سوريا في مسار التدخلات الخارجية!

سوريا في مسار التدخلات الخارجية!

آخر عمليات التدخل العسكري الخارجي في سوريا، كانت العملية الأميركية في إدلب التي قامت بها قوات خاصة من مكافحة الإرهاب، وقُتل فيها زعيم تنظيم «داعش»، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، كما قُتل عدد من المدنيين المقيمين في المبنى الذي كان يتحصن فيه، عندما قام القرشي بتفجير نفسه، بينما كان الأميركيون يسعون للقبض عليه حياً؛ حسب الرواية الأميركية.



وتمثل العملية الأميركية الأخيرة، حلقة من سلسلة تدخلات عسكرية خارجية في سوريا، تواصلت فصولها على مدار سنوات العقد الماضي، وشاركت فيها دول وجماعات، جعلت من سوريا ساحات حروب فيما بينها - كما هي عمليات إسرائيل ضد أهداف إيرانية، وأخرى استهدفت ميليشيات «حزب الله»، ومثلها عمليات تركيا ضد ميليشيات «قسد» التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) - من جهة، وميدان حرب على السوريين - كما هي أغلب التدخلات الخارجية، ومنها التدخلات الروسية والإيرانية - من جهة أخرى.

وتكشف عمليات التدخل العسكري والمسلح في سوريا قائمة طويلة من أسماء الدول الكبرى والإقليمية، والأهم في قائمة الدول الكبرى: روسيا، والولايات المتحدة. والأكثر تدخلاً في قائمة الدول الإقليمية: إيران، وتركيا، وإسرائيل. وتضم القائمة في نسق موازٍ، مجموعة من الجماعات، بينها ميليشيات «حزب الله» اللبناني، و«الحشد الشعبي» العراقي، إضافة إلى تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، ومعهما «حزب العمال التركي» الذي يتلطى خلف حزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي» في سوريا، ومجموعة «فاغنر» الروسية.

وكما هو واضح من أمثلة القوى العسكرية والمسلحة، فإن الدول تتوزع في محورين؛ أولهما دول تدعم نظام الأسد ومتحالفة معه، تتقدمها إيران وروسيا، ودول تعارض سياسات نظام الأسد. وفي الحالتين، ليس من تطابق في مواقف الدول الموزعة بين المحورين، بحكم اختلاف المصالح من جهة، وبسبب التوازنات السياسية والميدانية في علاقات القوى المتدخلة. ولعل الموقف التركي المعقد يبين بعض الالتباسات؛ حيث تصنَّف تركيا في مجموعة الدول التي تعارض نظام الأسد وسياساته، وتتقارب في مواقفها مع دول عربية وغربية كثيرة، وهي في الوقت ذاته تتعاون وتنسق مع الروس والإيرانيين حليفَي نظام الأسد، في إطار ما هو معروف باسم «مسار أستانا» الذي نسق سياسة الأطراف الثلاثة في القضية السورية، طوال سنوات مضت، وما زال.

وبخلاف موقف الدول، فإن التباسات أشد تحيط بالشعارات التي ترفعها الجماعات المسلحة المتدخلة في سوريا بمواقفها وسياساتها، وكله ينطبق على الإسلاموية المتطرفة، ومنها «داعش» و«النصرة»، وعلى الميليشيات الشيعية، مثل «حزب الله»، نتيجة تدخلات الدول وتأثيراتها على تلك الجماعات من خلال التمويل والتسليح، وتدخل أجهزة المخابرات في مواقفها، مما يجعل أغلبها جماعات وظيفية، تنفذ سياسات هي أقرب إلى سياسة جماعات مأجورة، نتيجة ارتباطها بعلاقات متعددة ومعقدة مع دول وأطراف عدة.



إن تعدد وتنوع قوى التدخل الخارجي طوال السنوات العشر الماضية، جعل كامل الأراضي السورية مسرحاً لعملياتها؛ بل إن دولاً وجماعات بدلت المجال الجغرافي لعملياتها، حتى كاد يشمل كل الأراضي السورية على نحو ما فعلت روسيا وإيران وميليشيات «داعش»، بينما حصرت بعض الدول والجماعات حركتها في مجال جغرافي واحد لم تتعدَّه إلا نادراً على نحو ما فعلت تركيا، فكانت تدخلاتها وعملياتها محصورة في شمال وشمال غربي سوريا الملاصقة للحدود التركية السورية، التي تنشط فيها «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي يقودها حزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي» الوثيق الارتباط بـ«حزب العمال الكردستاني التركي» الذي يصنفه الأتراك «جماعة إرهابية».

