مونيكا بورغمان تتسلم جائزة حقوق الإنسان

مونيكا بورغمان تتسلم جائزة حقوق الإنسان

مونيكا بورغمان بعد تسلمها جائزة حقوق الإنسان: نحتاج العدالة

خلال تسلم الجائزة


تسلمت مونيكا بورغمان، مديرة مركز "أمم للتوثيق والأبحاث" الذي أسسته وزوجها الراحل اغتيالاً، لقمان سليم، الجائزة الفرنسية -الألمانية لحقوق الإنسان وسيادة القانون في حفلة أقيمت في السفارة الفرنسية في بيروت. وتمنح هذه الجائزة لشخصيّات حول العالم عُرفت بدَورها البارز والفاعل في الدفاع عن حقوق الإنسان في مُختلَف مَيادين العمل. لمونيكا بورغمان، مسيرةٌ مهنيّةٌ حافلة تشمل عملها في "أمم للتوثيق والأبحاث" والصحافة والإخراج ومشاريع أخرى تتمحوَر حول الذاكرةِ وأشكالِ العنف. قدمت الجائزة، السفيرة الفرنسية في لبنان، آن غرييو، ونائبة السفير الألماني، أندرياس كيندل، وتوجهت بورغمان بكلمة للحضور والسفراء باللغة الإنكليزية، أبرز ما ورد فيها:


منذ أولى البدايات، وقفتنا المناهضة لثقافة الإفلات من العقاب كانت تصب في محور عملنا أنا ولقمان، واليوم أكمل، ومن خلال عملي في "أمم"، النضال من أجل الغاية ذاتها وإن كنت أتابعه منفردة هذه المرة فهو من أجل لقمان. هذه المهمة بالطبع باتت أكثر صعوبة في ظل غياب لقمان. لكن، على الرغم من ذلك، تجاربه، معارفه، طرقه المختلفة في التعبير وكل ما كان عليه ما زال حاضراً معي وسيبقى دوماً في صلب عملنا. لقمان لم يكن زوجي وشريكي فحسب، بل كان أيضا قدوة لكل من شاركه رؤياه التي تحثنا على مراجعة التاريخ والسعي من أجل مستقبلٍ يكون فيه للعدل مكان ومكانة.


مسيرتي ولقمان بدأت منذ عشرين عاماً، تحديدا في 2001، لما قدمتُ إلى بيروت للعملِ على مشروع فيلم "مَقتَلة". "مقتلة" يستعيد المجازر التي ارتُكِبَت في مخيمي صبرا وشاتيلا في لبنان العام 1982 من منظور القتلة، ويطرح أسئلة حول الذاكرة والعنف الجماعي وتداعيات الحرب الاهلية. العمل على هذا الفيلم قادني ولقمان إلى تأسيس "أمم للتوثيق والأبحاث". بعدها بسنوات، عملنا في "أمم" دفع بنا صوب مشروع مشترك لفيلم ثان هو "تدمر"، الذي يتضمن شهادات حية لمعتقلين سابقين في سجن تدمر السوري.


أفضل وصف قد ينطبق على "أمم"، أنها مؤسسة تعني بتاريخ العنف في لبنان والذاكرة الجماعية. عبر السنوات تمحور عملنا حول التاريخ السياسي والثقافي والإجتماعي للبنان. من ضمن ذلك، مشاريع تتطرق إلى الإختفاء القسري، العدالة الإنتقالية، اللاجئين والنزوح، السجون والنظم السجنية، وسائل التعذيب والتروما. عملنا على هذه المواضيع قادنا إلى مقاربة إقليمية أوسع، وحالياً اهتمامنا ينصب حول كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، خصوصاً من خلال منتدى المَشرِق والمَغرِب للشؤون السجنيّة، وهو مشروع يتناول الديناميات السجنية من خلال البلدان المتواجدة في هذه المنطقة.




