23 يوليو..يوم لم ينته بعد...خورشيد الحسين

23 يوليو..يوم لم ينته بعد...خورشيد الحسين

يقول القائد في ( فلسفة الثورة ) : ” ولما انتهت المعارك (في فلسطين)وعدت إلى أرض الوطن , كانت المنطقة العربية في تصوري قد أصبحت كلا واحدا ” بهذه الكلمات لخص وحسم قلق الهوية التي كان يعصف بالأمة العربية منذ بداية الحكم العثماني وحتى معاهدة سايكسبيكو الني قسمت العالم العربي إلى دويلات , وحسم القضية لمصلحة الإنتماء للوطن الكبير ولمصلحة الأمة,كانت الهوية الإقليمية تتبلور وفق تقسيمات سايكسبيكو وتتقدم بالرغم من شعارات النخب الثورية حينذاك,إلا أن الواقع على الأرض بالنسبة للدول الناشئة كان يسير بطريق مختلف ويندفع باتجاه صياغة وتثبيت العلاقات الإجتماعيةالسياسيةالإقتصادية بملامح تتمايز عن محيطها الإقليمي والقومي وفق تركيبته المجتمعية التي فرضتها ورسمتها مطامع المستعمر بتقسيماتها ووفق مصالحه بما يمنحه القدرة على التحكم والسيطرة ,لقد كان عدم الإستقرار سيد الموقف ,فبعضها يعيش المخاضات الداخلية والإنقلابات والصراعات وبعضها كان ما زال تحت الإستعمار المباشر,وكانت قضية فلسطين والمؤامرة الدولية الكبرى عليها وعلى الأمة العربية قد انتقلت من مرحلة التخطيط ومرحلة الوعد (بلفور)بإنشاء وطن قومي لليهود إلى مرحلة التنفيذ.

العامل الفلسطيني لم يكن الأوحد لكنه الأكثر حضورا في تفتح وعي القائد على أرضها,فلخلفيته العسكرية والثقافية وكمدرس لتاريخ الغزوات ضد مصر والمشرق العربي في الكلية العسكرية دورا كبيرا ,كما كان((طغيان القصر الملكي وصراعات الساسة والأحزاب التقليدية والدعوات الانعزالية التي كانت تحاول شد مصر إما إلى التقوقع حول ماض سحيق ( الدعوة الفرعونية ) أو إلى الانتماء للخارج الأجنبي الغريب عنها لغة وثقافة ودينا ( حضارة البحر المتوسط ) . وكان أن تشابكت وتفاعلت تلك العوامل في مجموعها ليتشكل منها المنظور الذي أطلت منه القيادة التاريخية بعين التأمل الواعي وقدرة الفعل السؤول , على ما آلت إليه أحوال الأمة العربية صبيحة يوم الثورة في 23 يوليو 1952))

في فلسطين التحم الوعي الوطني والقومي للقائد بتجربة النضال والقتال ضد الصهيوني ,مما عمق رؤيته لضرورة الوحدة العربية في مواجهة الخطر الوجودي للمشروع الصهيوني التوسعي كقاعدة استعمارية على بقعة مقدسة من الوطن العربي الكبير وكجزء من مشروع هيمنة طويل الأمد متعدد الوجوه والأهداف والأطماع في بلادنا وثرواتنا.

وفي كلمة له في وفود فلسطين الوافدة إلى دمشق ٣/٣/١٩٦١ يقول ((حينما أتكلم إلى أبناء فلسطين فإنى أتكلم عن القضية العربية التى مست قلب كل إنسان عربى، أتكلم عن قضيتنا جميعاً.. فقضية فلسطين لم تكن أبداً قضية شعب فلسطين فقط؛ لأنها استهدفت العرب فى وطنهم الكبير، فى كل بلد من بلاد العرب. قضية فلسطين لا تعنى جهود الصهيونية فقط وجهود اليهود، ولكن قضية فلسطين منذ بدأت كانت تمثل تحالف الاستعمار العالمى والصهيونية العالمية ضد الأمة العربية والقومية العربية))

بهذه الرؤية المترابطة لمشروع نهضة الأمة العربية ,من بعدها الوطني وبعدها القومي ,ومن فلسطين البندقية والصراع مع الكيان الصهيوني والمشروع الغربي المتكامل معه تبلورت أفكار وأهداف ثورة 23\يوليو\تموز ….وما زالت مستمرة طالما أن أسبابها ما زالت حاضرة وبقسوة ومرارة أكبر وأهدافها ما زالت حلم الجماهير العربية برغم الأزمات والنكسات والمؤامرات ….وناصر ما زال حيا ينفخ في جمر الثورة وسيعود ليشتعل …يوم 23\يوليو لم ينته كما أراد له أعداء الأمة ولن ينته قبل أن تتحقق أهداف الثورة .فحضورها اليومي ما زال يشي بقدرتها على استعادة قوتها وحيوتها ويؤرق ليل الأعداء حتى الآن,

خورشيد الحسين