السعوديّة تقاطع لبنان بـ24 مليون دولار: قطاع الذهب يخسر!

السعوديّة تقاطع لبنان بـ24 مليون دولار: قطاع الذهب يخسر!

من منّا لا يتذّكر حين قرّرت السلطات السعوديّة في نيسان من هذا العام، منع دخول الخضار والفواكه اللبنانيّة أو عبورها من أراضيها بسبب تهريب المخدّرات في شحنة الرمّان الشهيرة، وما يلفت أنّ القرار اتّخذ قبل انتهاء التحقيقات التي كشفت فيما بعد أنّ الشحنة التي ضبطت في السعودية ليست لبنانية، إنّما عبرت بالترانزيت من سوريا عبر لبنان إلى السعودية.



في ذلك الوقت، إعتبر وزير الزراعة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى في تصريح لوكالة «رويترز» أنّ الحظر السعودي خسارة كبيرة»، وشدّد «على خطورة الأمر خاصة إذا أثر سلبا على الصادرات لباقي دول الخليج الي قد تتخذ إجراءات مماثلة».


الأمر ذاته يتكرّر اليوم، إنّما سبب الحظر ليس مادّة مخدّرة بل مادّة إعلاميّة قيلت علّها أن توقظ العقول المخدّرة لوقف آلة القتل في اليمن، بفارق أنّ المقاطعة السعوديّة الأولى هذا العام كانت أحاديّة، إذ لم تحذو دول مجلس التعاون الخليجي حذو الممكلة، فيما المقاطعة الثانية الحاليّة مدعومة من البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة، ما يؤشر لاحتمال مقاطعة خليجية كاملة لاحقا!



 

أكثر القطاعات اللبنانيّة تضرّرا من وقف الواردات اليوم هو القطاع الزراعي، كونه الأكثر تصديرا للمملكة، والتأثر الحالي ليس بجديد فقد بدأ منذ نيسان من هذا العام، وفي هذا الجانب، يؤكد رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويّك لـ»الديار» إلى أنّه لم يتّم الرجوع من قبل السعودية بشكل نهائي وكلّي عن القرار الذي صدر في نيسان الماضي وأوقف إستيراد الخضار والفاكهة اللبنانيّة، فالأمور «تحلحلت» قليلا لكن لم يعد الوضع إلى طبيعته كالسابق.


و أفاد بأنّ الصادرات اللبنانيّة في السنة الزراعيّة لعام 2020، بلغت نحو 315 ألف طن بقيمة 145 مليون دولار، تشكل واردات السعوديّة ودول مجلس التعاون الخليجي منها نحو 55.4%، فيما تستورد المملكة بشكل خاص 50 ألف طن بقيمة 24 مليون دولار أي بنسبة 16% من الصادرات اللبنانيّة.



واشار الى ان إنتاج لبنان الزراعي المعدّ للتصدير حاليا يبلغ نحو 50 ألف طن، والأصناف الزراعيّة التي ستتأثر بشكل أساسيّ هي الحمضيات، في حال أوقفت كل دول مجلس التعاون الخليجي إستيرادها من لبنان، فالسوق الخليجية أساسيّة، ما يؤشرعلى إمكانيّة حدوث أزمة حمضيات في لبنان، مضيفا أنّ 10% من صادراتنا من التفاح، إنّما لن يؤدي عدم تصديره لحدوث أزمة، فالنسبة التي نصدرها من هذه الفاكهة متدنية ولن تؤدي إلى كساد الإنتاج، فانتاج لبنان من التفاح زائد عن الإستهلاك، والمشكلة هي في موضوع «البرادات».


موسم البطاطا والعنب سيتأثر أيضا كما أفاد الحويّك، وفيما خصّ البطاطا، فإنّنا في نهاية الموسم، وإذا لم يتّم تصدير فائض الإنتاج منها فيمكن أن يحفظ ويباع في الفترة التي تدخل فيها البطاطا المصرية السوق اللبنانيّة أي في شهري شباط وآذار المقبلين.



