"راحت السكرة واجت الفكرة".. لبنان دولة من "كرتون"
بعد اندلاع الاحداث السورية مباشرة عام ٢٠١١، انبرى الملك الاردني عبدالله الثاني كاول رئيس عربي ودولي يطالب الرئيس بشار الاسد بالرحيل، والاستماع الى اصوات المنتفضين في شوارع درعا ودمشق وحمص وكل المحافظات السورية و تأمين انتقاله الى الخارج مع عائلته وحفظ حياته، وانخرط الملك الاردني بالحرب المباشرة ضد الرئيس الاسد عبر غرفة عمليات « موك»، وضم الاجتماع الاول قادة جيوش لـ ١٦٤ دولة لاسقاط الاسد وجيشه، ونقل مدير المخابرات السعودية بندر بن سلطان مكان اقامته الى «موك» للاشراف المباشر مع ضباط اردنيين على ادخال المسلحين الى درعا وكل المحافظات السورية من « جهات الارض الاربع «، ومارسوا ما لا يتصوره العقل البشري من» اكل للاكباد « وتقطيع الرؤوس لترويع الشعب السوري.
وحسب مصادر تابعت تلك المرحلة، ان مسؤولا لبنانيا رفيعا متقاعدا، ومعروف بتوجهاته الغربية كان الى جانب بندر في «موك» حذره من هذا المسار، وقال لبندر «مستحيل شق الجيش السوري وهزيمته «، فرد الامير السعودي غاضبا «مسألة اشهر وترى الاسد لاجئا في دولة ما، هذا اذا وجد دولة تستقبله». وتذكر المصادر التي رافقت تلك المرحلة، ان الملك الاردني لم يتوان في كل تصريحاته من ال ٢٠١١ حتى اواخر ٢٠٢٠ عن المطالبة برحيل الاسد كشرط لعودة سوريا الى مكانتها العرببة، وفي المقابل، فان الرئيس الاسد وصف الاردن بانه « ليس دولة والملك غير موجود « في اواخر ٢٠١٧ وشن معظم المسؤولين السوريين هجمات اعلامية على المسؤولين الاردنيين، ووصلت العلاقة بين البلدين الى شفير الحرب المباشرة.
وتؤكد مصادر سياسية، ان الاردن اعاد تقييم سياساته، بعد محاولة الانقلاب الاخيرة على الملك الاردني من قلب بيته بدعم «اخوي عربي «، واعترف الملك الاردني في تصريح له منذ ايام، ان الاردن يعاني ضغوطا وتجاوز مرحلة خطيرة منذ اشهر بدعم دولي، وزار الملك الاردني واشنطن في آب الماضي والتقى الرئيس الاميركي بايدن كاول رئيس عربي، ودار معظم النقاش حول سوريا ولبنان، بالاضافة طبعا الى ازمات الاردن. وفي المعلومات ان الملك الاردني سمع كلاما اميركيا بضرورة دعم لبنان ومنع انهياره كي لايسقط بايدي حزب الله بشكل كامل، ومن جهته، اكد عبدالله استحالة مساعدة لبنان دون المرور بسوريا، وقدم مقاربة جديدة للملف السوري مختلفة جذريا عن مرحلة الـ ٢٠١١ حتى الـ ٢٠٢٠، وشملت هذه المقاربة الاسد ودوره الايجابي، واخذ وعدا من بايدن بضم سوريا الى منظومة الغاز المصري في المنطقة والربط الكهربائي ببن الاردن ولبنان عبر سوريا، وخرج عبدالله من الاجتماع مع بايدن وقال ل «سي _ ان _ ان» ان الرئيس الاسد باق في السلطة وسيطول بقاؤه، وسوريا عامل استقرار للمنطقة وامنها واقتصادها «.
