هل يدفع باسيل لفراغٍ رئاسي مديد تعويماً لحظوظه بدخول قصر بعبدا؟
«قدامى العسكر» في لبنان طرقوا باب البرلمان على وقع «برج بابل» الموازنة و«سوق عكاظها»
لم تَخْرُجْ المناخاتُ التي رافقت جلسة مناقشة وإقرار مشروع موازنة 2022 في البرلمان اللبناني أمس عن السياقات الفوضوية والارتجالية التي مازالت تحكم حتى اليوم المسارَ المالي في بلدٍ يتخبّط منذ مارس 2020 في أزمةٍ «تطحن عظام» شعبه وتُفاقِمها صراعات سياسية ذات صلة باللعبة الداخلية وحساباتها السلطوية كما بخلفيات النزاعات الإقليمية المتعددة الساحة.
وطغتْ على جلسة مجلس النواب مشهديةُ اقتحام العسكريين المتقاعدين «ساحة النجمة» ووصولهم إلى بوابة مقر البرلمان وحصول مواجهاتٍ بينهم وبين عناصر الجيش والقوى الأمنية المولجين حماية المنطقة، وسط حال من التوتر العالي استوجبت استخدامَ بعض القنابل المسيّلة للدموع لدفْع قدامى الجيش وقوى الأمن الداخلي بعيداً عن المبنى الذي اجتمع فيه النواب ومنْعهم من دخوله بالقوة، من دون أن تسْلم النائبة سينتيا زرازير لا من حال التدافع والضرب التي سُجلت وطاولتها شظاياها على وقع صراخها «هذه سلطة قمعية»، ولا من دخان «المسيِّلات» التي كان في مرماها أيضاً النائب جميل السيد.
وجاء هذا الصخب، الذي نجح معه العسكريون المتقاعدون في أن يكونوا الوحيدين الذي وصلوا إلى «باب البرلمان» منذ اندلاع احتجاجات 17 اكتوبر 2019، على خلفية رفْضهم ما اعتبروه استنسابيةً في زيادة الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام ومتقاعديه، وحرمان الأخيرين في مشروع الموازنة نصف المساعدة الاجتماعية (يتقاضاها سائر العاملين في القطاع العام وتقررت أن تكون على شكل زيادة الرواتب 3 أضعاف) عبر احتساب هذه المساعدة على أساس الراتب والمعاش التقاعدي وليس على الراتب والمعاش التقاعدي كامليْن (مع متمماته)، الى جانب مطالب أخرى تتصل بالمساعدات المدرسية والجامعية وموازنة الاستشفاء المخصصة لهم وإلغاء ضريبةِ الدخل على المعاشات التقاعدية.
وفيما كانت هذه المطالب تُلبّي الواحد تلو الآخَر في مجلس النواب، سواء مباشرةً في الموازنة أو بوعود «مكتوبة» ومحدّدة بمهل زمنية، فإن مناقشات مشروعِ موازنةِ «الشرّ الذي لا بد منه» والتي شكّلت استكمالاً لجلسة 16 سبتمبر بدت أقرب إلى «برج بابل» في أرقامها وبنودها ولا سيما المتعلّقة بالإيرادات لتمويل زيادات الرواتب والتي نقل نواب أنها جاءت أقرب إلى «سوق عكاظ»، وكانت ترتفع بـ «مزايدة كلامية» من هنا وهناك من دون أن تكون مدعّمة في الجداول، ما جعل غالبية الكتل حتى مؤيّدي إقرارها يَرْفعون الصوت بإزاء هذه الفوضى غير المسبوقة.
وإذ انطبعت المناقشاتُ أيضاً بجدل قديم – جديد حول تضمين الموازنة سلسلة بنود تقع في تصنيفها تحت خانة ما يُسمى «فرسان الموازنة» (لا علاقة لها بالتنفيذ المباشر للموازنة وبالإنفاق والجباية مثل إقرار تعديلاتٍ ضريبية) التي لم ينجح رافِضوها في إسقاطها عن صهوة الموازنة، وهو ما عبّر عنه توجُّه رئيس البرلمان نبيه بري إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بأن «هذه آخِر مرّة يا دولة الرئيس أقبل بفرسان الموازنة،(مش معقول)120 قانون بجلسة وحدة»، فإن مسألة العجز المقدَّر في الموازنة (نحو 16 ألف مليار ليرة) وكيفية تمويله لم تمرّ أيضاً دون أخْذٍ وردّ «ولو ودي» بين بري وميقاتي على خلفية تأكيد الأخير أن «صندوق النقد تعهّد بعد أن يحصل الاتفاق النهائي أن يسدّد العجز وإلا ذاهبون إلى التضخم».
