بعد 15 أيار: الحكومة تودّع اللبنانيين بالقرارات «المؤلمة»
جورج شاهين
قبل ان تدخل الحكومة مدار تصريف الأعمال بشكلها الضيّق صباح 22 ايار الجاري، ستكون آخر جلسة لها على موعد مع أولى القرارات الصعبة والمؤلمة المؤجّلة الى ما بعد 15 ايار، مخافة ان يفيض غضب الناخبين على المنظومة السياسية. ولذلك، هي مدعوة الى اتخاذ القرار بوقف الانهيار في قطاع الإتصالات الذي اقترب من الهاوية. على وقع المواجهة غير المتكافئة لإمرار بعض التعيينات في بعض المراكز الحساسة. وعليه ما هو المتوقع؟
من المنطقي القول إنّ الحكومة التي اقتربت من مصير محتوم بدخولها دستورياً مرحلة تصريف الاعمال، ان تحاول إنهاء بعض الملفات العالقة، بعدما انعكست المناكفات السياسية والحزبية على مسار العمل الحكومي وعطّلتها لفترة غير قصيرة، اجتاحت مساحة واسعة من عمرها القصير. وهي التي لم تنه عامها الأول بعد، والذي يصادف العاشر من أيلول المقبل. فالفقرة «هـ» من المادة 69 من الدستور واضحة وصريحة لا تحتمل أي جدل، وهي تنزع عنها كامل صلاحياتها مواصفاتها الدستورية وتُدخلها مرحلة تصريف الاعمال بـ «المعنى الضيّق» للكلمة عند بدء ولاية المجلس النيابي الجديد فجر الثاني والعشرين من ايار الجاري، وإلى المرحلة التي تتشكّل فيها حكومة جديدة تتسلّم مهامها.
وعلي، فإنّ الفترة الضيّقة الفاصلة عن هذه المرحلة الدستورية الإجبارية، ستكون مليئة بالمفاجآت. إذ انّ عليها ان تنهي بعض الملفات الكبرى والمهام التنفيذية الملقاة على عاتقها، قبل ان يفتح الجدل في المرحلة المقبلة حول حجم صلاحياتها وما يمكن ان تقوم به حكومة تصريف الاعمال، التي تفتقر الى ثقة مجلس نيابي جديد. وما زاد الطين بلّة، مجموعة المخاوف المسبقة من الّا تكون المرحلة المقبلة وما تفرضه من آليات دستورية، تقود إلى تشكيل حكومة جديدة، سهلة للعبور من محطة الاستشارات النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية لتسمية الرئيس المكلّف، وأخرى غير ملزمة على من يُكلّف بهذه المهمة القيام بها، من اجل عبور مرحلة التكليف الى التأليف.
فالسيناريوهات المرتقبة التي تحاكي هذه المرحلة متعددة وغامضة وهي متنوعة ومتشابكة، وقد تكون معقّدة إن بقيت او تجدّدت التجاذبات السياسية بعد ولادة المجلس النيابي الجديد وبقاء الأطراف المتصارعة في مواقع متقدّمة، وعجز القوى النيابية التغييرية الجديدة من إحداث اي انقلاب او تسهيل مسار الأمور بين هذه المجموعات التي استغلت مواقعها في مختلف المؤسسات والسلطات الدستورية، وحوّلتها مساحة مباحة للصراع في ما بينها، إلى حين الوصول الى الاستحقاقات الكبرى المنتظرة، ولا سيما منها، المتصل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية إيذاناً بانتهاء عهد وبداية آخر.
وما بين هذه المحطات الدستورية، تتزاحم الملفات المدرجة على لائحة القضايا الخلافية، وما لم تتغيّر تركيبة المجلس النيابي الجديد وتنعكس متغيّراتها على موازين القوى الحالية فيه، فسيبقى القديم على قدمه.
