ارتفاع نسبة جرائم الإبتزاز الجنسي الكترونيا..والحجر المنزلي واحد من الأسباب

ارتفاع نسبة جرائم الإبتزاز الجنسي الكترونيا..والحجر المنزلي واحد من الأسباب

كتب محمد هاني شقير:

هي الخدمة الموضوعة في متناول الأشخاص الذين يقعون في شرك المحتالين، ومن ضمنها يتلقى العسكريون القائمون عليها شكاوى مَن يتعرضون للابتزاز الجنسي. وبغية توعية المجتمع عممت شعبة العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي جدولاً مقارنًا ضمّنته عددا من شكاوى الابتزاز الجنسي التي حصلت بين عامي ٢٠١٩ و ٢٠٢٠ تحت عنوان: “ما تتصور، الخطر حقيقي”.

إنّ جريمة الابتزاز بشكل عام، هي الأكثر رواجًا لدى المتربصين الذين يستخدمون تقنية وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة لتحقيق مآربهم الشخصية وأطماعهم في كل ما يمكن لهم الوصول إليه عن طريق الابتزاز الاحتيالي، وفي هذا السياق سجل في العام 2018 وقوع 509 جرُم اوقف بنتيجته 141 شخصًا، ليرتفع العدد في العام 2019 الى 645 جريمة أي بزيادة بلغت 136 عملية عن العام 2018. غير أن جريمة الابتزاز الجنسي بشكل محدد بدأت تزداد بشكل كبير وتحمل دلالات خطيرة من شأنها أن تعمّق المشكلات المجتمعية وهي مشكلات يمكن تفاديها من خلال نشر الوعي وممارسة الأهل دورهم في التفاعل مع أبنائهم بشكل إيجابي.

ويلفت مصدر أمني مطّلع الى أن الحجر الذي فرضته جائحة كورونا زاد من وقوع تلك الجريمة معطوفًا عليها الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تنعكس تنافرًا اجتماعيًا يستغله المجرمون لينفذوا الى عناصر الأُسرة وبخاصة السيدات مستغلين تلك الظروف لتحقيق هدفين اثنين: المال والجنس وكلاهما معًا.

ويدعو المصدر الى ضرورة تحسين العلاقة بين أطراف الأسرة عمومًا وخصوصًا بين الأهل والأبناء الذين وجب توعيتهم إلى عدم التواصل مع من لا يعرفونهم من جهة، وعدم إرسال صور لهم في وضعيات يمكن استغلالها حتى لمعارفهم كي لا تقع، بشكل أو بآخر، بأيدي المجرمين، يختم المصدر الأمني.

فبحسب الأرقام الواردة في الجدول المنشور فإن جرائم الابتزاز الجنسي زادت بشكل كبير جدًا سنة ٢٠٢٠ عنها في سنة ٢٠١٩، حيث سجل في العام  ٢٠١٩ ورود ٢٠٠ شكوى ليرتفع العدد في العام  ٢٠٢٠ الى٨١٥ شكوى بزيادة مئوية فاقت الـ ٣.٧ بالمئة. وهو مؤشر لم تصل إليه معظم أنواع الجرائم الأخرى. وبينت الأرقام أيضًا أن عدد المشتكين من القاصرين بلغ ١١ سنة ٢٠١٩ ليرتفع العدد سنة ٢٠٢٠ الى ٩٤ شكوىً، أي بزيادة كبيرة جدًا فاقت الـ ٧٥٤ بالمئة.

إن الابتزاز الجنسي الالكتروني يستهدف النساء والرجال على حدٍ سواء، لكن السيدات هنّ أكثر عرضة من الرجال لهذا النوع الجرمي، فمن أصل ٢٠٠ شكوى وردت سنة ٢٠١٩ هناك ١٤٦ تقدمت بها سيدات و٥٤ شكوى تقدم بها رجال، أي أن نسبة السيدات المستهدفات تفوق الرجال بـ ٦٠ بالمئة. وفي سنة ٢٠٢٠ أبلغت ٦١٨ سيدة عن ابتزازهن مقابل ١٩٧ رجلاً، فيكون معدل زيادة ابتزاز السيدات ما يربو عن الـ ٦٨ بالمئة.

كما أن نسبة الزيادة المسجّلة عند النساء أنفسهن زادت كثيرًا جدًا، ففي سنة ٢٠١٩ تعرضت ١٤٦ سيدة للابتزاز بينما وصل العدد سنة ٢٠٢٠ الى ٦١٨، اي أن الزيادة وصلت الى ٧٦.٣٧ بالمئة. أما عند الرجال فقد كان عدد المستهدفين سنة ٢٠١٩، ٥٤ ليرتفع سنة ٢٠٢٠ الى ١٩٧، بزيادة بلغت ٧٢.٥٩ بالمئة.

الدكتورة جنان الخوري، الخبيرة القانونية في الاسكوا  ESCWA في التشريعات السيبرانية رأت أنه على الرغم من تباين مفهوم الأخلاق بين مجتمع وآخر، فما هو حق في مجتمع قد يعد باطلاً في آخر، وما يعتبر من صميم أخلاق أمّة معينة، قد لا يعتبر كذلك لدى أمة أخرى،… إلاّ أنّ جرائم التكنولوجيا الحديثة أكثر ما تصيب وتجرِّح المبادئ الأخلاقية والمعايير العليا بأكملها، لا سيما التحرش الجنسي بالنساء والأطفال واستغلالهم عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، وترويج الدعارة، وتحريض القاصرين على أنشطة جنسية غير مشروعة واستغلال الأطفال والقاصرين، والتحريض على القتل والانتحار، بث المعلومات المضللة واستغلال الاطفال والنساء جنسيا وانتاج وتوزيع المنتجات الإباحية  التي تستغلهم لأغراض تجارية ويشار اليها باسم “الصناعة الترفيهية للكبار”.

