تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية “يكتمل” وسط صمت مطبق…

تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية “يكتمل” وسط صمت مطبق…

الكاتب: منال شعيا | المصدر: النهار

25 تشرين الثاني 2022

من الماضي نبدأ لنبرهن أن التجارب السابقة أكثر من مريرة. إنه الاستحقاق البلدي والاختياري هذه المرة، الذي يبدو أنه سيكون في مهبّ الريح…

كان يُفترض أن تشهد البلاد انتخابات بلدية في شهر أيار المنصرم، لكن السلطة اللبنانية عاجزة عن خوض استحقاقين في العام نفسه، فكان إجراء الاستحقاق النيابي على حساب الانتخابات البلدية والاختيارية، التي أصبحت بحكم المؤجّلة، وفق قانون أقره مجلس النواب في آذار 2022.

وإلى الماضي نعود، حيث نكتشف أن السلطات اللبنانية التي توالت على الحكم، بعيد انتهاء الحرب الأهلية، لم تكن الانتخابات البلدية في سلّم أولوياتها، إذ بعد إقرار اتفاق الطائف، أجرت السلطة أول انتخابات نيابية في عام 1992 فيما أهملت الاستحقاق البلدي لأعوام طويلة، لتكون أول انتخابات بلدية تجرى منذ الطائف في عام 1998، أي بعد ثمانية أعوام على إقرار الطائف وبداية مرحلة البناء والسلم.

من هنا، ربّما لا داعي الى الإكثار بعد من أدّلة أو براهين على إمكان خطر تأجيل الانتخابات البلدية السنة المقبلة، ولا سيما أن عبارات “استثنائياً” و”أوضاع البلاد غير المسبوقة” و”الأزمات المالية” كلها كلمات اعتادها اللبناني في القاموس السياسي، فكيف إن كان الظرف لا يزال يزداد ثقلاً منذ ما يقارب ثلاثة أعوام!

هذا الخطر أو الخوف من تطيير الانتخابات البلدية دفع بـ30 جمعية ومؤسسة الى رفع الصوت عالياً، قبل أن يصادق مجلس النواب على قرار التأجيل، وعادت وسلطت الضوء مجدّداً على المسألة، بعدما بات التأجيل قانوناً نيابياً.

تجاوز البيان الوزاري

من أبرز هذه الجمعيات “الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات” التي أشارت في بيان مشترك مع جمعيات أخرى الى أن “السلطة السياسية ناقضت مضمون البيان الوزاري وبادرت الى تأجيل الانتخابات البلدية، تحت مسمّيات وذرائع عدة، منها الأمني أو المالي كعدم صرف الاعتمادات اللازمة لتنظيم العملية الانتخابية”.

هكذا، وبهذه البساطة، لا تكلّف الحكومة نفسها الكثير كي تبرّر مسألة تجاوزها بياناً وزارياً، كتبته هي بنفسها، إذ في 5 آذار 2022، قرّر مجلس الوزراء مجتمعاً تأجيل الاستحقاق البلدي، وبعد أسابيع معدودة، سارع مجلس النواب الى إقرار مشروع القانون، في 30 آذار 2022، ليصبح قانوناً نافذاً.

يقول الأمين العام لـ”الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات” روني الأسعد “في الوقت الذي تضمّن فيه البيان الوزاري لحكومة “معاً للإنقاذ” التزاماً لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها، رأيناها تطالب بتأجيل الاستحقاق الانتخابي البلدي سنة كاملة، لا بل تتهرّب من القيام بواجباتها وتضعه في عهدة مجلس النواب”.

وبحكم الاتفاق السياسي أكمل مجلس النواب خطة الحكومة وكان التأجيل رسمياً لعام كامل، أي حتى 31 أيار 2023.

مرّ التأجيل بسلاسة أيضاً داخل البرلمان، ولم تسجّل اعتراضات، ولا سيما أن الجميع يعلمون بقدرة السلطة وبميزانيتها، وأن الاستحقاقات الضاغطة لن ترحم الجيوب ولا قدرة المسؤولين، ولا حتى جهوز القوى الأمنية على السير معاً باستحقاقين انتخابين مهمّين.

هذا القرار سبقه طلب من وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي بالتأجيل لأسباب تقنية، ولكون الانتخابات النيابية والبلدية تتقاربان في المدة الزمنية، وبنظر مولوي التأجيل مبرّر “بالأسباب اللوجستية والإمكانيات الضئيلة”.

وفق مصادر الداخلية لـ”النهار”، التأجيل ليس مفتوحاً أبداً، بل هو محدّد بالقانون، وأي تخلّف أو تعديل سيحتّم حكماً تعديل القانون مجدّداً الذي أقرّه مجلس النواب.

