نصاب الـ65 يخلّ بالتوازن.. وتقدّم وهمي لمعوض
الكاتب: طارق ترشيشي | المصدر: الجمهورية
11 تشرين الثاني 2022
تعقيباً على الجلسة الانتخابية الرئاسية الخامسة أمس، وبعيداً من التسويق الاعلامي الذي ساقته بعض الكتل الداعمة لترشيح النائب ميشال معوض خرج بعض المشاركين فيها والمتّتبعين لوقائعها بالاستنتاجات الاتية:
اولاً: انّ اعتبار ارتفاع عدد المقترعين لمعوّض الى 44 صوتاً مضافاً اليهم غياب 4 نواب من الذين كانوا من ضمن حساباته، (أي أنه يحوز 48 صوتاً) لا يدل الى ان هناك تطوراً في مسألة تأييده، انما هذا الامر يندرج في اطار اللعب في الوقت الضائع وليس مسألة خيارات سياسية.
ثانياً: ان عدد الاصوات الاضافية التي نالها معوض يأتي في ضوء الالحاح الشخصي الذي يمارسه الرجل، وهو ما اشتكى منه عدد من النواب في مجالسهم الخاصة.
ثالثاً: ان النائب نعمة افرام وحليفه جميل عبود لم يقترعا لمعوض، وبالتالي ليس للاخير الحق في اعتبارهما ضمن المؤيّدين له، وهذا ما أعلنه معوض في اطلالته الاعلامية الاخيرة عبر قناة «ال. بي. سي. اي» فكيف له ان يحتسبهما في عداد الغائبين؟.
رابعاً: معلوم تماماً ان ترشيح معوض هو عملية تجريبية من جانب «الفريق السيادي» من اجل القيام بعملية توازن مع رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية بهدف الاطاحة بهما عند التسوية، وبالتالي انّ قول معوض امس انّ رقم مؤيديه بدأ يقترب من الاكثرية المطلقة (أي النصف زائدا واحدا) هو في غير محله الطبيعي لأنه من غير المسموح من جهة النائب سامي الجميّل وغيره من «السياديين» ان يقبلوا بمعوّض رئيساً لأنّ الاتفاق قد تم على انّ ترشيحه هو «على سبيل المناورة». ولذلك، فإنّ اي تطور في رقم مؤيّدي معوض سيسحب منه تأييد بعض القوى لا سيما منهم الكتائب ونعمة افرام وميشال ضاهر وغيرهم من النواب، لأن الجميل ومعوض هما على تَباين كبير بسبب النائب الكتائبي اديب عبد المسيح الذي يعتبر سامي الجميل انه يجب ان يكون ضمن كتلة حزب الكتائب.
خامساً: ان الكلام الذي صدر بعد الجلسة من انّ رقم المؤيدين لمعوض قد تقدم وان الاوراق البيض قد تقلّصت هو في غير محله، لأن القوى الاساسية الداعمة لمعوض، وبالتحديد «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي، كانا قد لوّحا مراراً وتكراراً بأنهما جاهزان للتوافق مع فريق 8 آذار على مرشح وسطي وقد جاهَر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بإمكانية قبوله بترشيح قائد الجيش جوزف عون اذا ما تم التوافق عليه، فكيف يكون معوض في هذه الحال مرشحاً ثابتاً لـ»القوات» ويَنعتونه بـ»المرشح السيادي» وصاحب المشروع الاصلاحي وهم في الوقت عينه يسوّقون للخطة B.
سادساً: بالنسبة الى ما يتعلق بانخفاض عدد الاوراق البيض فإنّ ذلك يعود الى معرفة فريق 8 آذار سلفاً بنتيجة الجلسة، ولو كان الامر غير ذلك لكانَ حضر نوابه جميعاً وأعادوا تثبيت الاوراق البيض على الرقم 63. ولكن المؤشر الابرز هنا هو استمرار «التيار الوطني الحر» في التنسيق مع حلفائه على الاقتراع بالاوراق البيض.
سابعاً: من المُستهجن ان يستمر بعض الافرقاء الداعمين لمعوض في اعتبار انهم حققوا 69 مقعدا بنتيجة الانتخابات النيابية ووضعوا له عنواناً في أنّ هذا الرقم يعود الى القوى السيادية التغييرية، فاخترعوا «كذبة، ولا ندري اذا كانوا قد صدقوها ام لا» بعدما تبيّن من عدد من الاستحقاقات، سواء انتخاب رئيس مجلس النواب او نائبه او انتخاب اعضاء اللجان النيابية او حتى الجلسات الخمس المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية، انّ هذا الرقم غير صحيح وانّ القوى التغييرية ترفض ان تسير في ركب «القوات اللبنانية» او «الكتائب» كما انّ نواب كتلة «الاعتدال الوطني» يرفضون التعامل مع «القوات» لحسابات سنية وحريرية في آن معاً.
