هل باتت استقالة ميقاتي مطروحة؟
راكيل عتيِّق
على رغم تأكيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن لا دور أو علاقة للرئاسة بالإجراءات القضائية المتخذة في ملف المصارف، تربط جهات عدة قرارات وإجراءات النائبة العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون بحق مصرفيين وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وآخرها قرار توقيف شقيقه رجا سلامة، بـ«توقيتٍ عوني- باسيلي»، خصوصاً لاستثمارها انتخابياً، إذ إنّ ملفات قضائية أخرى أساسية أهملتها عون أو لا تتابعها بالزخم نفسه، في وقت أنّ «مقاربة الموضوع المصرفي، وبمعزل عن المسؤوليات، لا يُعالج بهذه الطريقة وبالاستهداف الاستنسابي الذي بدلاً من أن يصبّ لمصلحة المودعين يزيد من معاناتهم».
إنطلاقاً من وجهة النظر هذه، ومن مُسارعة رئيس الحكومة الى احتواء هذا الموضوع ولَملمته، إنْ عبر اجتماعه أمس بوزير العدل هنري الخوري أو عبر طرحه مع رئيس الجمهورية ودعوته الى جلسة لمجلس الوزراء اليوم للبحث في هذه المستجدات القضائية، يرى البعض أنّ ميقاتي يضع خطاً أحمر أمام استهداف النظام المصرفي وعلى رأسه سلامة، وقد يلجأ الى وضع ورقة استقالته على الطاولة إذا ما جرى التمادي في هذا الموضوع. وكان لافتاً تأكيد ميقاتي أمس أنّ «من حق القضاء أن يحقق في أي ملف مالي ومصرفي.. الّا أنّ استخدام الاساليب الشعبوية والبوليسية في مسار التحقيقات أساء ويُسيء الى القضاء أولاً والى النظام المصرفي ككلّ»، واعتباره أنّه «من الواضح أنّ مسار الامور لدى بعض القضاء، يدفع في اتجاه افتعال توترات لا تحمد عقباها، وثمة محاولات لتوظيف هذا التوتر في الحملات الانتخابية».
هذا الكلام رأت فيه جهات سياسية رسالة واضحة الى بعض الأفرقاء وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، ومفادها أنّ «هذا الأمر لا يمرّ». من جهتها، تقول مصادر قريبة من ميقاتي: «يُترك تفسير هذا الكلام لكلّ جهة سياسية، إنّما علاقة ميقاتي بعون جيدة وصيغة التعاون في مجلس الوزراء دليل الى ذلك، فبالملموس هناك علاقة تعاون جيدة بين الرئيسين على مستوى القرار. أمّا في الرسائل السياسية فكلّ جهة تفسّرها كما تقرأها». وتشير الى أنّ «استقلالية القضاء من المسلّمات لدى ميقاتي، إنّما لديه هواجس استمرارية المؤسسات والحفاظ عليها في هذه المرحلة. وعدا عن ذلك كلّ جهة تفسّر الكلام كما تفهمه. أمّا العنوان العريض في هذه المرحلة بالنسبة الى الرئيس ميقاتي، فهو: عدم توظيف خلافاتنا في الموضوع الانتخابي لأنّه يزيد من الأزمة التي نعيشها ويفاقمها».
كذلك إنّ ميقاتي «لا يضع خطوطاً حمراً لا على سلامة ولا على غيره، إنّما هاجسه الأساس عدم ضرب المؤسسات»، بحسب هذه المصادر، التي تقول: «أن يأخذ القضاء مجراه، هذا أمر مفروغ منه، لكن في الوضع الذي يعيشه لبنان هناك تخوُّف معيّن والرئيس ميقاتي يحاول إمرار هذه المرحلة من دون خضّات إضافية». وتسأل: «على سبيل المثال، إذا أقفلت المصارف أبوابها أمام المودعين والمواطنين، ماذا يحصل؟ هل يُمكن أحد تصوُّر حال كهذه؟». وتشدّد على أنّ «الهاجس والمطلوب عدم المَس بالمؤسسات وتدميرها في هذه المرحلة، والقضاء يعرف عمله».
في المقابل هناك وجهة نظر أخرى تقول: «هناك إثباتات ضدّ سلامة ومصرفيين، وهناك ملفات قضائية مفتوحة ضدّه في أكثر من دولة أوروبية؟ هل على القضاء اللبناني تجاهلها لعدم اتهامه باستثمارها لمصلحة جهات سياسية؟ وما البديل من ذلك والسلطة السياسية لم تحرّك ساكناً أو تحمي حقوق المودعين أقلّه بإقرار قانون «كابيتال كونترول»؟ كذلك ماذا فعلت هذه الحكومة حيال هذه الأزمة؟». وجهة النظر هذه تردّ عليها المصادر القريبة من ميقاتي باعتبار أنّ «هناك تناقضات حتى في الجسم الواحد القضائي أو السياسي، ومن الصعب تخريج الامور من دون خريطة واضحة. ولقد حاولنا بالممارسة أن تأخذ المؤسسات دورها، لكن الترهّل أدّى الى تضعضع حتى ضمن الجسم الواضح، ما يخلق بلبلة». وإذ تؤكد أنّ «عنوان ميقاتي الاساس هو فصل السلطات»، تشير الى «حجم التناقض في الممارسة اللبنانية وفي المؤسسات». وتلفت الى أنّ «الحكومة تحاول إمرار هذه المرحلة بالحد الادنى الممكن، وأقرّت مساعدات ومنَح لموظفي القطاع العام، أمّا الموضوع المصرفي تحديداً فمرتبط بمصرف لبنان الذي أصدر مجموعة من التعاميم تعالجه، أمّا في مجلس النواب الذي كان يجب أن يقرّ «الكابيتال كونترول» فلا توافق ولا يزال هذا الاقتراح في دوامة البحث والتجاذبات». وتوضح أنّه «سيجري وضع الأمور في نصابها، من خلال خطة التعافي التي ستأخذ مجالها على مدى سنوات، ومن المفترض أن توضع حيّز التنفيذ بعد انتهاء الاستحقاق االانتخابي الذي يأخذ أساس العمل الآن من السلطة التنفيذية كذلك من السلطة التشريعية، وهذه الخطة تشمل الموضوع المصرفي».
وتؤكد المصادر إيّاها أنّ «المصارف التي اتّبعت سياسة سليمة ستستمرّ، أمّا المصارف المضاربة والتي لم تلتزم معيار نسبة المخاطر فستدفع ثمناً، لكن الرئيس ميقاتي في النهاية لا يريد في هذه اللحظة خلط الأمور بنحو ينعكس على الناس، وهو يدافع عن مؤسسات وليس عن أشخاص، فاستمرارية عمل المصرف المركزي والمصارف هي لمصلحة الناس أولاً».
وبالنسبة الى وضع ميقاتي استقالته مقابل المَسّ بسلامة، تعتبر المصادر القريبة من رئيس الحكومة أنّ «هذه الطروحات من باب التكهنات والسياسة»، وتؤكد أنّ استقالة ميقاتي «غير واردة خصوصاً في الظروف التي نعيشها وإلّا ندخل في الفوضى ويُترك البلد الى قدره، فإذا لم يكن هناك سلطة كاملة الصلاحية تتخذ قرارات بالحد الادنى المطلوب لتسيير عجلة الدولة يتوقّف كلّ شيء وندخل في المجهول».