رأي في مقدمي ومقدمات أمسيات الشعر !!!
كتب : مردوك الشامي
التقديم قيمة نقدية ، وكشافة ، لا تعطى لكل من هبّ وسبّ ودبّ..
لا اعتراض على حكـم واقع الحال ، في هجمة الأمسيات الشعرية علينا ، كما وابلِ جرادٍ زاحف ليأكل الاخضرار واليباس..
وفي بعض هذه الهجمة ، نحظى بين حين وآخر بسماعٍ يليق بمقام الشعر، وهذا نادر وقليل..
ولا اعتراض على "وباء" التمشعر، والتشاعر، والاستشعار عن بعد ٍوقربٍ وبين وبين ، فللشعر غواياته التي بلا حدود ، والزمان وحده سيد الغربلة..
الاعتراض هو على كيفية تقديم دونكونشيتيي هذا الغزو !..
على المتنطّحين والمتنطحات للوقوف على منابر تقديم أمسيات الشعر..
الجمهور المغلوب على أمره ، في نهاية الأمر ، سيرى الاعوجاج ، وهو قادر على التمييز ما بين الغث والأغث..
لكن أن يقف مقدّم أو مقدّمة الأمسية في جولة للتكاذب على الواقع تمتد لدقائقَ طويلاتٍ وسمجاتٍ ، ليضع الذي يقدمه في مقام المتنبي ، وامرىء القيس ، وجرير ونزار قباني ، ومحمود درويش ،وكل الكبار ، وأحيانا يبالغ في المديح كما لو أن الشاعر الذي يقدم له سيهبط علينا بالمعجزات من السماء السابعة ، ونفاجأ وقت صعود الشاعر المنصة ، أنه مجرد شويعر أو أقل ، فالسكوت على هذه الرذيلة رذيلة!. والصمت عن هذا الانحدار أنحدار وشراكة يمكن تجريمها في المؤامرة على الشعر.
الكذب أمر في منتهى السهولة ، لا يحتاج إلى جرأة أبدا ، الصدق هو المحتاج للجرأة ، والشفافية ، لكي لا يختفي ما تبقى من بياض وهو نادر جدا من عالمنا الملتبس تماماً.
ثمة استخفاف في تلبيس عباءة التقديم لأي كان أو تكون..
وكأن التقديم أمر ثانوي ، كأنه تقديم لحفلة ماجنة في مرابع الليل ، أو حفل لانتخاب ملكة جمال المساحيق..
التقديم ، إن لم يكن أهم من شعراء الأمسية ، فهو موازٍ لهم ، لأنه شهادة على المسيرة وعلى ما سيقال.
والتقديم قيمة نقدية ، وكشافة ، لا تعطى لكل من هبّ وسبّ وذب..
وبعيدا عن ركاكة اللغة لدى غالبية المقدمين والمقدمات ، بعيداً عن نحر سيبويه ، وقص لسـان العرب ، واغتيال النحو والصرف ، نكتشف أن السيد المقدم أصلا لا يعرف المقدَّم بفتح الدال ، ولم يقرأ له كتابا أو قصيدة ، ومع ذلك يقف على منبر الأكذوبة ليقدم أطروحات في التملق والتحلق وكرنفالات المكياج.
البعض يستعرض متانته اللغوية ، وعضلاته البلاغية ، ويطلق أوصافا ونعوتا ، مختلسة من متحف القواميس ، يقدم نصا يصلح لكل زبائن المنصات ، فقط عليه التذكير والتأنيث، واستبدال الأسماء..
والبعضُ ، يهرب إلى التوصيف ، والترصيف ، بلغةٍ مومس ، وحروف من شبهات.
والبعض ، يكون في وادٍ ، والمناسبة بأسرها في واد آخر..
والبعض والبعض ، والغالبية يسقطون في مستنقع التلميع لا أكثر.
والمستغرب ، أن يقبل الشاعر بتقديمٍ يعطيه أكثر مما يستحق ، ويتواضع أحيانا ليهمس بخجل مصطنع: أعطيتني أكثر مما أستحق ، وبينه وبينه يتشكل في داخله منطاد الغرور.
أنا أحيانا أقف على منصة التقديم ، ولا أعفي نفسي من اللوم ، على أنني أحيانا أجامل وأجمّل ، لكنني أفعل مع الذين يستحقون ، وأسعى لتأسيس خطاب نقدي وبليغ في قراءة الشعر ، وليس الشعراء..
وأعدكم أنني مستقبلا ، لن أقدّم سوى الشاعر ، أو الشاعرة ، وأمدّ إصبع توما نحو نتاجهما بكل وضوح.
ألا ترون معي ، أن الشعر الحقيقي يحتاجنا جميعا ، لكي ننصره في زمن تنتصر فيه الفقاعة على قطرة الحبر، والصورة على القلم والأحاسيس..
هي دعوة للجميع ، للمنتديات ، والجمعيات ، والشعراء والشاعرات ، والنقاد : كونوا صادقين وصادمين ، لكي نستعيد الصحو..
التقديم شريك رئيسي في كل الأمسيات ، اجعلوه شريكا يليق بالشعر ، كي نخرج من الهشاشة إلى البريق.