حضرات السفراء، أنا ألمانية منذ ولادتي، وبما أن الجائزة ألمانية –فرنسية، اسمحوا لي بأن أحدثكم قليلاً عن ماضيّ الشخصي وعن هذه الشراكة. المصالحة ما بين فرنسا وألمانيا تمت بعد الحرب العالمية الثانية و"الهولوكست". لكني أظن أن الفضل في ذلك يعود إلى محاكمة نورنبرغ، وكل المحاكمات الأخرى التي تلتها. أنا على اقتناع بأن المصالحة بين هاتين الأمتين العظيمتين باتت ممكنة لسبب واحد وهو أن العدالة تحققت. أنتمي لجيل من الألمان، وتبعاً لما عاشوه، أيقنوا أن العودة إلى الماضي هي ضروة لبناء حاضر ومستقبل أفضل. وتلك قناعة تشاركتها ولقمان، وكانت دائماً حاضرة في عملنا في "أمم للتوثيق والأبحاث". أنا أيضاً لبنانية، وهي جنسية استحصلت عليها لاحقاً، لكنها تعزز هذا الإنتماء الراسخ الذي أحسه تجاه بيروت لأن العدالة، لم تتحقق أبداً في لبنان ولم تجر محاسبة على أحداث الماضي أو الحاضر. نجد أنفسنا اليوم أمام طريق مسدود، ولا قدرة لنا على العبور نحو الحاضر ولا المستقبل. من دون العدالة، لبنان لن يستطيع أبداً أن يمضي قدماً نحو السلام.


كنت ولقمان نوثق ونحلل ونعقب على كل مظالم الماضي والحاضر، وإذ أُغتيل لقمان في الثالث من شباط 2021 بوحشية، فأُخفيَ صوته...

أقف اليوم بينكم لأقول 

ما نحتاج إليه وعلى نحوٍ مُلّح يفوق كل حاجاتنا الأخرى، هو العدالة

العدالة لضحايا الإغتيالات السياسية

العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت

العدالة لضحايا الحرب الأهلية، بما فيهم عائلات المفقودين

العدالة للبنان

نحتاج العدالة لسوريا والعراق والكثير من البلدان في هذه المنطقة التي عانت وما زالت تعاني من غير أن يتم اللجوء لأي إجراء يطمح لتحقيق العدالة أو الحساب...

لكننا أيضا نحتاج إلى العدالة في قضية اغتيال لقمان.

لقمان جرى خطفه في جنوب لبنان، في منطقة اليونفيل، وعلى وجه التحديد في المنطقة الفرنسية، على بعد أقل من كيلومتر واحد قرابة مدخل الثكنات العسكرية الرئيسية للكتيبة الفرنسية في بلدة صريفا.

اليوم وفيما أقف على أرض فرنسية، أطالب فرنسا بالمساهمة عبر منحنا المعلومات اللازمة للتعرف على قتلة لقمان ومحاكمتهم.

أعي تماماً ما أطالب به، لكنني على ثقة بأن فرنسا، التي لعبت دوراً أساسياً في بناء دولة القانون في لبنان الحديث، تتطلّع لإنهاء عصر الإفلات من العقاب الذي نعيشه في هذا البلد.

حتى اليوم، لا أجد الكلمات للتعبير عن حزني وانفعالي. وفيما أقف هنا، لا تفارقني الذكرى ولا شعوري بالغضب. عمل "أمم" سيستمر من خلال توثيقنا للأرشيف ومتابعة مشاريعنا للحفاظ على الإرث الفكري للقمان وكي تبقى ذكراه حية. وحالياً، خصوصاً بعد تأسيس مؤسسة لقمان سليم، سنولي اهتماماً أكبر لموضوع الإغتيالات السياسية في لبنان وأيضاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذه الجائزة تمثل دعماً مهماً لكل القضايا التي نحارب لأجلها.

——————————————- عايدة. حسيني