حاصبيا حزينة على «المير» أكثر من «فتى المصارف»

حاصبيا حزينة على «المير» أكثر من «فتى المصارف»

 آمال خليل الأربعاء 18 أيار 2022


ترشيح مصرفي في زمن سرقة الودائع لم يكن «ضربة معلم». تمنى كثر خسارة مروان خير الدين في الانتخابات النيابية. سعت «قوى الاعتراض» في دائرة الجنوب الثالثة إلى «الثأر» من نائب رئيس جمعية المصارف، لكنها لم تحسم يوماً قدرتها على إسقاطه بسبب إمكانياته الهائلة والدعم الذي يحظى به من أحزاب نافذة. لكن «الشيخ» سقط في عقر داره، ليس بسبب دوره في احتجاز أموال المودعين أو تهريب ثروات النافذين إلى الخارج فقط. العامل الرئيسي، بالنسبة إلى كثر، كان مجاهرته بأنه «لا يحتاج أصوات الدروز وتكفيه كثافة التصويت الشيعي للفوز».


عقب انتهاء الفرز الأولي لأصوات قضاء مرجعيون – حاصبيا، ليل الأحد الماضي، احتفل خير الدين في بلدته حاصبيا بـ«فوزه» بالمقعد خلفاً لخاله أنور الخليل الذي احتفظ به منذ 1992. أطلق مناصروه مفرقعات نارية بآلاف الدولارات ورقصوا في الساحة. بعدها غادر إلى بيروت للوقوف إلى جانب شقيق زوجته ورئيس حزبه، الديموقراطي اللبناني، طلال إرسلان إثر خسارته في دائرة الشوف – عاليه. لكن الفرحة بالفوز المضمون لم تدم طويلاً. حمل ليل اليوم التالي خسارته لمصلحة مرشح لائحة «معاً نحو التغيير» فراس حمدان.


بجوار السرايا الشهابية، رُفعت صورة ضخمة لإرسلان مذيّلة بعبارة «حاصبيا معك». يملك «المير» جزءاً من السرايا التي بناها الأمراء الشهابيون عام 1170 عقب صدّهم للحملة الصليبية على وادي التيم. بجوارها، يستعين الشيخ أبو وائل بمولد كهربائي صغير لتلحيم «الوجاقات» التي يصنعها. رغم ميوله الإرسلانية، يجاهر بأنه منح صوته التفضيلي لحمدان وليس لخير الدين. لم يكن ذلك بدافع تغيير التمثيل الحاصباني القائم منذ عقود على الموروثات الحزبية والعائلية، إنما تأديباً لخير الدين الذي «أهان المشايخ». رواية الشيخ، التي تتقاطع مع ما يتناقله كثر، تشير إلى أن خير الدين خلال زيارته لمشايخ عين جرفا لنيل بركتهم و«طلب الدعاء منهم»، قال إنه لا يحتاج للتصويت الدرزي لأن «أصوات بلدة الخيام تكفيني». فيما يحتفظ آخرون بتعليق نشره على مواقع التواصل الاجتماعي رداً على حمدان يقول إن «حياً واحداً في الخيام يكفي لنجاحي. فكيف تنافسني؟». أصدر المشايخ حرماً على نسائهم يمنعهن من التصويت لخير الدين أو لسواه. فيما صوت غير المشمولين بالحرم ضده. في مقابل «الثأر لكرامة المشايخ»، يشيد «أبو وائل» وسواه بخير الدين كشخص. يبرئونه من تهمة احتجاز الودائع وتهريب أموال المسؤولين إلى الخارج. «المسؤولون الكبار هم من فعلوها. هو موظف صغير لا يملك سلطة. روح روح تعا تعا».

في الساحة، «تكزدر» سوزي وصديقتها للتمويه بعد أيام عصيبة من العمل لصالح ماكينة حمدان. بملابسها «المودرن» وشعرها المنسدل، تعبر عن فرحتها المضاعفة لأنها «اقترعت للمرة الأولى وساهمت بإيصال الرجل المناسب إلى المكان المناسب بدلاً من إيصال سرّاق». تنتظر من حمدان الكثير «لأنه نائب شاب يعرف همومنا نحن المقيمين في الأطراف». فهي اضطرت للانتقال إلى بيروت لتدرس الرياضيات في الجامعة اللبنانية. «تكبدت كلفة استئجار سكن لأن حصولي على سكن طالبي في مجمع الحدث لم يكن ممكناً بلا واسطة من وائل أبو فاعور»، قبل أن تعدّد لائحة طويلة من المطالب العامة والخاصة من الكهرباء إلى فرص العمل واسترجاع حقوق الناس.


في منزل عائلته في الكفير، عند سفح جبل الشيخ، يلملم حمدان أعصابه بعد أن كاد يخسر بسبب رفض لجنة القيد في سرايا مرجعيون الاعتراف بنتائج عدد من صناديق الاغتراب. بعد ضغط من ماكينته وزملائه المحامين، ضمن شبان المنطقة المغتربون في الخليج وفرنسا مئات الأصوات الإضافية التي منحت لائحة «معاً نحو التغيير» الفوز بحاصل ثان. يتروى المحامي (34 سنة) في الإجابة عن أسئلة الصحافيين عن شؤون مفصلية مقبلة. «بعدني مش مصدق أني ربحت». فهو اعتاد التظاهر في محيط المجلس فقط لا الوجود داخله. وعقب انفجار مرفأ بيروت، أصيب العضو في لجنة الدفاع عن حقوق الموقوفين في التظاهرات برصاص خردق لا يزال يستقر في قلبه. من حوله، تحلق متطوعون في ماكينته الانتخابية الذين سيتحولون إلى «فريقي الاستشاري في برنامجنا القائم على مواجهة الفساد وبناء الدولة بعد أن واجهنا الاحتلال الإسرائيلي».