وهو أمر مرجح حتى هذه اللحظات. فمن الواضح انّ أي تغيير محتمل سيكون رهن نتائج الانتخابات النيابية الأحد المقبل، بما لا يترقبه أحد من اليوم. فما هو ثابت، انّ التغيير إلى حدود الانقلاب أمر صعب يقارب المستحيل عند البحث عن جنس الملائكة، في تركيبة ما زالت قابلة للحياة، ولم تقو عليها لا انتفاضة 17 تشرين 2019 ولا النكبة التي حلّت ببيروت نتيجة تفجير مرفئها في 4 آب 2020، ولا النقمة الشعبية التي بلغت الذروة في اكثر من مناسبة، ولم تؤثر او تبدّل في نهجها وتوجّهاتها. كما بالنسبة الى الآليات المعتمدة في إدارة شؤون البلاد والعباد، فزادت من غضبهم وعجزهم عن توفير أبسط حقوق المواطن وعززت الانهيارات المتناسلة على كل المستويات، ولا سيما في القطاعات الحيوية والخدماتية، حتى عجزت الدولة ومؤسساتها عن القيام بالكثير من مسؤولياتها والحدّ الأدنى من واجباتها.
وبناءً على ما تقدّم، بقي أمام الحكومة، وفي المهلة الفاصلة عن نهاية ولاية المجلس الحالي، أقل من 10 ايام، وهي لن تسمح بأكثر من جلستين حكوميتين لإمرار ما يمكن إمراره من اقتراحات قوانين يمكن التوافق بشأنها، بعدما توسعت الخلافات لتشمل الكثير مما هو مطلوب في المرحلة المقبلة، ولا سيما على مستوى التحضير لتنفيذ تعهدات لبنان بموجب الاتفاق على مستوى الموظفين، مع صندوق النقد الدولي، وغيرها من الإصلاحات الموعودة، بعدما تعثرت كل الخطوات الآيلة الى ولادة ما طال انتظاره.
وإن كانت جلسة مجلس الوزراء الصباحية اليوم مناسبة لتمرير بعض المشاريع التي تمّ التوافق حولها، فقد خلا جدول أعمالها من كل البنود الخلافية العالقة، كمثل التعيينات الادارية والمالية والقضائية، فإنّها تغلق ملف مسودة دفتر الشروط لإطلاق مزايدة تلزيم الخدمات البريدية والوثائق العائدة له. وهي قضية شائكة تعني رئيس الحكومة شخصياً. وإنّ البت ببعض المشاريع الخاصة بشؤون مباني الجامعة اللبنانية، يُعدّ إنجازاً لن يطال التعيينات التي تحتاجها على مستوى العمداء، بفعل استمرار الخلافات حول الحصص التي أبعدت التفاهمات الى مرحلة لاحقة، كما على مستوى باقي التعيينات المالية، وفي مقدّمها مصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والتشكيلات والمناقلات القضائية التي ما زالت تعوق انطلاق مسيرة المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ.
وعليه، اتجهت الأنظار الى الجلسة الاخيرة المرتقبة الخميس المقبل، والتي ستكون بجدول اعمال حافل بالقرارات الصعبة، ولعلّ أخطرها واكثرها ثقلاً على كاهل المواطنين، القرارات الخاصة برفع أسعار الاتصالات الخليوية وعلى الشبكة الارضية والانترنت، التي ستحلّق، إلى جانب اسعار المحروقات والأدوية والكهرباء والخبز، والتي ستشكّل زلزالاً كبيراً إن قيست ردات الفعل الخاصة بها بزيادة السنتات الـ 6 على كلفة «الواتس آب» التي فجّرت البلد في 17 تشرين 2019.
وإلى هذا الاستحقاق المالي الكبير، ستحضر معظم المشاريع التي على الحكومة تجهيزها قبل إحالتها على المجلس النيابي الجديد، والتي يستحيل مقاربتها في مرحلة تصريف الاعمال، او على الاقل لمنع الجدل حولها. وإلى تلك المرحلة، فما هو ثابت انّ الظروف قد تبدّلت، ويئس اللبنانيون من نتاج أي حراك شعبي، وهو ما يطرح مجموعة من الاسئلة لمعرفة ما ستكون عليه ردّات الفعل على ما هو منتظر من قرارات قاسية ومؤلمة، تودّعهم بها الحكومة الميقاتية، ليعيش اللبنانيون مرحلة تزداد فيها المصاعب المعيشية على اكثر من مستوى مالي ونقدي ومعيشي واجتماعي. وما علينا سوى الاستعداد لتلك المرحلة الخانقة ونترقب مصاعبها والمفاجآت المنتظرة، والتي ستنوء تحتها أكثرية اللبنانيين.