ثامناً: لا يزال رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية خارج الفولكلور النيابي حفاظاً منه ومن حلفائه ومؤيديه على صورته التوافقية العابرة للطوائف والمذاهب والاحزاب والمناطق، بحيث يدور في الكواليس انه أقرب الى ان يكون مرشحاً توافقياً ضمن تركيبة تَجمعه مع رئيس حكومة يتجانسان في الاداء، خصوصاً ان المملكة العربية السعودية لم تضع «فيتو» على فرنجية، وهذا ما لمسه الجانب الفرنسي من الرياض التي «لا تريد قتل الناطور بل أكل العنب». وما حضور فرنجية لمؤتمر «الطائف 33» في الاونيسكو الاسبوع الماضي سوى تأكيد منه على الالتزام ببنود «اتفاق الطائف» بنداً بنداً وتبديد هواجس المملكة العربية السعودية حول مصير هذا الاتفاق، وهي التي آثرت الصمت على مشاركة فرنجية، في حين ان البعض الآخر قد استفزّتهم هذه المشاركة ولكنهم لم يجرؤوا على انتقادها ولا انتقاد حفاوة الاستقبال التي لقيها فرنجية وذلك خوفاً من غضب المملكة عليهم، اذ انّ اصالة المملكة هي المعيار في تكريم الضيف، كيف لا وعائلة فرنجية ترتبط بعلاقات تاريخية مع المملكة، خصوصاً العلاقة التي كانت تربط والد فرنجية النائب الراحل طوني فرنجية بخادم الحرمين الشريفين الملك سليمان بن عبد العزيز ايام كان اميراً للرياض.
تاسعاً: كان من الملفت ما ساقَه النائب سامي الجميل في المجلس النيابي من انه يجب ان تكون الدورة الثانية قائمة بنصاب النصف زائدا واحدا، فوقع اسير «البروباغندا» الاعلامية والبث المباشر والشعبوية لأنه انتقصَ بذلك من الضمانات التي اعطاها المشرّع الدستوري للمسيحيين لأنه اذا ما اجتمع النواب، او 64 نائباً مسلماً على دعم نائب مسيحي واحد خلافاً لإرادة المسيحيين فيأتون به رئيساً. وهذا ما كان يجب ان يفكّر به الجميّل قبل ان يُعاند الرئيس نبيه بري الذي آثرَ الصمت مُكتفياً بدعوته الى «قراءة الدستور»، فكان بري بهذا التصرف حريصاً على حقوق المسيحيين اكثر من حزب الكتائب. وقد سُمع بري لاحقاً يقول للجميل: «بَعدين بشوفك وبحكيك».
على ان احد المتابعين يقول انه في حال الاخذ باقتراح التغييريين باعتماد نصاب النصف زائدا واحدا في الدورة الثانية من الانتخابات، فسيكون ذلك خدمة جليلة لسليمان فرنجية…»وفكّروا فيها يا شباب».
وتجدر الاشارة هنا الى ان 13 انتخابات رئاسية حصلت في الدورتين بنصاب الثلثين. كذلك تجدر الاشارة الى ان انتخاب الرئيس الراحل بشير الجميل عام 1982 قد تم في الدورة الثانية بنصاب الثلثين (62 نائباً من اصل 92) وقد تأجّلت الدورة الاولى يومها الى حين تأمين هذا النصاب، فكيف يثير ورثة بشير الجميل الآن أمراً لم يرتضيه مورثهم؟
وفي ضوء كل هذه المعطيات يرى المتابعون للاستحقاق الرئاسي وبعد اللقاء الاخير للامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وكذلك في ضوء تنسيق بري مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وفي ضوء المعطيات على الخط السعودي ـ الفرنسي فإنّ الامور تتجه، ولو بعد حين، الى التوافق على رئيس قوي ومنفتح ومؤمن بـ»اتفاق الطائف» وحافِظ لظهر المقاومة، ويَستجمع في شخصه ضماناً لحقوق الجميع وتَرفّعاً عن مصالحه الشخصية.