مفاجأة قضائية تهدد الانتخابات!

مفاجأة قضائية تهدد الانتخابات!

مرلين وهبة


بعد معضلة التعيينات الديبلوماسية التي ما زالت تبعاتها تهدد إتمام الانتخابات والمرجّح أن تُرحّل الى ما بعدها إن حصلت، غاب على المطّلعين تسليط الضوء على معضلة اخرى قضائية اساسية من شأنها ايضاً تعطيل العملية الانتخابية وهي جهوزية لجان القيد التي يبدو انها حتى الساعة تواجه تعقيدات وعراقيل جديّة بسبب رفض عدد كبير من القضاة المعيّنين لرئاسة اللجان قبول مهمتهم، الأمر الذي من شأنه إطاحة الانتخابات النيابية برمّتها.

في المعلومات انّ 45 قاضياً من بين القضاة الذين عُيّنوا في لجان القيد الانتخابية توجّهوا الى قلم القضاة في وزارة العدل، وتحديداً الى مديرية شؤون القضاة والموظفين وتقدموا بطلب إعفائهم من مهماتهم في هذه اللجان وتم رفع طلباتهم الى وزير العدل الذي أخذ علماً بها وأحالها بدوره وفق الأصول الى وزير الداخلية بسام مولوي، علماً أن القانون القضائي لا يلزم هؤلاء القضاة بالموافقة على قبول تعيينهم في لجان القيد الانتخابية وبالتالي يحقّ لهم التقدم بطلبات إعفاء من المهمات الموكلة اليهم حتى من دون ذكر الاسباب. 

المراجع القضائية المطلعة تعلّق على خطورة هذه الخطوة، لافتة الى انها في حد ذاتها لا تكمن في طلبات الاعفاء التي قدمها القضاة لأنها أمر رائج سبق ان اتخذ في الاستحقاقات السابقة لأسباب معينة وهي بالطبع مختلفة عن الاسباب الحالية المتفاوتة للقضاة المعترضين، إنما الخطورة اليوم تكمن في العدد الكبير للقضاة الرافضين هذه المهمة والذي بلغ 45 قاضياً بالاضافة الى معلومات عن طلبات اعفاء اخرى قدمها بعض رؤساء اقلام القيد لوزارة العدل.

المراجع القضائية نفسها تعتبر انّ الكرة اليوم في ملعب وزير الداخلية الذي سمحت له المادة 40 من قانون الانتخاب المعدّل بتعيين رؤساء لجان القيد العليا والابتدائية وأعضائها ومن ضمنهم القضاة، وذلك بعد ان تمّ تعديل هذه المادة فأحال صلاحية تعيين رؤساء لجان القيد العليا والابتدائية واعضائها ومقرريها لدورة انتخابية واحدة بمراسيم تصدر بناء على اقتراح وزير الداخلية بعد ان كانت المراسيم نفسها تصدر بناء على اقتراح وزيري العدل والداخلية قبل التعديل، والأمر الذي تقرأه تلك المراجع على انه المعضلة الحقيقية، اذ كيف سيتسنّى لوزير الداخلية الاطلاع على اسباب اعتراض هؤلاء القضاة وهو الأولى بشؤون ادارة وزارته وترك تنظيم الشؤون الادارية لوزارة العدل أي للوزير المختص الاولى بمعالجة الاعتراضات والاستفسار من خلال استدعاء هؤلاء القضاة والاستعلام عن سبب رفضهم وتسوية امورهم وربما إقناعهم بالعودة عن رفضهم للقيام بالمهمات المنوطة بهم.

وفي هذا السياق تلفت المصادر القضائية الى الشوائب التي نتجت من تعديل المادة 40 من قانون الانتخاب وتداعياتها بالنسبة الى سحب صلاحية وزير العدل في تعيين لجان القيد، والذي رفض المجلس الدستوري الطعن بالتعديل عليه من ضمن التعديلات التي أقرّت في مجلس النواب على قانون الانتخاب، فأناط صلاحية تعيين اعضاء لجان القيد بوزير الداخلية لسنة واحدة.

