أيّها العسكريّون أبقوا في ثكناتكم

أيّها العسكريّون أبقوا في ثكناتكم

اذا كنا في منطقة تبنى فيه الجيوش لحماية الأنظمة، أي وضع للجيش اللبناني في بلد تنتفي فيه امكانات الانقلاب، كذلك امكانات الثورة، بسبب تركيبته الفسيفسائية العجيبة و... العجائبية؟


عن أي نظام يدافع الجيش، بالأحرى عن أي منظومة يدافع، بذلك التماهي (الفذ) بين بارونات الطوائف (الأكثر سؤاً من بارونات القرون الوسطى) وعرابي المافيات (الأشد ضراوة من عرابي صقلية وشيكاغو) ؟


هذا الجيش المعذب الذي جعلنا نستذكر ما حلّ بالجيش الروسي، اثر تفكك الاتحاد السوفياتي، وظهور بوريس يلتسين الذي كان يتدحرج، كما برميل الفودكا في أروقة الكرملين، تاركاً لابنته تتيانا أن تنقضّ مع الذئاب (رجال الأعمال اليهود بوجه خاص) على المؤسسات والاستيلاء عليها بأبخس الأسعار.


آنذاك كان الجنود في فلاديفستوك، وحيث الصقيع القاتل، يمزقون قمصانهم، واستعمالها كأحذية، بدل السير حفاة على الثلوج .


لولا المساعدات الآنية، بما فيها المساعدات الغذائية، التي تصل الى الجيش، أما كان لضباطنا وجنودنا، وهم من أفضل ضباط وجنود العالم أن يتوهوا جوعى، وربما حفاة أيضاً، في الطرقات؟


أجل ... اي منظومة تلك، وحيث ادارة البلاد لا تختلف عن ادارة جهنم التي بشرنا بها صاحب الفخامة، وقد خيّل الينا، مثلما يخيّل للماعز، أنه ما ان يطأ أرض القصر حتى يصعد بنا الى القمر، بعدما جعلتنا فيروز نظن حقاً، أننا جيران القمر؟


ها أن أولياء أمرنا، بكل مواصفات راقصات الباريزيانا (وقد رددنا ذلك مرات ومرات)، يتصارعون فوق أنيننا، وفوق صراخنا، وفوق جثثنا على حقائب فارغة، وعلى عتبة فراغ، المرجح أن يكون مبرمجاً داخلياً وخارجياً، ليكون لبنان المدخل الى تفكيك، أو الى اعادة تركيب، خرائط المنطقة!


حيال ذاك المشهد الأبوكاليبتي (أين فرنسيس فورد كوبولا ليسلط كاميراته على أحوالنا؟)، أليست مهمة الجيش حماية لبنان من أي خطر يتهدد بقاءه ؟


هذا يستتبع أوتوماتيكياً السؤال الآخر: ألا تشكل المنظومة الحاكمة، وقد أوصلت البلاد الى الخراب السياسي، والخراب الاقتصادي، والخراب المالي، وحتى الى الخراب الدستوري (والسوسيولوجي)، الخطر الذي يتعدى الخطر «الاسرائيلي»، ناهيك عن الخطر «الداعشي»؟


استطراداً، كيف للجيش أن يطارد عصابات الكوكايين والكبتاغون، وعصابات التهريب، والخطف والسلب، ولا يطارد أولئك الذين نهبوا المال العام، ومال الرعايا؟ هؤلاء الذين يقتلون، بسياسات هز البطن، الدولة في لبنان، والناس في لبنان ...


أما ترانا نغطي التراجيديا اللبنانية (لكأنها احدى التراجيديات الاغريقية) بالمهرجانات الصاخبة والمتنقلة، اذا لاحظتم كم يشبه شعار «أهلا بها الطلة» أيدي المتسولين على مفترقات الطرق، ما يتيح لفنانينا ولفناناتنا، والكثير منهم بأصوات القطط، تكديس الثروات التي اما تذهب الى دور الأزياء أو الى ليالي شهرزاد ؟


وقيل مثلما الدولة هنا دولة الليدي غاغا، المجتمع هنا مجتمع الليدي غاغا، لنصل الى السؤال الأخير: ماذا يمكن أن يحصل اذا أمر العماد جوزف عون العسكريين بالبقاء (احتجاجاً لا أكثر ولا أقل)، وليوم واحد فقط في ثكناتهم؟


لا شك أننا في جمهورية علي بابا . قد نصبح في جمهورية آل كابوني . فوضى في المدن، وفوضى في القرى، وفوضى في الطرقات، بعدما استشرت بيننا ثقافة قطاع الطرق، وثقافة ديناصورات السوق، الذين يستنزفون دماءنا، وأرواحنا .


هكذا نتيح لأحد معلقي «الفايننشال تايمز» أن يرى فينا ذلك النوع من البؤساء الأشد بؤساً من بؤساء فيكتور هوغو، وذلك النوع من السذّج الأكثر سذاجة من سذّج غوار الطوشي!


أيها العسكريون الأعزاء ابقوا في ثكناتكم ليوم واحد. لا بد أن تتهاوى قصور أهل المنظومة، ورؤوس أهل المنظومة. أما وقد فتحت أبواب الفراغ، هذا اليوم لا محالة آت .. آت!

نبيه برجي