معك زاد ثباتنا...

معك زاد ثباتنا...

في كثيرٍ من السفرات التي كنت خلالها في عداد الوفد المرافق رئيس محلس النواب نبيه بري، بصفتي الإعلامية، وايضاً التنظيمية في حركة «أمل»، كنت أرى بعين الاعلامي كيف هي مراسم استقباله والترحيب به والحفاوة التي يُحاط بها، وبالعين الثانية كنت اراقب حركاته وسكناته وطريقة تنظيمه للامور في المؤتمرات التي يترأسها بصفتيه: رئيس اتحاد البرلمانات العربية ورئيس اتحاد البرلمانات الاسلامية.


وألفت العناية، الى انّه في الموسوعة التي اعددتها والمعنونة: «خمس سنوات من مسيرة الرئيس نبيه بري»، التي قدّم لها الدكتور احمد فتحي سرور (رئيس اتحاد البرلمات العربية السابق ورئيس مجلس الشعب المصري السابق)، انّه كتب في المقدّمة: «حين كنت ادعو الى جلسة من جلسات اتحاد البرلمانات العربية بصفتي رئيسه، كنت اسأل الأمانة العامة للاتحاد: هل سيحضر الرئيس نبيه بري؟ فإن كان سيحضر كنت اطمئن الى انّ الجلسة ستكون مثمرة، وإن اعتذر عن الحضور كنت أتيقن انّ الجلسة ستكون عادية».


وعند العودة الى الوطن، كنت أتابع كيف هي ردّات الفعل المحلية في لبنان على كلماته وخطاباته ومواقفه، وحتى «غمزاته» السياسية التي تبوح بكثير، بقليلٍ من الكلمات التي تحمل معاني وإشارات يفهمها اللبيب.


أما في «الحركة»، وحتى قبل تولّيه رئاستها عام 1980، وما بعدها، بقي هو هو، الأب والأخ الأكبر والصديق الحق، الذي يتصل ليسأل عن العائلة والاولاد ويطمئن الى الصحة والحال، ويقوم بالواجب وأكثر في الأفراح والأتراح، بعطف ومحبة صادقة لا لبس فيها ولا تحول، وايضاً القائد الحاسم في المحاسبة التنظيمية لأي خلل او تقصير تجاه الناس «المسؤولين امامهم لا عنهم».


هذه المقدّمة هي تمهيد يستوجبه انعقاد المجلس المركزي لحركة «امل» منذ ايام. ففي الجلسة كان الأخ الرئيس نبيه بري على ما عرفناه وخبرناه: عارف بتفاصيل القرى وأسماء الناس، متابع لدقائق الامور، موجّهاً بنفسه الى الحلول، جازماً بـ «انّه ممنوع تحت أي عنوان من العناوين على أي أحد، كائناً من كان في تنظيم الحركة وفي أي موقع مسؤولية كان، أو على ضفافه، أن تسوّل له نفسه بأن يلقي بسيئاته الشخصية والنفعية في مياه نهر حركة «أمل» الذي هو الناس، وهي أي الحركة، مسؤولة أمامهم وعنهم وليست مسؤولة عليهم. انّ الحركة كانت وستبقى ضمان وحدة لبنان، وأبناؤها سيبقون شموعاً ورواداً وكوادر، وكما هم طليعيون في مقاومة عدوانية اسرائيل أيضاً سنكون طليعيين في خدمة الناس والتخفيف عن آلامهم بالإمكانات المتاحة، وطليعيين في حفظ كرامة لبنان والإنسان، على قاعدة: «وتعاونوا على البرّ والتقوى».


سيدي الأخ الرئيس،


لم اتعوّد صف الكلام المنمق، وغالب الظن انك تعرف، ولا اكتب تزلفاً ولا رياءً، وأنت أخبر، ولكن الامور تجاوزت الحدّ وتفاقمت بلا ردّ حرصاً، وليس سكوتاً ولا قصوراً، لأنك تصرّ على انّ العمل هو الردّ، وانّ ما نقوم به هو في عين الشمس لا يحجبه غيم صيف، لكن إئذن لي بأن اتحمّل، وحدي، وبإقتناع، مسؤولية ما اكتب:


صبي لم يبلغ الفطام يحاول النيل من مقام الإمام الصدر وحركته وخطه، وهو شرب من بئر ارتوازية أمّنت «الحركة» حفرها في قريته، ويرمي فيها حجراً من حقده وقلة وفائه، متخاذل تعلّم في مدرسة بنيتها بين الطلقة والطلقة في عز الاحتلال الاسرائيلي وعدوانيته، يكتب بقلم اسود مقالاً مسيئاً لخط الأنبياء والرسل والصلحاء.