إن الجذر الأساسي لوجود قوى التدخل العسكري والمسلح في سوريا، يتمثل في مواقف نظام الأسد، عبر مجموعة من الخطوات، بدأها بعد أشهر من انطلاق ثورة 2011، كان أولها فتح الباب أمام التدخلات الدولية في القضية السورية؛ حيث رفض أي حل سياسي في الداخل، وذهب إلى استخدام القوة المفرطة، وبعدها قام باستدعاء الإيرانيين وميليشياتهم من لبنان والعراق وغيرها، ثم استدعى القوات الروسية من أجل تدخل حاسم في سوريا، بدءاً من عام 2015، لمنع سقوطه، وإعادة إحكام سيطرته على السوريين. وترافق مع استدعاء القوى الخارجية إجراء مفصلي موازٍ، يمثله التخلي عن ضبط الحدود في مداخل البلاد ومخارجها، والاكتفاء بتأكيد سيطرته وشركائه على عدد محدود منها، يضمن خط ذهاب وعودة مع حلفائه الإيرانيين والروس و«حزب الله»، ومنها مطارا دمشق وحميميم، والمعابر الحدودية مع لبنان، مقابل سحب قواته وأجهزته من المراكز الحدودية، بما فيها التي لم يكن قربها قوى مسلحة لـ«الجيش الحر».

وأتاحت الخطوات السابقة لكل من رغب فرصة دخول البلاد أو الخروج منها بسهولة. ولئن كان ذلك طبيعياً، ومن حق السوريين الهاربين من عمليات الاعتقال والقتل والتدمير التي عممها النظام في كل البلاد، فقد حظيت الجماعات والقيادات المتطرفة بفرصة الدخول وإدخال ما تريد من أسلحة وذخائر وأموال إلى سوريا، مما أعطاها فرص تنظيم نفسها وإطلاق عملها الدعائي والمسلح، وهذا ما كان يرغب النظام فيه، وهو بين أهدافه الأساسية، لتأكيد قول إنه يواجه جماعات إرهابية متطرفة، لا ثورة شعب يطالب بحقوقه وحريته.



ومثلما أعطت إجراءات النظام جماعات وقادة جماعات التطرف، من تنظيمات «القاعدة» وأخواتها، فرصة دخول سوريا، فإنها شجعت كثيراً من الدول على إدخال استخباراتها، ثم قواتها، إلى سوريا، على نحو ما كان التصرف الأميركي والغربي عموماً، والذي برر وجوده تحت شعار محاربة الإرهاب، وسط سكوت النظام الذي كان يرى أن الدخول الدولي إلى سوريا يحقق أهدافاً تخدمه، تتمثل في زيادة حدة ومستويات العنف والصراع، وتعدد القوى المشاركة فيه، ثم عولمة الصراع، بما يمنع أو يبعد مسار الحل السياسي، وتعزيز فكرة المؤامرة الدولية على النظام في سوريا.

الخلاصة في التدخلات العسكرية والمسلحة في سوريا، تتجسد في أنها كانت بين الرغبات والأهداف الأساسية لنظام الأسد؛ ليس فقط لأنها بحضورها ونتائجها ساعدت في حمايته وبقائه، وجعلته يتقدم نحو استعادة سيطرته على مناطق خرجت عنه؛ بل كانت تدعم ادعاءاته بأن معارضيه ليسوا سوى جماعات إرهابية متطرفة، وأن حربه ضدهم ليست دفاعاً عن النفس فقط، وإنما هي مهمة يقوم بها نيابة عن العالم الذي تدير بعض الدول فيه مؤامرة لإسقاط نظام الأسد.

لقد كانت التدخلات كارثة على السوريين، دفعوا مقابلها مزيداً من الدماء والمعاناة وتعقيدات في قضيتهم، ما زالت تؤخر حلها ومعالجة تداعياتها، واستمرار الأسد في السلطة برعاية روسيا وإيران.

فايزة سارة