في متن القانون، ورد رسمياً “تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية لمدة عام، وتأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية، بسبب عدم الجهوزية المادّية والبشرية لمدّة عام”.

السبب المالي الذي أتى كعامل رئيسي أول للتأجيل لا يلغي ضرب المسار الديموقراطي الذي تقترفه السلطة، إذ يشدّد الأسعد على “أمر في غاية الأهمية وهو دورية الانتخابات، وإلا فلمَ تحدَّد أصلاً المهل الزمنية للاستحقاقات الانتخابية، لكون الأخيرة ليست مسألة ترف أو اختيار، ولا يجوز التعامل معها بهذا الاستخفاف”.

وفيما كان البعض يفضّل ألا تكون مدّة التأجيل عاماً، بل أقل كفترة زمنية ترواح مثلاً بين ثلاثة أشهر أو ستة أشهر، مما يفسح المجال أمام إبعاد الاستحقاق البلدي عن النيابي، فإن ثمة مسألة أخرى لا تدعو الى الاطمئنان مع دخول البلاد مرحلة الشغور الرئاسي في 31 تشرين الاول الماضي.

كل هذه الاستحقاقات الداهمة لا تعطي مؤشراً واضحاً أمام التزام الحكومة ومجلس النواب معاً بعدم تأجيل الانتخابات البلدية مرة ثانية، فمن فعلها في المرة الأولى يفعلها مجدّداً، وخصوصاً إذا طال الفراغ الرئاسي، فتصبح “المبرّرات السياسية للتأجيل” أوسع. فأيّ انتخابات بلدية ستجرى وأيّ سلطة حكومية أصلاً ستدير هذا الاستحقاق، إذا شهد لبنان فراغاً رئاسياً طويلا، وأيّ أولوية أصلاً ستُعطى للبلديات إذا توالت الأزمات المالية والانهيارات؟!

تطوير أم تطيير؟

ما يعزز كل هذه الشكوك الصمت السياسي وحتى البلدي عن هذا الأمر. ربما التأجيل هو مسألة أكثر من مريحة لغالبية القوى السياسية، ولا سيما أن الانتخابات البلدية تطغى عليها الكثير من العوامل العائلية والمناطقية التي تخرج أحياناً كثيرة عن قدرة حسابات الأحزاب والقوى السياسية، مما يجعل تحكّمها بالأمر اصعب بكثير من الانتخابات النيابية.

ومقابل هذا الصمت، ثمة جهود، وإن خجولة، تُبذل حالياً في مجلس النواب من أجل تعديل قانون الانتخابات البلدية الحالي، أقله لئلّا يكون التأجيل فرصة ضائعة بل فرصة لتطوير القانون الحالي.

تكبّ اللجنة الفرعية المنبثقة من لجنة الدفاع والبلديات على درس اقتراح قانون تعديل قانون البلديات المقدّم من حزب الكتائب في عام 2010، وثمّة جهود جدّية لتعديل قانون الانتخابات البلدية.

في التصوّر العام للقانون الجديد، ثمة مطالبات من عدد من النواب، في مقدّمهم عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبد الله، بصوغ قانون جديد متطوّر للانتخابات البلدية ينسجم مع المطالبات بالسير بنظام اللامركزية، ويكون فيه دور كبير للبلديات، لأن القانون الحالي يعطيها أصلاً عدداً كبيراً من الصلاحيات. لكن هذه الصلاحيات يجب أن تتعزز أكثر في الشق الإنمائي، الذي بدوره سينعكس إيجاباً على الشق المالي أي الواردات المالية لكل بلدية.

ووفق عبد الله، فإن ثمة مساعي ايضاً لتغيير طريقة انتخاب أعضاء المجلس البلدي مع إمكان اعتماد النسبية، وأيضاً مع إمكان جمع قرى صغيرة عدّة بمجلس بلدي واحد لزيادة المداخيل.

في عام 2016، جرت آخر انتخابات بلدية واختيارية لولاية كاملة من ست سنوات، كان يُفترض أن تنتهي في أيار 2022… لكن سيف التأجيل كان الأقوى. وإذا استندنا الى الأرقام، نرى أن أي تأجيل تكون عواقبه وخيمة وآثاره المالية والسياسية كبيرة. وفق أرقام “الدولية للمعلومات”، يبلغ عدد المجالس البلدية حالياً 1,055 بلدية تضم 12,474 عضواً، منها 944 مجلساً بلدياً قائماً والكثير منها يعاني الشلل والتعطيل، و84 مجلساً بلدياً منحلّاً يدير أعماله القائمقام أو المحافظ.

كل هذه الجردة تحتّم عدم الصمت… والأهم عدم تجاوز الاستحقاقات والبيانات المكتوبة وتعهدات السياسيين الكاذبة أمام الرأي العام…