إيران “تسحب” لبنان إلى معركتها: فرصة سعودية لاستعادة التوازن
الكاتب: منير الربيع | المصدر: المدن
28 تشرين الثاني 2022
أي تسوية في لبنان، بمعناها العميق، لا بد لها أن تمرّ في التقاء إيراني سعودي. دون ذلك، فإن الفراغ سيكون طويلاً، أو أنه في حال حصل انتخاب لرئيس جديد، لن يكون مندرجاً في خانة التسوية الرئاسية الشاملة، إنما نتيجة معركة سياسية. كيف يعني ذلك؟ منذ سنوات عديدة وخلال استحقاقات متعددة ظهر تقاطع المصالح الإيرانية الأميركية الفرنسية التي أنتجت “ما يشبه التسويات” في لبنان، بينما كانت السعودية خارجها. بداية كانت تسوية العام 2016 بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ وحزب الله، ضامناً وعراباً وتاجاً لها. في حينها كانت هذه التسوية عبارة عن التقاء إيراني أميركي فرنسي، ومن آخر مندرجات الاتفاق النووي في أواخر أيام ولاية باراك أوباما الرئاسية. ظلّت السعودية بعيدة ومتحفظة. وهذا ما تبين لاحقاً.
ربط الساحات
في تسوية ترسيم الحدود، أيضاً نظرت المملكة العربية السعودية إلى هذا الاتفاق بأنه إيراني، أميركي “إسرائيلي ضمناً” بمشاركة فرنسية. وجاء ذلك على وقع تسوية أدت إلى انتخاب رئيس للجمهورية في العراق، وتشكيل الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني. وكلاهما من مرشحي الحشد الشعبي وإيران. فخرجت وجهة نظر توصّف ما جرى بأن الترسيم كان مقابل التسوية العراقية. وفي حينها، برز الموقف المتشدد للسفير السعودي في بيروت وليد البخاري تجاه العشاء الذي كانت تحضر له السفارة السويسرية، وذلك بعد استشراف ما جرى في العراق والتحسب لاحتمال وجود سعي دولي للذهاب إلى تسوية تتجاوز السعودية.
حالياً، تتصاعد المواقف الإيرانية، من موقف مرشد الجمهورية الإسلامية، إلى مواقف الرئيس الإيراني ورئيس الحرس. وجميعها تربط الساحات بعضها ببعض، بما فيها الساحة اللبنانية. استمرار هذه المواقف من دون البحث عن أي من مقومات التسوية الإقليمية، ستدفع حزب الله إلى التشدد في مواقفه الرئاسية. وهو ما حصل وقد يتطور أكثر لجهة تحديد مواصفات الرئيس أو الضمانات، ما سيصعب مهمة التسوية.
الحزب والمؤامرة
وبحال طال أمد التصعيد من دون أي مبادرة جدية لتجنبه والذهاب إلى اتفاق، فإن الحزب قد يندفع إلى إعلان اسم مرشحه وعدم التخلي عنه والسعي إلى إيصاله. هنا ستشتد المعركة الرئاسية بغض النظر عن عدم القدرة على انتخاب الرئيس بسرعة. ولكن في مثل هذه المعركة سيعتبر الحزب أنه يواجه مؤامرة كبرى، وأن المقاومة بخطر، ولا بد من وقوف كل الحلفاء إلى جانبه في هذه المعركة. وهذا رهانه على دفع باسيل لدعم فرنجية، بالإضافة إلى استقطاب أصوات عدد من النواب الآخرين. مثل هؤلاء النواب قد يسيرون باتجاه فرنجية في حال لم تكن السعودية منخرطة بقوة في هذا المسار. حينها ستعتبر بعض القوى أن عدم اهتمام السعودية بشكل مباشر، وعدم وجود مسار سياسي واضح أو مبادرة لجمع الحلفاء على مشروع ولملمة الصفوف لخوض المعركة الرئاسية وما يليها.. قد يسمح لهم بالتفلت، والالتحاق بركب معركة حزب الله، والتي سيطلق عليها أيضاً عبارة تسوية، لكنها غير مكتملة المقومات.
