"حزب الله" يبقى على "قديمه"... أيّ "رسائل" إلى الجمهور؟
مرّة أخرى، اختار "حزب الله" أن يواجه ما يعتبرها "إشاعات مغرضة" تتّهمه بالرغبة بـ"تطيير" استحقاق الانتخابات النيابية، فسبق الحلفاء والأصدقاء والخصوم، معلنًا القائمة الرسمية النهائية لمرشحيه في مختلف الدوائر الانتخابية، قبل أكثر من عشرة أيام من إقفال باب الترشيحات، المحدَّد بموجب القانون في 15 آذار، قبل شهرين تمامًا من الموعد المقرّر للانتخابات.
لم ينتظر "حزب الله" نضوج التحالفات الانتخابية، ولو أنّ صورتها الأولية واضحة بالنسبة إليه، فاستند إلى اتفاقه "الثابت" مع حركة "أمل" على "تقاسم" المقاعد الشيعية، وتحالفه "الواقعي" مع "التيار الوطني الحر" حيثما تدعو الحاجة، وسارع إلى إعلان ترشيحاته، عساه بذلك يوجّه رسالة "حازمة" للقاصي والداني أنّه يتصرّف وكأنّ الانتخابات حاصلة "حتمًا" في موعدها.
لكنّ فحوى الترشيحات التي أعلنها "الحزب" كشف عن "رسائل" أخرى، تحمل بين طيّاتها الكثير من الدلالات، إذ إنّ الحزب اعتمد مبدأ "القديم على قدمه"، فرشّح النواب أنفسهم إلى المقاعد نفسها، ولم يُعفِ سوى نائب واحد، مضيفًا إلى اللائحة مرشحًا واحدًا عن المقعد الشيعي في دائرة جبيل، الذي كان "الحزب" قد خسره في الدورة الانتخابية الأخيرة لعام 2018.
بهذه الترشيحات، بدا أنّ "حزب الله" يسير عكس تيّار "التغيير"، فهو "كافأ" نوابه بإعادة ترشيحهم بالجملة، ولم يطعّم قائمته بوجوه جديدة، مغيّبًا فئتي الشباب والنساء لاعتبارات قد تكون متفاوتة، لكن، لماذا اختار "حزب الله" أن يسلك هذا المسار في ترشيحاته؟ وما هي الرسائل "العملية" التي انطوت عليه فعليًا؟ وكيف تلقّفها جمهوره "المؤيد" قبل خصومه؟
يقول العارفون إنّ "حزب الله" أراد بإعلان ترشيحاته ضرب أكثر من عصفور بحجر، منها ما هو عام، مرتبط بالمسار الانتخابيّ ككلّ، ومنها ما هو خاص مرتبط بأداء النواب أنفسهم، بعدما طالتهم "سهام" النقد في الفترة الأخيرة، وخصوصًا بعد 17 تشرين، ومنها ما يتراوح بين العام والخاص، ويرتبط بأداء "حزب الله" ككلّ، وبمقاربته للاستحقاق الانتخابي المنتظَر.
في المبدأ، لا شكّ أنّ الحزب أراد بالدرجة الأولى دحض كلّ الاتهامات التي تُوجَّه إليه بأنّه يعمل لتأجيل أو إلغاء الانتخابات، بالتالي تعمّد أن يكون "أول" من يعلن ترشيحاته بين الأحزاب الأساسيّة، ليقول للقاصي والداني إنّه "جاهز" للانتخابات، وإنّه "لا يخشاها"، علمًا أنّ المحسوبين على الحزب والعارفين بأدبيّاته، يجزمون بأنّه "مطمئنّ حدّ اليقين" إلى واقعه الانتخابيّ، رغم كلّ ما يُحكى عن تراجعٍ في الشعبية تسبّب به الأداء السياسيّ الذي طبع العامين الأخيرين.
ومع أنّ هناك بين الخبراء الانتخابيّين من يجزم بأنّ شريحة واسعة من جمهور "حزب الله"، أو من يفضّلون أن يطلقوا على أنفسهم وصف "جمهور المقاومة"، وجدت نفسها "بعيدة" عن الحزب، من الناحية الفكرية على الأقلّ، بعد ترسّبات الأحداث الأخيرة، منذ "انتفاضة" 17 تشرين، إلا أنّه من المُستبعَد أن يتجلّى ذلك في الانتخابات المقبلة، التي تكاد تكون نتائجها محسومة سلفًا في الدوائر التي يتمتّها فيها الحزب بالنفوذ والثقل الأساسيّين، جنوبًا وبقاعًا.
