نقاش مبكر عن الحكومة ورئاسة المجلس
هيام القصيفي الأربعاء 20 نيسان 2022
في موازاة الاستعداد للانتخابات النيابية، بدأ الكلام عن رئاسة المجلس النيابي وتشكيل الحكومة. في الأولى معركة أوراق بيض، وفي الثانية مفاضلة بين حكومة الأكثرية والاختصاصيين
تختلف مقاربة الانتخابات المقبلة عما عاشه لبنان قبل أربع سنوات. حينها، أُجريت الانتخابات على وقع تسوية رئاسية وتفاهمات محلية، وكانت معالم المرحلة التالية محسومة، لذا انصبّ الاهتمام على الانتخابات بقانونها الجديد وتحصيل المقاعد.
مع الاستحقاق المقبل، الأمر مختلف تماماً. فالخلفية الأساسية لكل المشاركين في الانتخابات هي رئاسة الجمهورية، ليس بمعنى المعركة الحتمية، وإنما بمعنى الفراغ الرئاسي الحتمي. من هنا، بدأ الكلام مبكراً عن الحكومة المقبلة، مترافقاً مع مفاوضات صندوق النقد وكل ما يدور حولها ويتعلق بالملفات الاقتصادية والمالية والكهربائية التي يفترض أن تواكبها الحكومة المقبلة، إضافة الى محاولات استشراف الدور السعودي قبل الانتخابات وإمكان تصاعده تدريجاً ليصل الى مرحلة تشكيل الحكومة وهوية رئيسها.
وبعدما طرحت مرحلة ما بعد الانتخابات على الطاولة، وكلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن تأييد الحزب لحكومة وحدة وطنية، وكلام رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في شأن الحكومة المرتقبة، توسع النقاش حول الغاية من الطرح المبكر، رغم أن قوى سياسية فاعلة لا تزال تقارب الموضوع بحذر. والأمر لا يتعلق بنتائج الانتخابات فحسب ليُبنى على الشيء مقتضاه. إذ يتحدث معارضون عن أن رغبة الحزب في الكلام المبكر عن حكومة وحدة وطنية هي لقطع الطريق أمام احتمال فوز المعارضة بالأكثرية، وتالياً تكرار سيناريو عامَي 2005 و2009، في الإصرار على حكومة وحدة وطنية. وهناك كلام عن أن الضغط الذي يمارسه حزب الله على الحزب التقدمي الاشتراكي في الانتخابات النيابية هو لضمان مشاركته في الحكومة المقبلة كما جرى في المرحلة التي تلت خروج الرئيس سعد الحريري بعد 17 تشرين. في حين أن هوية الحكومة الجديدة لا تلغي المعارك المتوقعة حكماً بين تيار المردة والتيار الوطني الحر ــــ حتى لو اجتمعا على مائدة نصر الله ــــ على تقاسم الحصص المسيحية. وتجربة التنافس الوزاري الحاد في الحكومة الحالية لا تزال حيّة. أما القوى السنية فتنتظر نتائج الانتخابات. إلا أن واقع غياب الزعامة المركزية، قد يؤدي برئيس الحكومة العتيد الى امتلاك مفتاح تمثيل التكتل السني فيها، ولو حقق معارضو حزب الله السنّة فوزاً في الانتخابات. في المقابل، بدأت القوات اللبنانية مبكراً حسم موقفها الرافض للمشاركة في حكومة وحدة وطنية، بعدما أثبت «هذا النوع من الحكومات فشله. وطموحنا أولاً تحقيق أكثرية نيابية تشكل الحكومة الجديدة. ما عدا ذلك، لا يمكن المشاركة في حكومة كالتي شكلت سابقاً وانعكس أداؤها سلباً على الوضع العام». من هنا، فإن «حكومة اللون الواحد هي التي يجب أن تتحمل مسؤولية ما تقوم به، كما كانت الحال مع حكومة الرئيس حسان دياب. أما المطروح الذي يمكن القبول به فهو حكومة اختصاصيين، شرط أن تكون حكومة اختصاصيين فعلاً ومستقلة من أجل مواكبة المرحلة المقبلة، ولديها برنامج واضح».
في موازاة الكلام عن الحكومة، يستعد الجميع لاستحقاق مفروغ منه هو رئاسة مجلس النواب، الذي سيكون المرحلة الفاصلة عن مفاوضات تسمية رئيس الحكومة وتشكيلها. ورغم أن بري عائد الى رئاسة المجلس، إلا أن معركة معارضة وصوله لن تكون فقط بالأوراق البيض. والتعويل ليس على أصوات المعارضين الذين سيقفون ضده إذا وصلوا الى المجلس، بل على أركان الحلف الواحد الذي باركه حزب الله.
القوات لن تشارك في حكومة وحدة وطنية ولن تنتخب بري لرئاسة المجلس
لن تسمي القوات اللبنانية بري لرئاسة المجلس مهما كانت نتيجة الانتخابات. وهي لم تسمّه سابقا، وسبق لرئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع أن قال عام 2018 «إن الجميع يعلم مدى احترامنا للرئيس بري وتناغمنا معه في العديد من المواقف، والورقة البيضاء ليست في وجهه بقدر ما تعبر عن موقفنا الاستراتيجي»، والأمر نفسه سيتكرر حالياً. فالقوات لن تنتخب بري لأنها لا تزال تعتبر «أن الخلاف الاستراتيجي حول سلاح حزب الله هو الفاصل بينهما»، رغم أنها تعاملت وستتعامل معه برلمانياً كما في السنوات الماضية.
إلا أن موقف التيار الوطني من بري هو الذي يفترض الإضاءة عليه. فحزب الله جمع الخصمين اللدودين معاً في تحالفات انتخابية، يتعامل معها التيار علناً على أنه مضطرّ إليها تحت ضغط رفع عدد مقاعده النيابية. وإذا كان إعطاء التيار لنواب كتلته حرية التصويت لبري من عدمه في الدورة الماضية مبرراً بسبب عدم التحالف بينهما، فكيف يمكن التبرير اليوم عدم انتخاب بري رئيساً للمجلس النيابي الذي سيشكل للتيار رافعة انتخابية في بعض الدوائر بناءً على تنسيق مشترك مع حزب الله، أم أن التيار سيتعامل مع بري والتحالف الانتخابي «على القطعة»، أي خلاف سياسي حاد فتحالف ثم معارضة لانتخابه. والأمر نفسه سيطرح على القوى السنية المعارضة وكيفية تعاملها مع الرئيس نبيه بري في المجلس المقبل، علماً بأن موقف الاشتراكي معروف من الآن. والموقف السني بعد الانتخابات سيبنى عليه الكثير لأنه سيكون مؤشراً على الاستعداد السني لانتخابات رئاسة الجمهورية.