 

وفي حال أقفل السوق الخليجي نهائيا أمام المزراع اللبناني، فهل من سوق بديل عنه؟ يجيب الحويّك حول هذه النقطة، أنّ العراق يمكن أن يكون سوقا بديلا في حال كانت حركة التصدير سهلة وانسيابية عل حدّ تعبيره.


عكّوش: 50% من صادرات لبنان للسعوديّة من الذهب والأحجار الكريمة



وصف بعض الإعلام اللبناني والعربي المقاطعة السعودية للبنان بالكارثة على بلد ينازع إقتصاديا، فهل هذا الوصف دقيق وعلميّ، أم أنّه مجرّد تهويل إعلامي مغرض؟ وما هي بالتالي طبيعة التأثير الإقتصادي على لبنان للمقاطعة السعودية وربّما الخليجيّة لاحقا؟


يقول الخبير الإقتصادي الدكتور عماد عكّوش لـ»الديار» أنّ الرقم الأساسي والأكبر في عملية التصدير اللبناني للمملكة العربية السعوديّة هو للأحجار الكريمة والذهب المصنّع الذي يمثل أكثر من 50% من حجم الصادرات، أما بقيّة الأصناف فهي متدنيّة جدا، فنسبة للخضار والفاكهة والمزروعات لا تتعدّى 24 مليون دولار، وأكثر قطاع يمكن أن يتأثر هو قطاع الذهب، أي إنتاج معامل الذهب والأحجار الكريمة.



 

وحول طبيعة الصادرات اللبنانيّة للسعوديّة، اشار الى إنّنا نصدّر أصنافا غير موجودة في المملكة، لا سيّما المنتجات الزراعية، وحجم تصدير هذه المواد لا يتعدى 24 مليون دولار في السنة، ومعظمها لأصناف لا يمكن إنتاجها بالمملكة وخاصة بموضوع الخضار والفاكهة التي تحتاج الى مياه كثيرة ومناخ خاص مثل الأفوكادو والتفاح، فهي أصناف لا تتوفر لها مناخات بالسعودية وفي حال توفرت ستكون كلفتها مرتفعة جدا، وسيكون إستيرادها من لبنان أفضل من إنتاجها محليا، وأفضل من إستيرادها من مناطق بعيدة فتكلفة الشحن ستؤدي بدورها الى ارتفاع أسعارها في المملكة.



وعن السوق البديل يرى أنّه بالنسبة لعملية تصدير 24 مليون دولار من المواد الزراعيّة، فإنّه يمكن إيجاد أسواق لهم بكلّ سهولة، فالعراق يستورد اليوم أكثر بكثير من هذه الكميّة خاصة الأصناف غير المتوفرة في العراق، وبالتالي يمكن اليوم التعويض عن السوق السعودي بكل سهولة.


وماذا إن لم يكن هناك بديل بالنسبة لموضوع الخضار والفاكهة أقلّه حاليا؟ يعتبر عكوش أنّه حتى لو لم يقم لبنان بتصدير منتجاته الزراعيّة فحجم السوق اللبناني يمكن أن يستوعب هذه الكميّة، بالأخص أنّ أسعار الخضار والفاكهة مرتفعة جدا اليوم، ما يمكن أن يساهم بتخفيض الأسعار ولو نسبيا على المستهلك اللبناني، وبنفس الوقت يمكن أن تدفع المزارع اللبناني لتنويع انتاجه بدل التركيز على إنتاج اصناف محددة، ما سيخفض استيراد أصناف كثيرة من الخارج.



