بين "شمالنا" و"شمال الثورة"... إنشطر قلب الثورة

بين "شمالنا" و"شمال الثورة"... إنشطر قلب الثورة

ألان سركيس


من يراقب سير الأحداث منذ اندلاع إنتفاضة 17 تشرين، يُدرك تماماً أن الإنتخابات تشكّل فرصة أساسية للتغيير بعد أن شنّت السلطة هجوماً مضاداً لاستعادة نقاط القوة التي فقدتها.


لا يمكن الرهان على سرعة التغيير، لأن مثل هكذا أمر يحتاج إلى سنوات وسنوات وإلى عمل متراكم تتخلّله عودة إلى المربّع الأول ومن ثمّ الثورة مجدداً على واقع ربما خلقته الثورة الأولى وكان من نتاجها.


ومعلوم أن لبنان بلد مركّب ومعقّد، ففي تاريخه لم يعرف ثورات حقيقية بل إنقلابات وانتفاضات وخروج محتلّ، ومن لا يعرف أن يتعامل مع الواقع اللبناني سيصطدم بحائط من الفشل يُحبط معه آمال الشعب التوّاق إلى التغيير.


وفي السياق، فإن أحد أهم أخطاء إنتفاضة 17 تشرين أنها لم تنتخب أو تُعيّن قيادة موحّدة لمعرفة توجيه بوصلة المواجهة، وانقسمت على العناوين الكبرى، وباتت معارضات أو قوى ثورية غير موحّدة وتتنافس على احتلال الشاشات والمراكز.


وفي السياق، يُطرح سؤال جوهري وهو: إذا فازت هذه القوى الثوريّة المتنافسة بعدد معين من النواب، فكيف ستجتمع ومن هي القوة التي ستجمعها، وكذلك، لو سلّمناً جدلاً أنها اجتمعت فكيف ستؤلّف إئتلافاً بوجه السلطة الحاكمة مع الأحزاب السيادية والشخصيات السيادية التي لم تنغمس بالفساد؟ وكيف ستتم مواجهة مشروع «حزب الله»؟ وكيف ستتفق على استحقاقات مهمّة مثل تأليف حكومة أو إنتخاب رئيس جمهورية؟ وهل هي قادرة على الفوز بالأكثرية بلا الأحزاب والقوى السيادية؟


بالأمس، وُلد ائتلاف جديد للثورة في دائرة الشمال الثالثة وهو «شمال الثورة»، وبهذا الأمر يكون قد أصبح هناك لائحة ثانية تحمل هذا العنوان بعد لائحة «شمالنا»، في حين أن بورصة المواجهة في هذه الدائرة واضحة مع جناحَي «حزب الله» المسيحيَّين، أي تيار «المرده» و»التيار الوطني الحرّ».


والناظر إلى خطاب هذه المجموعات التي رشّحت كلاً من بريجيت خير وإميل فياض في الكورة ورشيد رحمة في بشرّي وجويل الحويك في البترون وستتحالف مع رئيس حركة «الإستقلال» ميشال معوض والكتائب والمرشح مجد حرب، يكتشف أنه خطاب سيادي ووطني و»يميني» وإصلاحي بامتياز ولا لُبس فيه، ويدرك جيداً ان المواجهة ليست بالعناوين أو الشعارات، بل تنطلق من جرأة وثبات في المواجهة مثل مواجهة الإحتلال الإيراني وتبنّي مواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بالحياد من دون خجل، وقد ذهب المرشح رحمة بعيداً بالتفاخر بمقاومته للوجود الفلسطيني سابقاً ومن ثمّ الإحتلال السوري وخوضه الإنتخابات في وجه الإحتلال الإيراني.


أكثر من 20 مجموعة ثورية إجتمعت ودعمت المرشحين، والقاصي والداني يعلم جيداً أن هذه المجموعات لعبت دوراً في انتفاضة 17 تشرين، وهذه المجموعات تتمثّل بــ: «أنا خط أحمر» ، «القمصان البيض»، Fist، الجمعية اللبنانية السويسرية، pyramid، اتحاد ثوار الشمال، حركة شباب البقاع، octopus، Rebels، «نبض الجنوب المنتفض»، «لقاء تشرين»، 100% lebanon ، سمير سكاف، ثوار عكار، 128، «تقدم»، «لبنان يقلب الطاولة»، التجمع اللبناني في فرنسا، اللوبي اللبناني الدولي، مجموعة مواكبة الثورة (TMT)، وجبهة السيادة الوطنية (LSF)، الشمال ينتفض، ومنصة «كلّنا إرادة».


ومع تعداد أسماء هذه المجموعات والقوى تسقط ذريعة أن هذه القوى وهمية ومخترعة، إذ إنه على سبيل المثال هل يستطيع معوّض خلق كل هذه المجموعات؟ وهل لديه من القوة لكي يكون المحرّك لكل هذه المجموعات؟ من هنا فإن حلم اللبنانيين كان بتوحّد كل مجموعات الثورة واتخاذها قراراً واحداً على مستوى كل لبنان، إما بخوض الإنتخابات لوحدها أو التحالف مع الأحزاب والشخصيات السيادية، فكل الإحتمالات متاحة في معركة إسقاط سلطة «حزب الله» وحلفائه.


ربما تكون مجموعة «شمال الثورة» أكثر منطقية في التعامل مع الوضع في دائرة الشمال الثالثة، فهي انطلقت من عناوين واضحة ذات صبغة يمينية، فعلى سبيل المثال، لا تستطيع المرشحة التي كانت تنتمي سابقاً إلى الحزب الشيوعي ليال بو موسى القول إنها تحتكر الثورة في حين أنه باتت في وجهها مرشحة أخرى دعمتها قوى من الثورة هي جويل الحويك ذات خط اليميني المسيحي والتي تفاخر بأنها من عائلة البطريرك الماروني المكرّم الياس الحويك، أب لبنان الكبير ولديها خطاب يشبه أهل البترون ويقف إلى جانب المقاومة اللبنانية التي واجهت الإحتلالات وعلى رأسها الإحتلال السوري.


إذاً، تشكّل «شمال الثورة» علامة جديدة في معركة الشمال الثالثة، حيث تضع العناوين السيادية في الطليعة، في دائرة يحاول «حزب الله» نجدة حلفائه المسيحيين وعدم السماح لهم بالسقوط، لذلك فان أي تشرذم سيخدم السلطة الممثلة بـ»الحزب» و»التيار الوطني الحرّ» وبقية حلفائهم.