طالب حملته والحركة الى الخارج لينال درجة الدكتوراه، يتشاوف على ناسك والاهل في الدساكر والقرى، ويهاجم الحركة كإبن عاق.


موظف ما كان يحلم بأن يُنصف، يقود سيارته على طريق عبّدتها بعد ان كانت «كرّوسة»، ويتبجح بواحد من اولاده «يغرّد» كحسون جربان ضدّ الحركة.


واحدٌ من الكتبة الكسبة، كان يبيت في «عين التينة» ليكتب خبراً او حرفاً، اليوم يتحول الى حيث «شيك آخر الشهر» أدسم.


«ذباب الكتروني» يحوم حول تضليل وخداع بهدف واحد تصويب سهم الى نحر الحقيقة.


«ثوار آخر زمن» غبّ الطلب، يحاول مشغلوهم توجيههم في اتجاه واحد: نبيه بري هو الهدف!


سياسي يريد ان تكون الى جانب عثراته وهفواته والّا.. لأنك ترفض ان تكون شعبوياً او مخالفاً لمبادئك وما سننته من أعراف الحوار والنقاش.


الحق الحق أقول: «الشجرة المثمرة هي التي تُرشق بالحجارة الضالة،


هم يريدون خير الحركة ولا يريدون الوقوف معها او حتى الى جانبها.


هم يريدون ان تكون الحركة بقرة حلوباً، يستفيدون من ضرعها ويتركون امرها لله وهو الأعز الأكرم.


هم يريدون الحركة لخدمات شخصية والّا فهي ضدّهم وهم ضدّها.


هم يريدون الحركة جمعية خيرية وليس تنظيماً لم تهزّه كل الأنواء، ولم يستطع كل الترغيب، والترهيب، ان يفرض عليه ان يحيد عن نهجه والخط. هم يريدون ان تقاوم الحركة عنهم ولأجلهم وتقدّم الشهداء والجرحى، ثم يتبرأون من المقاومة ومن شهدائها عند اول هزة، وأنت أنت الذي لم تنسهم وبقيت اسماؤهم محفورة في وجدانك وذاكرتك وقلبك ولم تتخلّف عن الوقوف معهم.


هؤلاء الذين لا يعرفون نبيه بري عام 1982 يوم اجتاحت قوات العدو الاسرائيلي لبنان، ووصلت الى أول عاصمة عربية بعد القدس، لا يعرفون نبيه بري المقاوم، يوم عزّ الرجال، الذي حمل البندقية وقاد معركة خلدة وبقي في قيادة الحركة في برج البراجنة مع اخوة علموا انّهم على حق، فلم يبالوا...


هؤلاء لا يعرفون نبيه بري يوم 6 شباط الانتفاضة التي اعادت لبنان الى العصر العربي، بعد ان كاد اتفاق الذلّ «17 ايار» ان يغربه عن دوره.


هؤلاء لا يعرفون نبيه بري في «جنيف» و»لوزان» ودوره في الطائف.


هم لا يعرفون نبيه بري الذي حمل لبنان الى كل المحافل الدولية لحماية حقه في ارضه وسيادتها وبحره وثرواته.


هؤلاء لا يعرفون نبيه بري رئيس حركة «امل»، الذي يجسّد طموحات اللبنانيين الشرفاء جميعهم، والذي حمل أمانة كبيرة من إمام الوطن والمقاومة الإمام السيد موسى الصدر، فحفظها وصانها.


هؤلاء لا يريدون ان يعرفوا، لأنّ قلوبهم شتى (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً) وبصيرتهم عمياء...


الاخ الرئيس،


أعتذر على الإطالة، لكن المجلس المركزي اعاد الى وجداننا ألقه والبريق،


لك التوقيت، ولك القرار.


ومنا الوعد على القَسَم، وهو قَسَم لو تعلمون عظيم، كما قلت لنا.


الاخ الرئيس، سنحميك والحركة بنبض القلب، وسنظللك والحركة برمش العين.


معك زاد ثباتنا، وأيقنّا أننا على حق، نعرف واجبنا، ونبقى، ابداً، على العهد.

طلال حاطوم