 

بما يخصّ عملية الإستيراد، يشرح عكّوش أنّ لبنان يستورد أصنافا ينتجها محليا مثلا يستورد من السعودية سنويا حوالي 10 آلاف طن من زيت الطعام، 365 ألف ليتر من الألبان و1000 طنّ من الأجبان، مع الإشارة إلى أنّ كلّ هذه الأصناف تنتجها المعامل اللبنانيّة، ولا مشكلة إن أوقفنا إستيرادها، فالسوق عادة لا يتأثر كثيرا بذلك، كما أنّ لدينا معامل يمكن أن تنتجها وتغطي النقص، أو يمكن استيرادها من دول أخرى، متوقعا ان لا يكون هناك نقص في السوق اللبناني من هذه المنتجات إذ يمكن تعويض الإستيراد من خلال الإنتاج المحلي، وهذا حتما يخفف من حجم الاستيراد والضغط عن ميزان المدفوعات، ويشجع الصناعة المحلية ويخفف من حجم البطالة في لبنان.



وفي مقابل الإستغناء عن الإستيراد من السعودية في بعض المنتجات، يشير إلى أنّ الصنف الأساسي الذي يمكن أن يسبب لنا مشكلة هو موضوع المواد البلاستيكية التي تصدرها السعوديّة للبنان، ويجب العمل على إيجاد منتجين بديلين مقترحا تركيا ومصر وايران فهي بلدان منتجة للنفط واللّدائن والمواد الأولية البلاستيكية، ويمكن استيرادها من هذه الدول وبأسعار اقل من أسعار المملكة.


المقاطعة فرصة يجب أن يستفيد منها لبنان، برأي عكّوش، حتى وإن حصلت المقاطعة الخليجية أو العربية كذلك، إذ لا بدّ من إعادة رسم خارطة جديدة للمنتجات الزراعية، وتنويع المنتجات اللبنانية ، للتخفيف من حجم استيراد السلع، وأشار إلى إننا نملك اليوم تضاريس وجغرافيا اقتصادية تجعلنا ننتج كل أنواع السلع الزراعية، فنحن لا نزال نستورد من الخارج وخاصة الخضار والفاكهة، علما أنّنا قادرون أن ننتج كلّ المنتجات وكل أنواع الفواكه في لبنان، واليوم بمثابة فرصة لنعيد رسم الخارطة الإقتصادية للبنان ونستفيد منها بتخفيف الكلفة على المستهلك اللبناني، فعدم التصدير للخارج يوفر كميات كبيرة للسوق المحلي.


السوق العراقي: الأول في استيراد السلع اللبنانيّة


يصل حجم التصدير اللبناني لدول مجلس التعاون الخليجي لحدود الـ 700 مليون دولار، وفق ما أفاد عكوش، لافتا إلى أنّ السوق العراقي هو الأول في الدول العربية اليوم من ناحية استيراد السلع اللبنانية، مضيفا أنّه مع وجود سوق عراقي ضخم يعادل حجم السوق الخليجي بمجمله وحجم استهلاك عراقي أكبر من حجم استهلاك دول التعاون الخليجي، فإنّ لبنان قادر أن يعزز التصدير للعراق بنفس المنتجات التي يصدرها لدول الخليج، كما ويستورد منه نظرا لطبيعته الجغرافية الإقتصادية المشابهة لدول مجلس التعاون، وتابع أنّ العراق قادر أن يستوعب هذه الكمية، فهي ليست كبيرة جدا بالأخصّ أنّ العراق هو المستورد الأكبر للسلع اللبنانية من بين كل الدول العربية خاصة دول الخليج العربي.



نتيجة الخضّة التي سبّبتها المقاطعة الإقتصادية السعوديّة للبنان، والتكهّن بمقاطعة خليجية محتملة لاحقا، آن الأوان أن يعيد لبنان بناء إقتصاد منتج قادرعلى تحقيق إكتفاء ذاتي من جهة، وتصدير منتجات يتفرّد بها من جهة أخرى، فإقتصاده الريعي القائم على ديبلوماسية الخدمات إنهار بكلّه نتيجة أزمات سياسيّة ودبلوماسيّة، بدأت مع حراك 17 تشرين، وكانت شحنة الرمان المخدّرة إحد فصولها، وما نمرّ به اليوم حتما لن يكون الفصل الأخير!


يمنى المقداد- الديار