سُبحان مغيِّر مواقف من حارب إسرائيل ومن راهن عليها!

سُبحان مغيِّر مواقف من حارب إسرائيل ومن راهن عليها!

الكاتب: سركيس نعوم | المصدر: النهار

3 تشرين الثاني 2022

في الحقيقة لا أحد يُحب إسرائيل أو يثق بها من اللبنانيين حتى الذين منهم اضطروا الى التعامل معها في مرحلة صعبة من تاريخ بلادهم من جرّاء حاجتهم الى قوة قادرة على مدّهم بالمساعدات العسكرية من أسلحة وخلافها ومن تدريب كي يتمكّنوا من الدفاع عن أنفسهم في وجه فريق غير لبناني شعر بالسعادة في إحدى مراحل الحرب الأهلية وغير الأهلية في لبنان يوم رأى مقاتليه ومقاتلي حلفائه من اللبنانيين على أبواب بلدة بكفيّا المسيحية، ويوم قال قائد بارز فيه إن طريق فلسطين تمرّ في جونيه.


طبعاً لا يرمي هذا الكلام الى تبرئة اللبنانيين المشار إليهم أعلاه من مسؤوليتهم منذ استقلال لبنان عن خلل في السلطة والدولة والنظام رغم الصيغة والميثاق الوطني دفع جهات لبنانية أخرى الى حمل الأسلحة بحضّ وتحريض من الفلسطينيين الذين كانوا قد صاروا قوة عسكرية كبيرة في لبنان عصت على الدولة وأوحت للمسلمين فيها أنها ستساعدهم في تصحيح الخلل بالحكم والنظام والصيغة.


لم يستبعد أحد في حينه أن تكون لـ”المايسترو” (الراحل) حافظ الأسد يدٌ في التطورات اللبنانية المشار إليها. هدفه من ذلك كان الإمساك بلبنان وطوائفه ومذاهبه بعد احترابها وبروز حاجتها إليه وتوريط الفلسطينيين بحيث يصبحون جاهزين للتخلّي عن القرار المستقل لمنظمة تحريرهم له. وقد يكون مفيداً التذكير في هذا المجال بأن اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 لم يشفِ غليل الذين راهنوا عليها إذ لم تُخرج سوريا “عدوّتهم” من لبنان كله، وإذ حرّضت على نشوب حرب الجبل عام 1983 عقاباً لحلفائها المسيحيين الممثلين في حينه برئيس الجمهورية الكتائبي الشيخ أمين الجميّل الذين انصاعوا الى سوريا الباقية في بلادهم والى حلفائها فألغوا اتفاق 17 أيار الذي وقّعته دولة لبنان مع إسرائيل.


طبعاً ليس الهدف من هذه المقدمة تبرئة الفريق الذي احتمى بإسرائيل أو راهن عليها. فهو أدرك في حينه ولاحقاً أن “الأمل فيها مثل أمل إبليس في الجنة” كما يُقال. فهو أخطأ برهانه عليها لكونها عدواً للبنان وأشقائه العرب وبتمسّكه بامتيازات على حساب شركائه في الوطن. كما أخطأ الفريق الذي كان يناهضه أي مسلمو لبنان برهانهم على غير لبنانيين وإن عرباً ليس لتصحيح الشراكة الوطنية، وكان ذلك الهدف في البداية، بل للاستيلاء عليها كلّها والانفراد تالياً بالسلطة.


ما مناسبة هذا التذكير الذي قد يعتبره البعض في غير محله؟ مناسبته مبادرة الذين “اتُهموا” بالتعامل مع إسرائيل وآخرين من الشعب الذي ينتمون إليه الى انتقاد الترسيم البحري لحدود لبنان مع إسرائيل باعتباره تطبيعاً معها واعترافاً بها وتخلياً لها عن مساحة بحرية مهمّة وواعدة نفطياً وغازياً.


وأيضاً انتقاد ردّ الفعل الذي قام به “حزب الله” بوقوفه وراء الدولة في هذا الموضوع وتأييد ما قامت به واتهامه بالتفريط بحقوق لبنان والفلسطينيين، هو الذي نجح في تحرير معظم الأراضي اللبنانية التي احتلتها إسرائيل عام 1982. وقد ذهب هؤلاء وآخرون غيرهم من بيئة “الحزب” ومن خارجها ومن البيئة العسكرية النظامية كما من الأكاديميين المحترمين جداً الى حدّ اعتبار “الدولة” التي وقف وراءها “الحزب” وأركانها مؤيّدين له مفرّطة بحقوق لبنان ومصالحه إذ تنازلت عن خط الترسيم 29 وتمسّكت بالخط رقم 23.


وهذا أمرٌ حرم لبنان مساحة كبيرة من “المنطقة الاقتصادية الخالصة” التي صار الأمين العام لـ”حزب الله” خبيراً فيها بعدما اضطرّته المزايدات الى المبادرة بشجاعة الى الدفاع عن موقف الدولة وعن وقوفه وراءها وعن تأييده اتفاق الترسيم وشرحه المفصّل لصحّته وفوائده، علماً بأن دولة لبنان أرسلت الى الأمم المتحدة كتاباً عام 2011 تعلمها فيه اعتمادها الخط 23 لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. علماً أيضاً بأن الذي أثار غضبهم النجاح في الترسيم على أساس الخط المذكور قبل أسابيع وعلى تنوّعهم سكتوا سنوات عن هذا “التفريط” بحقوق لبنان وشعبه أو شعوبه.


وعندما قرّر رئيس الجمهورية ميشال عون الإمساك بملف الترسيم بدلاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قام بدوره كاملاً على هذا الصعيد أصرّ الأخير على توقيع ما سُمّي في حينه “اتفاق الإطار” الذي توصّل إليه هو مع إسرائيل عبر واشنطن، وعلى ضرورة متابعة التفاوض حول الترسيم البحري برعاية الأمم المتحدة في الناقورة وفي حضور ممثلين للولايات المتحدة. لكنه أصر على تفاوض غير مباشر عبر الأميركيين. وتمّ ما أصرّ عليه في حفل رسمي في مقرّه في عين التينة، في حضور أميركي وأممي رسمي.


بعد ذلك شكّل الرئيس عون وفداً رئيسه العميد بسام ياسين من الجيش اللبناني فأجرى جولات تفاوض قليلة في الناقورة لكن الفشل كان مصيرها. فإسرائيل اتهمت وفد لبنان بالتمسّك بالخط 29 ورأت بعد جولات عدّة أنه لن يغيّر رأيه، علماً بأنّه في أيّ مفاوضات يتمسّك المتفاوضون بالحدّ الأقصى من مطالبهم لكنهم يتدرّجون بحيث يصلون الى تسوية وسطية “مقبولة” منهم كلهم. وهذا لم يحصل.


هل كان ذلك خطأ الوفد اللبناني أم خطأ الوفد الإسرائيلي، أم خطأ العرّاب الأميركي؟ علماً بأن الرئيس عون كان يقول في تلك المرحلة علناً إن الـ29 هو خط تفاوضي. والجواب عن هذه الأسئلة الثلاثة غير ممكن حالياً لغياب المعلومات التفصيلية الموثّقة.


هل كان التفاوض غير المباشر الذي أداره الرئيس بري خالياً من أي عيوب أو نواقص وفيه بعض تفريط؟ وكيف سارت المفاوضات غير المباشرة عبر الأميركيين يوم تسلّم دفة قيادتها الرئيس عون؟ وهل جرى شيء على ضفافها لا علاقة له بالنفط والغاز والحدود والحقوق؟