الإستقلال عرضٌ وعروض… والإستقالة رُحلّت حتى إشعارٍ آخر

الإستقلال عرضٌ وعروض… والإستقالة رُحلّت حتى إشعارٍ آخر

٧٨ عاماً من الإستقلال مروا على لبنان رغم المتاعب والصعاب، مرت السنين و لم يتوقف الإنتدابُ السياسي، ولا الإقتصادي الذي قضَّ مضاجع كل الشعب، ولم يميّز بين أحد، إلا أولئك الذين باعوا ضمائرهم، وكراماتهم لدول انتدبتهم ونزعت منهم حب الوطن، و حس المواطنة.


 

عيد الإستقلال، الذي حلَّ ضيفاً ثقيلاً على لبنان هذا العام، لم يحمل في طياتِ صفحاته شيئاً مختلفاً، كالعادة والمعتاد تمركزَ الرؤساء الثلاثة على مقاعدهم حاملين الرجاء في قلوبهم بأن يمسح المعاناة عن كل اللبنانيين وأن يخفّفَ من آلامهم التي صارت أكبر منهم، لكن رجاءهم الداخلي لا معنى له، أما خلافاتهم الشخصية التي لا تنتهي فهي كانت حاضرة على وجوههم وعلى محياهم خلال الإحتفال.


حكومياً، وعلى الرغم من الدعم الدولي عدا السعودي لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، إلا أن الواضح والمحسوم أن حكومة الإنقاذ خرجت فعلياً عن مسارها العملي، ودخلت مرحلة النوم السريري، عدا بعض الخطوات الخجولة التي يقومُ بها بعض الوزراء بجهودٍ فرديةٍ بغية مساعدة الناس على تخطي جزءٍ صغيرٍ من مصاعب الحياة، علماً أن ميقاتي قد تطرق لوضع حلولٍ من أجل عودة الحكومة الى العمل أثناء اللقاء الذي جمعه مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري في قصر بعبدا لبحث الملفات والقضايا الهامة، و كان من المتوقع أن تُحل عقدة وزير الإعلام جورج قرداحي خلال اللقاء الذي جمع الرؤساء الثلاث بإتفاقٍ مسبق على آليةٍ ومخرجٍ يُعلنُ عنه بعد اللقاء ميقاتي، لكن المعلوماتٍ أفادت بأن أجواءً نقلها بري عن رفض الوزير السابق سليمان فرنجية الحل بالطريقة التي كانت منتظرة، والآلية التي كانت معتمدة، والتي تقضي بتقديم قرداحي استقالته للحكومة واضعاً نفسهُ بالتصرف لحين البت فيها، بانتظار ما ستؤول اليه المشاورات والإتصالات التي من شأنها تذليلُ بعض العقبات مع الدول المعنية لا سيما السعودية، على أن تُبتَ بعد فترةٍ، فإما أن تُقبل أو تكون الإتصالات قد أثمرت جواً إيجابياً مغايراً.



يُضافُ اليه، وبحسب مصدر سياسي مطلع، أجواءٌ ايجابيةٌ وإطلاق تصريحاتٍ كان قد بدأ بها رئيسُ الجمهورية و رئيسُ الحكومة وعددٌ من الوزراء بالتوجه الى المملكة، معتبرين أن للسعودية فضلٌ على الشعب اللبناني وعلى الحكومات المتعاقبة، وهذا ما أثار امتعاض ميقاتي، ولكن بري وعده بتطمينات سوف يعملُ عليها خلال الأسبوع الجاري على أن يتبعها دعوة لعقد جلسة وزارية كانت مقررة بعد إحتفال عيد الإستقلال . كل هذه الأجواء كان من المتوقع أن يقبل بها فرنجية، لكنه اعتبرَ أن كل ذلك لا يفي بالغرض ولا يحفظ الكرامة المعنوية، إن كان لشخص الوزير قرداحي أو للحكومة وما تمثله من سيادةٍ لبنانية.


ومع تفاقم المشاكل السياسية والإقتصادية في لبنان تستمرُ السفيرة الأميركية دورثي شيا بإطلاق تصريحاتها المنتدبة، والتي تسعى من خلالها الى زرع الفتنة و زيادة المشاكل بين أهل الوطن الواحد، خصوصاً في ظل اصرار البعض، ممَن هم في السلطة أو بعض القوى السياسية، على التعامل مع الإدارة الأميركية التي تجيّر كل ما يجري في لبنان لتحقيق مصالحها، بدءاً مِن السياسة التي تحركها بكل دقةٍ وعناية وتدفعُ الأموال الطائلة لها، مروراً بالقضاء التي تملي عليه آراؤها، وصولاً الى الملف الإقتصادي والمالي الذي صار العنوان الأبرز للإدارة الأميركية والذي يشكل بالنسبة لها نقطة ارتكاز قوية تحاربُ من خلالها كل اللبنانيين من أجل إركاعهم وإحكام القبضة على أعناقهم حتى تحقيق مصالحها و تأمين الجو المناسب للعدو الإسرائيلي.



ومع العمل الدؤوب والمتواصل التي تقوم به الإدارة الاميركية من خلال وصول وفودها الى لبنان، يبقى الجزء الأكبر من المواطنيين اللبنانيين يدركون ويعلمون أن قوة لبنان بقوته لا بضعفه، أي بمقاومته و نفطه هذه المرة، تلك العقدة الإقتصادية التي تؤرقُ عيون «إسرائيل» وعيون بعض الداخل الذي لا يريد أن ينعمَ لبنان بمستقبلٍ إقتصادي مشرق.


على خطٍ موازٍ، قامت روسيا بتسليم صوَر الأقمار الصناعية التي تمتلكها من أجل تبيان حقيقة تفجير مرفأ بيروت، إضافة الى العروض التي قدمها وزير الخارجيةِ الروسيةِ سيرغي لافروف أمام نظيره اللبناني عبد الله أبو حبيب مؤكداً استعدادَ الشركات الروسية لإصلاح البنيةِ التحتيةِ وإعادةِ إعمارِ ما دمّرَه انفجارُ المرفأ، مضيفًا أن النفطِ الروسيِّ قادرٌ على الوصولِ قريباً الى الشواطئِ اللبنانيةِ، فاتحاً بذلك باباً جديداً من التوجه شرقاً بعد العراق وإيران والصين.



 

فهل سيعي البعض في لبنان ما يجري ويصطاد الفرصة والعروض الخارجية الشرقية للنهوض بهذا الوطن ؟ ماذا عن عمل الحكومة المتوقف والخطوات التي من المفترض القيامُ بها ؟ وهل ستحلُ عقدة الوزير قرداحي، وبالتالي عقدة السعودية مع لبنان؟


عناوين عريضة تحتاجُ الى الكثير من الدقة والإرادة من أجل حلها والوصول الى حلول جذرية تُخرج لبنان من الإنهيار وتعيده اليه الإستقرار الذي سينعكس نمواً إذا حصلَ على مختلف المجالات، خاصة السياسية والإقتصادية، ما يعني حلاً لبعض المشاكل العالقة.

فاطمة شكر