وانتقل عبدالله من واشنطن الى موسكو وانحصر النقاش مع بوتين اواخر آب في ملف درعا وكيفية عودة الاستقرار، وما ان عاد الى عمان حتى بدأ انهاء الوجود المسلح في درعا وفتح الحدود ببن البلدين الشقيقين، كما جاء في البيان الرسمي الاردني، وتوّج باتصال بين الرئيسين الشقيقين بشار الاسد والملك عبدالله، كما وصف البيان الرسمي الاردني الاتصال، فيما تولت السفيرة الاميركية في لبنان التسويق للمحادثات الناجحة بين بايدن وعبدالله، وانعكس ذلك على الارض فورا بزيارات بين بيروت ودمشق، وتشكيل حكومة ميقاتي والاعلان عن لقاءات لبنانية – اردنية – سورية - مصرية وكأن شيئا لم يكن، وصولا الى خطوة ميقاتي المتقدمة بتكليف وزير الاشغال التواصل رسميا مع دمشق، لكن التصريح الابرز كان للملك الاردني منتصف ايلول للصحف الفرنسية حمل تحذيرا لدول العالم من ان « انهيار لبنان سيكون له تداعيات كبرى على كل دول الجوار، داعيا الى الاسراع في تقديم الدعم بشكل فوري والقفز فوق العديد من الشروط «.
وهذا ما يكشف بان الدعم للبنان في المرحلة المقبلة سيكون عربيا من خلال مصر والاردن والعراق، وتم التوافق عليه خلال القمة التي جمعت هذه الدول في القاهرة منذ اشهر، على ان تكون لسوريا الحصة «الدسمة « ولا تخضع ل «قيصر»، بغض نظر اميركي، كي لا تسبب اي اشكالات قانونية للدول الثلاثة، وحظي التنفيذ بدعم اميركي وروسي و فرنسي وتجاهل سعودي وخليجي.
وتؤكد المصادر، ان الدعم العربي والدولي ووصول المساعدات يواجه بصعوبات داخلية متعددة ابرزها :
1- وجود مؤسسات «كرتونية « ووزارات مشلولة لاتملك ملفات علمية لحجم المشاكل وماذا يريد لبنان كونه دولة «كل مين ايدو الو؟
2- التباينات الكببرة للحلول ببن المسؤولين وعدم وجود رؤية موحدة.
3 - الانقسامات السياسية العميقة وخلافات المحاور العربية.
4 - الفساد المستشري والاصرار على العمولات في كل الملفات.
5- عدم القدرة على التعهد بتسديد الاصلاحات في خطوط الانابيب، الا بعد الحصول على ضمانات من الصناديق الدولية.
6- العلاقات اللبنانية السورية واصرار البعض على رفض التعامل مع سوريا وايران.
7- قرب الانتخابات النيابية وزيادة الشرخ وعدم القدرة على مساعدة لبنان في هكذا ظروف.
لكن المصادر تؤكد ان العالم كله يعرف التركيبة الداخلية، والدعم له اسبابه، وسيأتي ويستمر من قبل واشنطن التي تخشى سيطرة حزب الله على امن العدو، واوروبا المتخوفة من نزوح للاجئين السوريبن اليها، وبدأ يتصاعد جراء الوضع الاقتصادي، فيما دول الخليج «مش فارقة معهم « لان البلد بات «فارسيا»، اما العراق والاردن ومصر فلهم حسابات خاصة مع سوريا ولبنان. فهل يستغل اللبنانيون الاجواء الدولية والعربية للمساعدة، ام يضيعون الفرصة؟ السؤال متروك الاجابة عليه للايام والاسابيع القادمة، والمسؤولية تقع على حكومة ميقاتي وكيف ستدير الملفات «بالحزم والمواحهة ام بالصلاة «، لكن من الظلم التطرق الى المتغيرات الكبرى في المنطقة التي دفنت مرحلة الـ ٢٠١١ دون ذكر من صنع هذه المتغيرات العالمية بدءأ من حارة حريك الى دمشق الى بغداد وطهرن وصولا الى موسكو، فيما بعض اللبنانيين ما زالوا في « الجورة ولن يغادروها وينتظرون هبوب رياح اميركية _سعودية ربيعية جديدة في الانتخابات النيابية».
رضوان الذيب- الديار