بروفة ناجحة لانتخابات رئاسة الجمهورية
هيام القصيفي الأربعاء 1 حزيران 2022
ما جرى في ساحة النجمة، أمس، أنهى مفاعيل الانتخابات النيابية، وأسّس لمرحلة انقسام أكثر وضوحاً، ولسيناريو انتخابات رئاسة الجمهورية، وقبلها اختيار حكومة «مناسبة» بالمعايير نفسها التي أنتجت انتخابات أمس
ما كادت الانتخابات النيابية تنتهي، حتى انتهى مفعولها بسرعة، وقُضي على نتائجها. الطرفان الأقل حصداً للأصوات الشعبية، بين قوى 8 آذار، حصدا رئاسة مجلس النواب ونيابة الرئاسة. لكن المشهد الأكثر تعبيراً عما جرى في ساحة النجمة أن الجلسة كانت «بروفة» ناجحة لما يمكن أن يجري في انتخابات رئاسة الجمهورية.
ما أفرزته الجلسة أن قوى 8 آذار أعادت صياغة موقعها السياسي وفق حسابات لا تتعلق بما حصل في الانتخابات النيابية. حقيقة الواقع الانتخابي وعدم حصولها على الأكثرية شيء، وتمكّنها، بسهولة ودقة، من تحقيق رقم 65 صوتاً لرئيس المجلس النيابي ولنائبه أمر آخر. فما فعله حزب الله أنه تمكّن من جمع ما يريده من الشمال الى الجنوب، وحصد الأصوات التي صبّت في تسوية مدروسة حرفياً، وقادرة بعد صورة المجلس الجديد وانتخاباته الداخلية على أن تترك مفاعيل مستقبلية تبدأ برئاسة الحكومة وتنتهي برئاسة الجمهورية. وحزب الله، بعدما ضمن الموقعين النيابيين الرئيسيين، أثبت حتى داخل قوى 8 آذار، وبعدما نجح في تحقيق كتلة وازنة للتيار الوطني الحر، أن يفرض بهدوء لافت، أعقب الانتخابات، إيقاعه عليه ويخفّف من الصوت العالي للتيار في المعارك المستقبلية، بدءاً من الحكومة.
كان المشهد الأوّلي للمجلس النيابي أنه حقق للداخل والخارج أول حجر في البناء الثلاثي للنظام من المجلس الى الحكومة، فرئاسة الجمهورية. وحقق للخارج، كذلك، انتخابات نيابية وهيكلية داخل المجلس كبنية أساسية للانطلاق الى الخطوات التالية. والقيام بانتخابات رئاسة المجلس هي البند الأول للحفاظ على بنية النظام، لكن خلافاً لما كان يمكن التشكيك به في الخطوات اللاحقة، فإن البروفة النيابية يمكن استنساخها في مرحلة تشكيل الحكومة. وهو استحقاق أصبح أكثر خطورة، نظراً الى ما أنتجته إدارة اللعبة البرلمانية. فالقدرة على ضبط إيقاع التيار صارت مضمونة، وكذلك استجلاب تغييريين ومستقبليين، وشبح الرئيس سعد الحريري حاضر بقوة في انتخابات أمس، أو حتى بعض الذين يتذرّعون بأنهم خارج الإطارات الحزبية، إضافة الى حفظ موقع الحزب التقدمي الاشتراكي الذي ضمن أصواته لرئيس المجلس. كل ذلك يمكن أن يؤدي الى تشكيل حكومة سياسية، وليس شرطاً أن تكون حكومة اتحاد وطني تتمثل فيها المعارضة الحزبية السياسية. وإذا كان مبرراً للاشتراكي انتخاب الرئيس نبيه بري، شريكه في كل الحِقَب السياسية واستحقاقاتها، فكيف يمكن تبرير كل الأصوات الأخرى خارج اصطفاف كادر حركة أمل وحزب الله، الأمر الذي يعني حكماً تكرار المشهد نفسه في الحكومة، وتسمية رئيسها بحسب ما كرسته نتائج الجلسة النيابية الأولى التي افتتحت مرحلة أربع سنوات جديدة من التفسخ السياسي. لذا فإن البحث المبكر بدأ لحظة اكتشاف «الانقلاب» على نتائج الانتخابات، بحسب أوساط قوى سياسية معارضة، للبحث في كيفية وقف الاندفاعة نحو تكليف شخصية لرئاسة الحكومة تكمل ما بوشر به في مجلس النواب. وهذا الكلام سيكون محور لقاءات واتصالات متجددة مع «النواب التغييريين» لأخذ العبرة مما حصل في المجلس.
