لبنان في "حالة حرب".. والاستنفار الفرنسيّ الأميركيّ غير مضمون النتائج

لبنان في "حالة حرب".. والاستنفار الفرنسيّ الأميركيّ غير مضمون النتائج

بانتظار ظهور نتائج "الضغط" الفرنسي – الأميركي، الذي تحدّث عنه وزيرا خارجية فرنسا والولايات المتحدة في سياق الدفع باتّجاه تأليف الحكومة، كرّس الاستنتاج المشترك لإمكان "زوال لبنان"، في المؤتمر الصحافي لكلّ من جان إيف لودريان وأنتوني بلينكن، واقع الدخول الرسمي في المحظور بهمّة "مُجرمي" السلطة.


الصورة قاتمة وسوداوية إلى حدّ تحوُّل الساحة اللبنانية إلى ما يشبه ساحة حرب حقيقية تُرصَد مؤشّراتها في كل مكان، وبات السلاح الفردي المُستخدَم في الشارع جزءاً منها.


إنّ الكثير من المعلومات، كتلك التي تحدّثت عن تداول حتميّ بالملفّ اللبناني في الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الفرنسي لواشنطن في 15 تموز، بات تفصيلاً أمام الكارثة التي تحتاج إلى استنفار أمميّ أكبر بكثير للحدّ من تداعياتها. وهنا، يُفرَض سؤال بديهيّ عن فُرَص ولادة حكومة تتحكّم بها حسابات الزواريب والمعايير التافهة في ظل حالة الفوضى الشاملة.

مع ذلك، فإنّ معايير الداخل المرتبطة بتموضعات القوى السياسية لا تزال تعطي مؤشّرات يصعب تجاهلها حين يحضر الحديث عن خريطة المحاور في مرحلة ما بعد "الطوفان"، ومنها بالتأكيد الـ talk show الأوّل من نوعه بين التيار الوطني الحر وحزب الله.


عمليّاً، لم يكن خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ردّاً تفصيليّاً على دعوة جبران باسيل للتدخّل على خطّ مفاوضات تأليف الحكومة بقدر ما أعاد ترسيم العلاقة مع العهد، موجِّهاً رسائل بالمباشر إلى ميشال عون ورئيس تكتّل "لبنان القوي".


وقد برزت من بين سطورها لغة تخاطب إيجابية تجاه الجيش ودوره وآليّة تسليحه، غير مألوفة بالعادة في خطابات السيّد، رغم أنه أكّد على "إمرة" السلطة السياسية لمهام لجيش في مقابل "تصليح" أخطاء عدّة ارتكبها باسيل في الخطاب الأخير.


وقد تكون المرّة الأولى، منذ توقيع ورقة التفاهم بين الطرفين، التي يتخطّى فيها نصرالله أدبيّات الأخذ والردّ مع الحليف المسيحي عبر الإضاءة على مكامن "سوء التفاهم" أو تحديد المسافة الفاصلة في مقاربة الطرفين لأكثر من ملفٍّ خلافيّ.


فليس تفصيلاً أن يتقصّد نصرالله التذكير بأنّ "بعبع" المثالثة الذي يروِّج له باسيل راهناً في حكومة من 24 وزيراً على أساس تقسيم الثلاث ثمانيات، هو "اتّهام يُوجَّه عادة للفريق الشيعي بالسعي إليه".


وبذلك يكون الأمين العام للحزب قد لامَس خطّ تماسٍ حسّاس مع الحليف المسيحي الذي لا يتوانى في مجالسه المغلقة عن توجيه اتّهامات لقيادة المقاومة "بتركنا وتغطية الانتقال من المناصفة إلى المثالثة".


‏وذهب نصرالله أبعد من ذلك حين اعتبر أنّ استنتاجات عون وباسيل في شأن المثالثة "هي أوهامٌ ‏تُبنى على مواقف سياسية خاطئة"، معتبراً أنّ "البلد ‏مأزوم ولا يحتاج إلى المزيد من الأخطاء في تقدير الموقف والعداوات"، قائلاً "فليكن هذا الأمر واضحاً جدّاً".


