في ذكرى الوحدة...واناصراه: خورشيد الحسين

في ذكرى الوحدة...واناصراه: خورشيد الحسين


مطلع شباط عام 1958تقدم الحلم العربي خطوة نحو تحقيق غايته الكبرى بالإعلان عن الوحدة الإندماجية بين مصروسوريا,وأُعلنت الوحدة في الثاني والعشرين من نفس الشهر بعد موافقة أغلبية أبناء الإقليمين وتم اختيار القائد الخالد جمال عبد الناصر للدولة الوليدة.

لم تكن الوحدة كما يصورها البعض حدثا عابرا فُرض بالقوة ولا انفعالا عاطفيا نتيجة الشخصية الكاريزماتية للقائد الخالد جمال عبد الناصر حيث جسد صورة البطل المخلص للأمة العربية للخروج بها من حالة التشرذم والمحاور الإستعمارية وهيمنتها على الأمة ,بل كانت الوحدة وما زالت مطلبا جماهيريا وحاجة قومية دفعت الأمة ثمن التآمر عليها من حاضرها ومستقبلها الكثير الكثير وما زالت تدفع حتى يومنا هذا.

المرتكز الفكري للوحدة وأحلامها وضرورتها آنطلقت من فكر ومواقف القائد الخالد جمال عبد الناصر.التي تلاقت مع الحس الجماهيري وأماله وطموحاته الذي أدرك منذ البدء أن لا مناص من توحيد الجهد العربي وصهره في بوتقة الوحدة كي تستعيد الأمة تاريخها وتصنع مستقبلها وتخلع ثوب الهزيمة وهيمنة الإستعمار والأنظمة الرجعية المسلطة على رقاب العباد وثروات البلاد والمنخرطة في مشاريع الصهينة والتغريب على حساب الأمة ووجودها.

الحركة الأولى في مسار الوحدة المصرية_السورية كانت اتفاقية الدفاع المشترك عام 1955 وفي عام 1956 وضعت الحكومة السورية في برنامجها قضية الوحدة بين البلدين تلاها اتفاقية الوحدة الإقتصادية عام 1957.رافق هذه الأحداث فرحة شعبية عارمة ترددت أصداءها على مساحة الوطن العربي ,وقد شعروا أن تاريخا جديدا يٌكتب ,وأن الحلم أصبح حقيقة ملموسة ,وأن الوحدة خرجت من دائرة التنظير والنخب الى دائرة التنفيذ ,فالتفت حولها الملايين من المحيط الى الخليج.

هذه الوحدة التي شكلت محطة مضيئة في مسار النضال القومي الذي قاده القائد الخالد جمال عبد الناصر والقوى الحية في سوريا ومباركا من النخب القومية في العالم العربي كانت مدعومة ومحصنة بالإحتضان الجماهيري كإنجاز لها وتحقيقا لرغبتها وحاجتها لم تكن بعيدة عن عيون الإستعمار وأعوانه وربيبته دولة الكيان الصهيوني التي رأت فيها بداية لصحوة تاريخية خرجت من المفردات الخطابية الرنانة والشعارات الفارغة من الفعل التي آعتادتها لتدخل مع (ناصر العرب)حقبة جديدة وميلادا جديدا لأمة عانت على مدى قرون من الإحتلالات والإستعمار وقد رأت فيه القوى المعادية بداية النهاية لها ولمشاريعها الأستعمارية والإستيطانية التوسعية والهيمنة والتسلط بالشراكة المذلة مع الأنظمة الرجعية التي بدأت تتلمس مواقعها الرابضة على صدور شعوبهم.

في ليل مظلم ,تحرك عسس التاريخ وسراق الحرية وأرباب الخيانة لينسجوا كفن الوحد وقتلها ودفنها,حدث الإنقلاب الإنفصالي,وكان الإنقلاب الوحيد في تاريخ سوريا الذي تصدت له الجماهير بكل قوتها ,شعر الشعب السوري,كما كل الشعب العربي أن الطعنة موجهة لظهره وصدره مباشرة ,وهذه الحقيقة. تعبيرا عن قوة أعداء الداخل ووحدة الهدف مع أعداء الخارج.

كانت الردة الأنفصالية والمواقف التي واجهتها تؤكد أن التكامل العربي أمر غير مستحيل بالرغم من الإنفصال,كانت الوحدة أكثر من تجربة تقاس بعمر السنين ,لقد أكدت هذه الوحدة ان الجماهير العربية فيما لو توفرت لها الحرية والديموقراطية في التعبير واستطاعت أن توجد ألياتها وأدواتها في تهيئة المناخ الإجتماعي والسياسي تستطيع أن تفرض إرادتها في صناعة القرارالوطني,وبفرض أجندتها في الوحدة والتكامل بما تملك من وعي بذاتها وبالمخاطر التي تحيق بها من الداخل والخارج. لقد أثبتت التجارب ,واليوم أكثر من أي وقت مضى, أن لا أمن عسكري ولا سياسي ولا اجتماعي ولا تطور ولا نمو ولا حرية ولا كرامة ولا تماسك مجتمعي في ظل الدول(القطرية),بل كانت, وهي اليوم كذلك, عرضة لكل المؤامرات التي تحاك للأمة .تنفذ من خلال ثغرات الضعف التي تعاني منها,ومن خلال ترهل النظام الرسمي وتآكله من الداخل. أليوم نزداد قناعة بضرورة التكامل لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية,لا نحلم بصيغة إندماجية فورية,بل الحد الأدنى الذي يحفظ الأمة ووجودها .كيان عربي اكبر حاضن للكيانات الوطنية القائمة بما يحترم واقع كل مكونات الاتحاد دولا او جماعات، فيحقق المصالح الكبرى للامة من دون ان يهمل احترام خصوصيات كل قطر او مكون من مكونات الامة.فلا أحد يستطيع ان ينكر حجم الصراعات الاهلية الدموية المعلنة والكامنة في جسم الامة ومخاطرها الوجودية والتي آتخذت طابعا أثنيا وطائفيا ومذهبيا وفتح الباب لكل الطامعين من أعداء الأمة كي يعملو فيها نهشا وقضما وإلغاء من الجغرافية لتقوم على أنقاضه قبائل بأسماء دول ومذاهب تحمل راية العصبية تخوض صراعاتها بأسم الدين تنفيذا لمآرب خارجية ,ففلسطين وسوريا والعراق وليبيا ,وغيرها من أقاليم الأمة العربية التي تكمن النار في خلاياها عٌرضة لحمامات الدم والصراعات العبثية وعلى قائمة الفناء والإلغاء من الوجود .ولا حصانة ولا حماية ولا حاضنة تستطيع أن تلجم هذا الواقع من التطور نحو الأسوأ ,هذا الأسوأ الذي لن ينفذ إقليم عربي واحد من بصماته الدموية إلا باجتماع العرب على كلمة واحدة تحت أي عنوان كان ,في إطار كياني مهما كان شكله وأسمه وليكن له غرض واحد وهدف واحد ,وقف التدهور وإطفاء النار وإقامة درع واق يحفظ الأمة ووجودها ...فهل من عاقل يسمع؟؟؟؟