فبعد سؤالِ نوابٍ لميقاتي «وماذا لو يتم بلوغ الاتفاق النهائي كي سيُموَّل العجز؟» من دون أن يجيب، قال له بري «أنت تخطئ. يُشطب من المحضر، أنا والمجلس النيابي لا نخضع لا لصندوق النقد ولا لغيره والمجلس سيد نفسه وهناك سيادة في مجلسنا».
وإذ كان الترقّب يسود للقسم الثاني (المسائي) من جلسة الموازنة ولا سيما في ما خص الدولار الجمركي بعدما كان اعترض كثيرون وبينهم رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان على الأرقام المرسَلة من وزارة المال لاعتماد هذا الدولار على تسعيرة 15 ألف ليرة (بعدما كان حتى الساعة على 1500 ليرة)، فإن إنجاز موضوع الموازنة الذي اعتُبر أحد «بوابات» الوصول الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي (رغم ملاحظات الأخير على اعتماد سعر للدولار الجمركي خارج منصة صيرفة أي نحو 30 الف ليرة حالياً)، يجعل الأنظارَ تتجه مجدداً إلى مسار تأليف الحكومة الجديدة قبل 3 أيام من انتهاء نصف المهلة الدستورية (محدَّدة بشهرين) لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بحلول 31 اكتوبر.
وعلى وقع استمرار المناخات المتضاربة حيال حسْم استيلاد الحكومة خلال أيام أو حاجة الأمر لمزيد من «الإنهاك» للاعبين الرئيسيين، ورغم «التمنيات» التي يُكْثِرُ منها «حزب الله» بتشكيل الحكومة في الأيام المقبلة، فإن «القفلَ والمفتاح» في هذا الاستحقاق المعلَّق منذ 3 أشهر ونيف يرتبط بموقف رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي يريد تعزيزَ حضوره في أي تشكيلةٍ حكومية يمكن ان ترى النور قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، أكانت نسخةً منقّحة عن حكومة تصريف الأعمال أو توليفة أخرى.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع في بيروت لـ «الراي» إن «اشتراط باسيل الحصول على حصة وازنة في أي حكومةٍ كاملة الصلاحيات مردّه إلى إصراره على حجْز كرسي متقدم في حكومةِ إدارة الفراغ في الرئاسة الأولى».
وكشفت هذه المصادر عن تقويمِ جهاتٍ مؤثّرة داخلية وخارجية لمسارِ الاستحقاق الرئاسي استُنتج منه أن باسيل يدْفع، أو أقلّه لا يُمانِعُ حلولَ الفراغ في رئاسة الجمهورية ما دامت حظوظه الحالية كمرشّحٍ طبيعي تُقارِبُ الصفر.
ولفتت المصادر عيْنها إلى أن رئيس «التيار الوطني الحر» – بحسب هذا التقويم – يرغب بفراغٍ طويل المدى لاعتقاده أنه كلما طال الفراغ استطاع تعزيز مكانته في السباق الرئاسي ما دامت حظوظ المرشّحين الطبيعيين الآخَرين إما منعدمة وإما ضعيفة كرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أو رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية.
وتحدّثت المصادر الواسعة الاطلاع عن أن باسيل، الذي يسعى للإيحاء بأنه الناخِب المسيحي الأول، سيستخدم «الفيتو» الذي يُمْسِك به (اعتبار نفسه الناخب المسيحي الأوّل) لتعطيل فرص التوافق على أي مرشحِ تسويةٍ في الأمد المنظور لإطالة فترة الفراغ، ربما تكراراً لتجربة عمّه الرئيس الحالي ميشال عون، ظناً منه أن في الإمكان استنهاض وضْعه السياسي والشعبي المصاب بجروح كثيرة لمعاودة تقديم نفسه كمرشح أمر واقع.
وسام ابو حرفوش