ملايين الدولارات بين ما تتلقّاه الـ NGOs وما تعلن إنفاقه
نبيه الداموري الإثنين 25 تموز 2022
«القطاع الثالث» مصطلح يُستعمل لتعريف مجموعة من المنظّمات المختلفة (المنظمات غير الحكومية أو التي لا تبغي الربح أو غيرها من المنظمات) التي لا تندرج في خانة القطاع العام (الدولة) أو القطاع الخاص (الشركات الخاصة الهادفة للربح). انتشرت ظاهرة الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية التي تعمل تحت غطاء «القطاع الثالث» في كثير من دول العالم في العقود الماضية خصوصاً في بلدان الجنوب. وتشكل غالبية هذه المنظمات فرصة للتدخل الدولي في البلاد التي تعمل فيها من دون العبور بالقنوات الرسمية للدولة ومؤسساتها الحكومية.
في بلد كلبنان انتقلت المنظومة الغربية - خصوصاً بعد أحداث «17 تشرين» - بعد عقود من دعمها للطبقة السياسية الحاكمة وتقديم الدعم السياسي والمالي لها في مختلف المراحل والأزمات، إلى العمل مع منظمات المجتمع المدني مباشرة بحجة فساد السلطة الحاكمة وعدم شرعيتها. في هذه المرحلة، ظهرت الحاجة إلى وجود منظمات تدقيق لتحديد المنظمات والمؤسسات غير الحكومية التي «يمكن الاعتماد عليها» والتي تعمل «بشفافية وتستطيع الحصول على الدعم المالي» من المؤسسات الدولية المانحة.
في كانون الثاني عام 2018، أُطلقت من مقر إقامة السفير البريطاني في لبنان مؤسسة «3QA» (3rd Sector Quality Assurance /ضمان جودة القطاع الثالث).
من بين المؤسّسين كانت السيدة كارما اكمكجي التي عملت لـ 11 عاماً في وحدة الشؤون الدولية والمستشارة الدبلوماسية للرئيس السابق سعد الحريري ولم تغادر فريقه إلا بعد شهر من إطلاق «3QA» أول مشروع لها في أيار من عام 2020. تمّ المشروع بالتعاون مع مؤسسة تجمع المصرفيين الدوليين اللبنانيين (LIFE) تحت عنوان «صندوق الطوارئ للإغاثة» لجمع الأموال (حوالي 550,000 دولار ) لـ14 منظمة غير حكومية تقدم الدعم للمجتمعات اللبنانية الأكثر ضعفاً. كانت مهمة «3QA» اختيار المنظمات وإجراء التدقيق الإلزامي عليها ومراقبة المشاريع المموّلة.
في آب 2020، بعد انفجار مرفأ بيروت، أطلقت Impact Lebanon - وهي «منظمة لا تبغي الربح» أطلقتها بعد 17 تشرين مجموعة من المغتربين اللبنانيين في لندن - حملة لجمع التبرعات من المغتربين اللبنانيين والجمعيات الدولية. ولتحويل الأموال بسرعة إلى لبنان من أجل تمويل جهود الإغاثة في حالات الطوارئ، تعاونت المؤسسة مع مؤسسة (LIFE)، وصرّحت بأن «هذه الشراكة كانت ضرورية لنجاح العملية بأكملها، ونحن ممتنّون للغاية لدعم LIFE الذي تضمّن تحديات مالية وقانونية كبيرة». اختيار المنظمات غير الحكومية التي أرادت Impact Lebanon العمل معها وتمويلها، تمّ على أساس «عملية ترشيح وتدقيق صارمة للمنظمات غير الحكومية بالتعاون مع 3QA، وهي مؤسسة اجتماعية متخصّصة لضمان الجودة من القطاع الثالث ومقرها بيروت». وقد عملت مؤسسة «3QA» أيضاً ضمن مبادرة (Beirut Emergency Fund - صندوق بيروت للطوارئ) الذي أطلقته مؤسّستا LIFE و SEAL بعد انفجار 4 آب.
جمعت مبادرة Impact Lebanon حوالي 9.2 ملايين دولار، واختارت 18 منظمة فقط من بين 150 جمعية ومنظمة غير حكومية قدّمت طلبات للتمويل. تُظهر الأرقام الواردة في الجدول المرفق أن حوالي 8.8 ملايين دولار من المبلغ خُصِّصت للمنظمات وصُرف منها حوالي 7.6 ملايين دولار وفقاً لبيانات منظّمة Impact Lebanon. أما وفقاً لبيانات المنظمات غير الحكومية، فإن التمويل المصرّح عنه لا يتعدى 3.8 ملايين دولار. وفي ما يتعلق بمبادرة «صندوق بيروت للطوارئ» فقد جمعت حوالي 8.4 ملايين دولار وفقاً لبياناتها، في وقت تشير البيانات الصادرة عن المنظمات غير الحكومية المستفيدة إلى أن الأموال الممنوحة لا تتخطى مليوني دولار.
محظيو «القطاع الثالث»: سياسيّون ونواب وتدقيق بلا دقّة
تعود الفوارق في البيانات المالية بين المنظمات المانحة والمنظمات المتلقّية إلى أن بعض هذه الجمعيات لا تُبرِز أرقاماً للتمويل الذي تلقّته أو الأموال التي صرفتها في تقريرها السنوي. كما أن بعضها لا يقدم تقريراً سنوياً، وهناك منظمات خرجت مواقعها الإلكترونية عن العمل، من بينها «3QA» المسؤولة عن عملية التدقيق، ما يتعارض مع أهم شروط التدقيق التي تدّعي غالبية المنظمات غير الحكومية أنها تخضع لها وهي الشفافية وحق المواطنين في الوصول إلى جميع البيانات والأرقام.
ومن بين المنظمات التي تلقّت تمويلاً كانت منظمة (Embrace) المعنية بالتوعية حول الصحة النفسية والوقاية من الانتحار، وقد انتشرت أخيراً حادثة انتحار أحد الأشخاص بعد تواصله مع الجمعية من دون أن يلقى أي ردٍّ منها بحسب عائلة الضحية. كما أن المنظمة تزوّد المرضى الذين يلجأون إلى الجمعية بأرقام أطباء من دون التدقيق فيها، وفي بعض الأحيان يتم تحويل المرضى إلى أطباء يتلقّون «كشفيات» باهظة لا تستطيع غالبية المحتاجين إلى المساعدة دفعها.
وإلى ذلك، تلقّت جمعية «بيتنا بيتك» تمويلاً من كلتا المبادرتين، واتضح في ما بعد أن إنفاق الجمعية لم يكن شفّافاً بالكامل، كما أن موقعها الإلكتروني خارج الخدمة منذ فترة طويلة، فيما انتشرت شائعات كثيرة حول مسؤول الجمعية مارون كرم، وهو أمين صندوق حزب «منتشرين» السياسي، ما يتنافى مع شروط تلقّي الأموال والتي من ضمنها ألا تكون للجمعية علاقة بأيّ من الأحزاب السياسية. إلا أن كرم لم يكن وحيداً، إذ تلقّت «مؤسسة رينيه معوض» التي يرأسها النائب ميشال معوض، وجمعية «فرح العطاء» التي أسّسها النائب ملحم خلف ويرأسها فخرياً، أيضاً تمويلاً من مبادرة «صندوق بيروت للطوارئ» في أعقاب انفجار مرفأ بيروت.