ماذا بعد؟

المصادر القضائية تشير الى ان الكرة اليوم هي في يد وزير الداخلية الذي يتوجّب عليه تعيين قضاة بُدلاء من الـ 45 قاضياً الرافضين المهمة، اي عليه مجدداً طلب لوائح اسماء كافة القضاة من مجلس القضاء للتنسيق، إنما وفق الأصول، أي التخاطب مع مجلس القضاء بواسطة وزارة العدل وليس بالمباشر كما فعل سابقاً، متجاهلاً التنسيق مع مجلس القضاء في الأسماء المقترحة، بل اكتفى بمطالبة رئيسي مجلس القضاء ومجلس الشورى بلائحة أسماء كافة القضاة العاملين في السلك القضائي ليوزّعهم وفق خبرته على كافة المراكز!

وتنبّه المصادر القضائية الى انه على وزارة الداخلية تصويب الامر الذي انعكس سلباً على شكل اللجان بدليل اعتراض واعتكاف وطلبات اعفاءات بالجملة من القضاة المعترضين على تلك التعيينات. أما المعالجة، فتقول المصادر انها لن تكون سهلة، متوقعة ان يجد وزير الداخلية صعوبة في ادارة الازمة العدلية لأنّ اسباب اعتراض هؤلاء القضاة متفاوتة ومختلفة، فمِن بين هؤلاء القضاة الكبار في السن الذين يتمسكون بالقوانين ذريعة اساسية لاعتراضهم، اي انهم يعترضون في الشكل على الآلية التي تم فيها التعيين اي هو اعتراض سياسي - قانوني.

وهناك القضاة الشبان المنتسبون الى نادي القضاة والذين عَلّوا الصوت عند اجتماعهم مع وزير العدل وعدّدوا الملاحظات ومآخذهم على أداء السلطة القضائية. وكذلك هناك القضاة المعترضون على تعيينهم في مراكز بعيدة عن اماكن سكنهم، الى قضاة آخرين معترضين على تعيين قضاة لحفظ صناديقهم، أي صناديق الجهات التي عيّنتهم.

ويبقى الاعتراض الكبير للقضاة الشبان المنتسبين الى نادي القضاة لأسباب مبدئية بالاضافة الى بعض القضاة المعترضين ايضاً بسبب انخفاص بدل الاتعاب.

تجدر الاشارة الى انّ مجموع نادي القضاة يشكّل ثلث قضاة لبنان وغالبيتهم من القضاة الشباب المندفعين، فيما العدد الاجمالي للقضاة الحاليين العاملين في السلك القضائي في لبنان يبلغ 500.

وتقول مصادر قضائية رفيعة المستوى انّ تغييب دور وزارة العدل عن هذه المهمة وقضم هذه الصلاحية المنوطة بها اساساً تظهّرت تداعياتهما في الازمة القضائية المستجدة اليوم بعد رفض هؤلاء القضاة قبول تعيينهم في لجان القيد الانتخابية، وحل هذه الازمة هو من مهمات مديرية شؤون الموظفين والقضاة في وزارة العدل وليس وزارة الداخلية. وتتساءل المصادر القضائية: «من سيتواصل اليوم مع هؤلاء القضاة للسؤال عن سبب رفضهم ومن سيتعامل معهم؟ وهل هي مهمة وزير الداخلية؟

وتأسف المصادر نفسها بالقول «اننا نعيش اليوم أسوأ ايام القضاء، وهذا الامر سيؤثر على مسار العملية الانتخابية وقد يؤدي الى «تطييرها»، إذ كيف يمكن للانتخابات أن تحصل من دون قضاة رؤساء للجان القيد؟ لافتة الى انّ الاعتراض على الاتعاب المالية لبعض القضاة يعالج إنما الاعتراض في السياسة كيف ستتم معالجته؟ فهناك قضاة يرفضون لأسباب مبدئية وآخرون لأسباب سياسية وآخرون بسبب الاتعاب او بسبب تعيينهم في مراكز بعيدة عن أماكن سكنهم…

في المقلب المُشابه مصادر وزارة العدل تراقب ولا تستبشر خيراً من الازمة القضائية المستجدة بالاشارة الى الخطأ الجسيم الذي ارتكب عند تعديل المادة 40، وتعلّق: «فليعرفوا اليوم ما ارتكبت أياديهم»، متسائلة عن الخطوة المقبلة لوزير الداخلية فيما اذا كان قد استعدّ للـ»plan B»، مستبعدة حلاً سريعاً للأزمة «الا اذا كانت لديهم خطط أخرى»!