارع الثائر. وهذا ما لن يُنجِحَ أي تحرّك مقابل التحرّك القوّاتي. وإن نجح بذلك فهذا يعني أنّنا سنكون أمام جبهة معارضة light، تعترض على وجود العهد لا على الأكثرية التي قد تتعامل معها من منطلق الواقعية السياسية. وعندها سيدفع لبنان مجتمِعاً مجدّداً فاتورة إسقاط مشروع "القوّات" في الجمهورية القويّة. ولن يستطيع الشعب اللبناني الخروج من حصاره ومأزوميّته السياسية الكيانية؛ ولن يتمكّن من استعادة وهجه في المجتمعين العربي والدولي المطالبَيْن بالوقوف مع الارادة اللبنانية الأصيلة.
وإذا لم ينجح جعجع في تحرّكه هذا، يعني أنّ لبنان سينزلق أكثر فأكثر نحو المزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي. ومَن يضمن الأمن عندها، والفوضى المجتمعيّة – الاجتماعيّة؟ ومَن يحمي هيكل الدّولة مِن السقوط؟ فهل سيقبل شارع 17 تشرين بالإنقلاب السياسي على وجع ناسه وأهله؟ وهل مَن يتجاوز الأَنَوِيَّة السياسية لحساب مصلحة الوطن؟ وهل مَن يجرؤ على إعادة بناء أولويّاته الوطنية؟ أم قدر"القوّات اللبنانية" أن تبقى دائماً وحدها في الجبهة المعارضَة؟
د. ميشال الشماعي - نداء الوطن