وفيما رفض نصرالله دعوة باسيل له إلى أن يكون "الحَكَم" بينه من جهة، وبين نبيه بري وسعد الحريري من جهة أخرى، كان حاسماً في إشارته إلى سوء تقدير آخر لباسيل حين قال "‏لا أعتقد أنّ قوّة أخرى تمتلك حجماً مشابهاً لحجم حزب الله تقبل لنفسها ما يقبل به الحزب لنفسه".



وبطريقة غير مباشرة، ذكّر حليفيْه عون وباسيل بأنّ سلسلة "التنازلات"، التي أقدَم عليها في أكثر من حكومة مقارنة بحجمه الداخلي والإقليمي، لا تتناسب مع ما ينتظره باسيل من "تحصيل حقوق" على يد السيّد.

وكمن أخَذ بيد باسيل و"لفّ به وطِلع ونِزل" ليعيده إلى مربّع الأزمة نفسه، أفتى نصرالله بكون عين التينة الحاضنة و"الإطار الوحيد المتاح والطبيعي والمنطقي ‏الذي يمكن أن يوصل إلى نتيجة تُرضي رئيس الجمهورية ‏والرئيس المكلّف"، واعداً "ببذل المزيد من الجهود لمعالجة بقيّة النقاط العالقة".



 

وردّ نصرالله عن نفسه "تهمة" الحياد، التي كان باسيل في خطابه الأخير قد وجّهها إلى الحزب علناً بإعطائه أمثلة على عدم وقوفه في الوسط، لكنّ الأهمّ هو ما لم يقُله صراحةً، بل جاء ملحقاً غير سرّي لخطابه يوم الجمعة وترُجِم من خلال:


أوّلاً، التجاهل الكامل لكل الاتّهامات التي كالها باسيل للرئيس بري.


ثانياً، الإشارة المُبطّنة إلى "العلاقة الجيّدة" مع سعد الحريري لدرجة عدم الردّ على الجبهات المفتوحة ضدّه من قيادات تيار المستقبل، والأهمّ عدم التلميح إلى احتمال التفتيش عن بديل لـ"سعد المكلّف".


‎لكن ماذا بعد جولة الكباش الناعمة "مباشرة على الهواء" بين الحليفين، التي لها دلالاتها في السياسة؟ وهل يمكن أن تقود "الأفكار الجديدة" للحزب إلى حلحلةٍ حكوميّة؟


يجزم مطّلعون على المداولات الجارية حالياً أنّ "أيّ وساطة، من أيّ طرف أتت، باتت اليوم خارج سياق الأحداث التي ترسم مسار الخراب المحتّم. فقد خرجت الأمور عن السيطرة تقريباً، دافعةً إلى التسليم بصعوبة تأليف حكومة بعُدّة الشغل القائمة، وبمضمون المبادرة نفسها التي يسوِّق لها الوسطاء".



 

يقول هؤلاء إنّ "أقصى ما يمكن الوصول إليه، مع أو من دون اعتذار الحريري، هو قيام حكومة انتخابات أو حكومة طوارئ تتولّى الإعداد للاستحقاق النيابي، وتباشر "شويّة إصلاحات".


وما بعد ذلك، يضيف المطّلعون، "يبدأ الحكي الجدّي عن مسار جديد، أحد أهمّ عناوينه كسر بعض الأعراف التي رافقت ولادة كلّ الحكومات السابقة، خصوصاً "عُرْف" تكريس حقيبة المال للطرف الشيعي غير المفهوم دوليّاً وغير المتوافَق عليه في الداخل".


وترى مصادر بارزة أنّ "تكريس حقيبة لطرفٍ سياسيّ لا يستقيم مع المطلوب دوليّاً"، سائلةً "ماذا يعني إصرار برّي على وزارة المال، بغطاء كامل من الحريري، وموافقة من حزب الله لضرورات وحدة الصفّ الشيعي؟ وهل يمكن لبرّي أن يقف حجر عثرة أمام الحلّ، الذي كان أحد شروطه إعادة النظر في توزيع الحقائب السيادية بما يتماهى مع متطلّبات المرحلة؟".


وتضيف أنّ "تجاوز عقبة كهذه يفتح الباب أمام رزمة حلول ضمن مسار طويل سيُنتج مجلس نوّاب جديداً، فحكومةً، فرئيسَ جمهوريّة جديداً. وهي من المسائل التي باتت قيد التداول في لقاءات مسؤولين دوليّين معنيّين برسم خارطة الإنقاذ".


ملاك عقيل - اساس ميديا