“إلا أنه، وإذا كان التطوّر العصري والتكنولوجي ولا سيما التقنيات الإعلامية قد شمل مختلف الميادين، تبقى هناك  ودائماً مبادئ سامية ونواة حية، تتمسّك بها المجتمعات الإنسانية مع اختلاف ثقافاتها، لأنها مشتركة بين الناس أجمعين. فالآداب هي، في الواقع، عادات الناس الشرفاءLes bonnes mœurs ne sont au fond, que les coutumes des honnêtes gens” . فمعيار الآداب هو الناموس الأدبي وهو معيار موضوعي لا شخصي. إذاً اقترح Jeremy Bentham  قديما إنشاء  “صيدلية عقوبات” لوصف العقوبة وصفًا جيدًا وتحديد المعايير على الجرائم المحددة والمتنوعة. واليوم ألا تحتاج هذه الجرائم لا سيما الابتزاز الجنسي الى وصفة عالية المعيار؟”

أثّر الحجر المنزلي كثيرًا على النفس الإنسانية، وطالت هذه التأثيرات الذكور والنساء على حدّ سواء، فالنفس في مواقع الخوف من المرض والوباء تصبح هشة، ومع فرض القيود الاجتماعية التي تحد من التواصل الاجتماعي وتضع شروطًا على قواعد ولياقات التواصل، ومنها التزام البقاء في المنزل، برز موضوع الابتزاز الجنسي، وكانت النساء الفئة الأكثر عرضة لهذا النوع من الابتزاز، وهذا لا ينفي تعرض الفتيان الذكور للتغرير بهم، ولكن الشكاوى التي وصلت أظهرت أن غالبية الضحايا هن إناث كون الذكور يشعرون بنوع من الغبن والعار إذا بلغوا عن هذا النوع.

وفي هذا الإطار رأت الدكتورة مي جبران، أخصائية العلاج النفسي والإرشاد الزوجي وتوجيه الشباب، أن الانقطاع عن المجتمع هو مشكلة كبيرة ولا سيما لدى المراهقات والسيدات اللواتي ينقطعن عن مدارسهم وأعمالهم فضلاً عن الوضع الاقتصادي السيء ومشاعر الخوف من الموت والقلق. كل هذه الأمور سببت اضطرابًا في الشخصية وبالتالي ضعفت عندهن المناعة النفسية فسهّلت، بحدود معينة، الابتزاز الجنسي وبخاصة لدى المراهقات اللواتي يكنّ في طور ولادة الذات وتكوّن الجسد، اي أنهن يبلورن هويتهن الجنسية الأنثوية. وبسبب ازدياد غريزة الموت thanatos جراء جائحة كورونا فإن حالات الاكتئاب تزداد هي أيضًا عندهن. لذلك، فإن التحرش الذي يبدأ بالغزل والكلام الجميل يشعر السيدة بنوع من النرجسية ويعكس لها صورتها الجميلة كما لو أنه مرآتها. إضافة الى توفر الرغبة بمشاعر الحب والجنس الايروسية التي هي غريزة الحياة حيث تشعر الأنثى بكيانيتها وباختلافها، وتعويضًا عن العلاقات الحبية والجنسية وتبادل المشاعر في الظروف الطبيعية، تولد عملية التواصل عبر الشاشات ورويدًا رويدًا، يذهب المتحرش للطلب من ضحيته أن ترسل له صورًا لجسدها و”فيديو”، وهكذا يتمكن من ابتزازها ماليًا وجنسيًا، وبسبب خوفها من انكشاف أمرها عند أهلها والمجتمع تغرق أكثر في هذه المشكلة.

تضيف جبران:لقد واجهت في العلاج العيادي حالات وصلت ببعض الفتيات المراهقات الى حد محاولات الانتحار. إنّ  الحاجة الى العاطفة والحب هما من الأسباب الرئيسة التي تؤثر في قبول السيدات بالغزل والكلام الجميل، وهذه الظاهرة تطال سيدات كثيرات، ومنهن نساء متزوجات ويعانين من فتور في علاقاتهم الزوجية، ما يدفعهن للتأثر بالكلام الذي يدغدغ مشاعرهن، وفقدان المناعة النفسية عامل أساسي في الرضوخ للتحرشات الجنسية الإلكترونية.

وتختم جبران بأن علاج هذه الحالات يتم من خلال تقوية المناعة النفسية وفق مراحل العمر؛ فالمراهقات بحاجة إلى اهتمام أكبر من قبل الأهل ومراقبتهن وإعطائهن الثقة بالذات بطرق إيجابية وأمل بالمستقبل، بينما الأكبر سنًا بحاجة إلى إقامة علاقات سوية مع الاصدقاء وأفراد الأُسرة وخلق أجواء مريحة وغنية بالنشاطات.

وفي النهاية أكّدت جبران على ضرورة الاستشارة النفسية للحدّ من  معانتهن.

 

 المصدر: وكالات/ الحوار نيوز