الحاصبانيون «أدّبوا» خير الدين لاستهتاره بأصوات الدروز والاشتراكيون نكثوا بالعهد


على وقع الاحتفال بالفوز المفاجئ لحمدان، تواصل ماكينة خير الدين البحث في أسباب خسارته. الأخير أجاب من اتصلوا به هاتفياً للتضامن: «ماشي الحال... بتصير». لكن الإرسلانيين يتحدثون في مجالسهم الخاصة عن مؤامرة حيكت ضدهم. يشير أحد المعنيين بأن «الاشتراكيين أخلّوا بالتزامهم تجيير حتى 3 آلاف صوت من قاعدتهم في المنطقة. لكن لم ينتخب منهم سوى مئة فقط، رغم أنهم شكلوا ماكينة انتخابية لصالحه مولها هو بنفسه». مع ذلك، يقر الإرسلانيون بأن جزءاً منهم أيضاً لم يقترع لخير الدين: «اعترضنا على آلية ترشيحه التي أسقطت علينا من الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط، فضلاً عن اختيار شخصية استفزازية نفّرت الناخبين في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة». مع ذلك، «لم يبذل الشيخ جهداً لإقناع الناس به. اكتفى بزيارة المفاتيح الانتخابية كالمشايخ ورؤساء البلديات ومسؤولي الأحزاب».

عند مدخل حاصبيا، رفعت لافتة ضخمة لخير الدين كُتب عليها «نثق بك وننتظر الكثير». خلال شهر، أنفق الشيخ أموالاً طائلة ووزع إعاشات و«بونات» بنزين... أما بعد خسارته، فلم يمنح الحاصبانيين فرصة مواساته. حتى إن البعض شكا من تخلفه عن تسديد مستحقات وعدوا بها مقابل التصويت له. مع ذلك، سيسهل على المنطقة طي صفحة «الزائر الطارئ». فأهلها لم يعرفوه عن قرب قبل ترشحه للنيابة ولم يشكلوا جبهة جدية للاقتصاص منه بسبب دوره في الانهيار المالي كصاحب مصرف. بخلاف الفرح العارم بخسارته في المناطق، يتحكم بالحاصبانيين المعيار الوجداني ومؤازرة الدروز لبعضهم في السراء والضراء. لكن لم تستطع حاصبيا إخفاء حزنها على خسارة «المير» أكثر من خسارة «فتى المصارف».


الجنوب الثالثة: الاعتراض الشيعي خرق بالدرزي والأرثوذكسي

تبلور صوت الاعتراض في انتخابات 2022 في أقضية: بنت جبيل، النبطية وحاصبيا – مرجعيون في لائحتين، بخلاف تشتّته بين خمس لوائح في انتخابات 2018. لائحة «معاً نحو التغيير» المكتملة المدعومة من المستقلين والشيوعيين، حصلت على 30 ألفاً و384 صوتاً وفازت بالمقعدين الدرزي والأرثوذكسي في حاصبيا ـــ مرجعيون. فيما حصلت لائحة الاعتراض المكتملة في الدورة السابقة على 17 ألف صوت، رغم دعمها من قبل التيار الوطني الحر وتيار المستقبل والحزب الديموقراطي اللبناني. الجديد تمثّل في زيادة حجم التصويت الشيعي. فقد حصل المرشحون عن المقاعد الشيعية الثلاثة في قضاء النبطية على سبعة آلاف و83 صوتاً، وعن المقاعد الشيعية في قضاء بنت جبيل على 4 آلاف و731 صوتاً. وإذا أضفنا مجموع الأصوات، مع ما حصل عليه المرشحان الشيعيان فقط في قضاء مرجعيون ـــ حاصبيا، يصبح العدد الإجمالي 12 ألفاً و930 صوتاً. فيما بلغ مجموع الأصوات التفضيلية للمرشحين الشيعة في اللوائح الخمس في الدورة السابقة 9 آلاف و25 صوتاً، علماً بأن الفائز بالمقعد الأرثوذكسي إلياس جرادة حصل على أصوات تفضيلية من ناخبين شيعة في حولا وبلاط ودبين (...) من أصل 9 آلاف و218 صوتاً، على غرار ما حصل عليه من الناخبين الدروز والسنّة والمسيحيين. في مقابل حصول منافسه أسعد حردان على 1859 صوتاً. أما الفائز بالمقعد الدرزي فراس حمدان فحصل على 4 آلاف و859 صوتاً مقابل حصول منافسه مروان خير الدين على 2634 صوتاً. ماكينة اللائحة أكدت إمكانية حصولها على حاصل ثالث يسمح لها بالخرق بالمقعد السني في القضاء «لو لم يلتزم أكثر من 70 في المئة من الناخبين السنّة في العرقوب بالمقاطعة». فقد حصل النائب قاسم هاشم على 1215 صوتاً مقابل حصول مرشح «معاً نحو التغيير» محمد قعدان على ألف و59 صوتاً، علماً بأنه في دورة 2018، حصل أبرز المرشحين السنّة بوجه لائحة ثنائي حركة أمل وحزب الله وحلفائهما، عماد الخطيب المدعوم من تيار المستقبل، على 8543 صوتاً تفضيلياً، في مقابل حصول هاشم على 6 آلاف و12 صوتاً.