أما في انتخابات الرئاسة، فالفكرة المبدئية التي خلصت إليها جلسة أمس، أن ما يمكن تحقيقه بـ 65 نائباً، يمكن أن يؤدي الغرض نفسه في انتخابات رئاسة الجمهورية، ولا سيما أن القوى السياسية الحزبية المعارضة لن تتصرّف كما تصرّفت قوى 8 آذار بعدم الذهاب الى المجلس النيابي أو حتى «تعطيل» انتخابات رئاسة الجمهورية من أجل ضمان انتخاب الرئيس ميشال عون، بل ستذهب حكماً الى المجلس النيابي كما اعتادت فعله، من باب الحفاظ على المؤسسات. ما يعني أن صورة الانتخابات الرئاسية قد تكون أصبحت من الآن أكثر وضوحاً.
المعارضة ستكون من الآن وصاعداً ساحة لشدّ الحبال بين مكوّناتها في وقت ثبّتت فيه قوى 8 آذار تماسكها
أما قوى المعارضة، فيمكن التعامل معها من زاوية أن الوقائع أثبتت أن تقدّم القوات اللبنانية في المشهد الانتخابي كان بخطى ثابتة، ومعها أصوات مستقلين فاعلين، ولا سيما أن القوات نجحت في سحب ذريعة خوض المعركة باسم شخصية حزبية قواتية، رغم أن قوى في الموالاة كانت تفضل معركة مع شخصية قواتية للفوز عليها. لكن، في المقابل، فإن المعارضة ككل، ستكون من الآن وصاعداً ساحة لشدّ الحبال بين مكوّناتها على طريقة المعارضة والموالاة داخل الصف المعارض، في وقت ثبّتت فيه قوى 8 آذار في أول استحقاق تماسكها. والمعارضة فشلت في أن تكون جسماً واحداً بسبب أداء «النواب التغييريين» الذين تعاطوا مع الاستحقاق بخفة سياسية، في وجه خصم سياسي محنّك. وبدل أن يوجّهوا معارضتهم نحو الموالاة، صوّبوا هدفهم نحو أحزاب المعارضة كونها من أحزاب «السلطة». وهم افترضوا أنهم بتقسيم أصواتهم، يعطون مثالاً عن كيفية إحداثهم الفرق الواضح بين الدورة الأولى والثانية. ورغم أن من الصعب التعامل معهم على أنهم جسم واحد، إلا أن الأداء المتعثّر، مع ما يعنيه عدم التعاطي بجدية مع خصوصية ومغزى الدورة الأولى والثانية، دلّ على أن فكرتهم الأساسية هي أنّهم غير معنيّين بالانتخابات من باب تسجيل موقف ضد الأحزاب برمّتها. وهذا سيعطي مجالاً رحباً للقوى السياسية التقليدية في الموالاة في استخدامهم للتصويب على المعارضة، وللقوى المعارضة التقليدية في تأكيد مشروعية خطابهم السياسي ضد التغييريين الخارجين من الشارع الى المجلس من دون نضج سياسي. وبذلك يكون الفرز السياسي قد أصبح داخل المعارضة والموالاة على السواء أكثر وضوحاً مما كان عليه الوضع قبل الانتخابات. ومن الصعب من الآن وصاعداً التعامل مع النتائج الأخيرة إلا على قاعدة أن أوّل تجلّيات المجلس الجديد ومفاجآته سيكون أكثر بكثير من مجلس عام 2018.