وإذا كان "حزب الله" أراد تأكيد "جاهزيته" للاستحقاق من خلال إعلان ترشيحاته، فإنّ ذلك لا يعني، وفق العارفين، أنّ كلّ التحضيرات اللوجستية اكتملت، خصوصًا أنّ بعض التحالفات لا تزال "قيد البحث"، علمًا أنّ هناك من قرأ في حديث الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله عن إمكانية خوض السباق بأكثر من لائحة في بعض الدوائر، تلميحًا لإمكانية "التباين" مع الحلفاء، بما يتيح "استنساخ" سيناريو 2018، حين تنافس الحزب مع "التيار" في دوائر محدّدة.
لكن، بعيدًا عن مقاربة الحزب للانتخابات، والتحالفات التي سيخوض السباق إلى البرلمان على أساسها، أثارت الترشيحات الكثير من "التحفّظات"، حتى داخل "بيئته الحاضنة"، التي كانت تتطلّع إلى وجوه جديدة، وتحديدًا شابة، تطعّم كتلة "الوفاء للمقاومة"، بعيدًا عن الأسماء التي جُرّبت، والتي امتدّ "العمر النيابيّ" لبعضها لأكثر من ثلاثة عقود كاملة.
هنا، تتفاوت وجهات النظر، إذ ثمّة من يقول إنّ "حزب الله" بحث جديًا فكرة "التغيير"، من دون أن يشمل ذلك إدخال نساء إلى لوائحه، لاعتقادات "ثابتة" لديه بأنّ العمل النيابي لا يصلح للمرأة، وهي الفكرة التي سبق للسيد نصر الله أن قاربها سابقًا، وأنّه ناقش إمكان إجراء تغييرات "جذرية" في لوائحه، انسجامًا مع فكرة "التغيير" القائمة في البلد، نتيجة الأزمات المتفاقمة.
لكنّ وجهة النظر هذه "اصطدمت" على ما يبدو بوجهة نظر مضادة، قاربت الأمر من اتجاه معاكس بالكامل، حيث اعتبرت أنّ أيّ "تغيير" يُقدِم عليه الحزب في هذا التوقيت، يمكن أن "يُفسَّر" على أنّه يشكّل "إدانة" للنواب الذين مثّلوا الحزب منذ دخوله البرلمان عام 1992، في حين أنّهم لا يتحمّلون مسؤولية ما وصل إليه البلد من أزمات ومشاكل.
ولعلّ الأمين العام للحزب "غلّب" هذا الرأي في خطابه الذي أعلن فيه أسماء مرشحي "حزب الله"، حين ألمح إلى أنّه من يُحاسَب أو يُساءَل، لا النواب، وبالتالي فهو من يتحمّل مسؤولية السياسات التي اعتُمِدت، استنادًا إلى الهيلكية التنظيمية في الحزب، الذي يختلف بهذا المنحى عن غيره من القوى والأحزاب السياسية النافذة.
ويبقى اعتبار "الخبرة" التي راكمها النواب، وقد شكّل أساسًا في اختيارات "الحزب" بحسب العارفين، الذين يقولون إنّ "التغيير"، إن حصل، يجب أن يكون له مبرّر، لا أن يكون وفق قاعدة "التغيير من أجل التغيير"، ولو أنّه اعتبار يصطدم أيضًا بالكثير من "التشكيك"، ممّن يسألون عن "الإنجازات" التي حقّقها هؤلاء النواب، ليتمّ التمسّك بهم بهذا الشكل.
لا شكّ أنّ "حزب الله" أراد، من خلال إبقاء "القديم على قدمه" في ترشيحاته النيابية، توجيه أكثر من رسالة، إلى جمهوريه العام والخاص، بما ينسجم مع حملته الانتخابية، وهو الساعي لتصوير الانتخابات على أنّها "استفتاء على المقاومة"، بل "حرب تموز سياسية". لكنّ "رسائل" الجمهور في 15 أيار المقبل، تبقى "القِبلة الأساسيّة" لكثيرين، بمُعزَل عن الربح أو الخسارة!.