التصعيد الإيراني من شأنه الوصول إلى إعادة التفاوض مع الغرب، وللبحث عن تسويات جديدة في ملفات دولية وإقليمية، كما أن الهم الأساسي لدى طهران هو مواجهة الاحتجاجات الداخلية. وعلى الرغم من التصعيد، فإن التفاوض المباشر أو بالواسطة بين إيران والغرب لن يتوقف، ويفترض أن تنتج عنه حلول موضعية كما حصل في تسوية العراق، أو في اتفاق ترسيم الحدود. وهذا يعني أنه لا يمكن للسعودية ترك المسار يُستكمل وهي في حالة اغتراب أو ابتعاد، لا سيما أنه بمجرد حضورها الجدي، وسعيها لإنضاج ظروف التسوية بعد ترتيب البيت الداخلي لحلفائها، من شأنه أن يعدّل الموازين.
“التقاط اللحظة”
صحيح أن موقف خامنئي حول اعتبار لبنان جزءاً من الأمن القومي الإيراني أو العمق الإستراتيجي الذي تواجه فيه طهران المشروع الأميركي، قد يدفع السعوديين إلى الاقتناع أكثر بوجهة نظرهم بأنه لا حاجة لدعم بلد تعتبره إيران خاضع لسيطرتها. وقد يُتخذ هذا الموقف للبقاء في حالة الإبتعاد عن الساحة اللبنانية، وهذا دونه آثار سياسية سلبية على لبنان وعمقه العربي أيضاً. خصوصاً أنه في اللحظة التي تتقاطع فيها المصالح الأميركية الفرنسية الإيرانية، ستذهب القوى الثلاث إلى إبرام التسوية، وستكون السعودية خارجها، كما حصل في العراق أو في تسوية 2016 أو في ملف ترسيم الحدود.
من أهم مرتكزات الخطوات السياسية هي “التقاط اللحظة”، واختيار التوقيت المناسب. وهناك فرص عديدة يمكن للسعودية الاستفادة منها للعودة بالقوة إلى الساحة اللبنانية. تبدأ تلك الفرص من إبداء حزب الله الاستعداد لانتخاب “مرشح توافقي”. وهذا يعني أن فرص التسوية ممكنة. وتستمر هذه الفرص من خلال الأحداث المتوالية على كل الساحة الإقليمية، خصوصاً في ظل حاجة الأفرقاء اللبنانيين إلى التحاور أو التشاور. وهي المهمة التي يقوم بها الرئيس نبيه برّي، وهي تحتاج إلى مظلة إقليمية ودولية. ومن خلال مواكبة هذا المسار وفتح قنوات تواصل مباشرة، يمكن تحقيق الكثير من المطالب وشروط التسوية. والجميع يعلم في لبنان أن الحاجة ماسة للعودة السعودية. وهذه قناعة قائمة لدى الثنائي الشيعي كما لدى أفرقاء آخرين. وبناء على وجهة النظر هذه، يمكن تكوين مسار سياسي جديد يخرج من سياق ترك لبنان لمصيره وانهياره، لا سيما أن الانخراط النشط قادر على تحقيق نتائج أكبر من ترك هذه الساحة. كذلك لا يمكن الارتكاز إلى عبارة أن لا أحد في لبنان لتتفق معه السعودية، لا سيما أنها بحاجة إلى خلق هذه القوى، من خلال استعادة زمام المبادرة لدى حلفائها، واستنباط قوى سياسية قادرة على الجمع بدلاً من التشتت، لا سيما أن نظرية خلق شخصيات سنية متعددة ومتنوعة لا تخدم التنوع بقدر ما تخدم غاية التشتت.
صحيح أن التنوع ضرورة، لكن لا بد له أن يكون تنوعاً ضمن الوحدة المتفقة على مسار استراتيجي واضح. وهذا وحدها السعودية من قادرة على رسمه بالنسبة إلى السنّة في هذه المرحلة.
إنها لحظة تشكل فرصة ستكون السعودية فيها قادرة على العودة بقوة إلى لبنان، بسياق جديد مختلف عن السياقات السابقة، لاستعادة التوازن كما كان الوضع سابقاً في عز أيام الانقسام والمواجهة مع إيران، أي في العام 2005 حتى 2011.