الحوار الضروري مع “الحزب”: لا تذهبوا إليه عراة وضعفاء
الكاتب: منير الربيع | المصدر: المدن
30 تشرين الثاني 2022
وما الضير في الحوار مع حزب الله؟ منبع السؤال هو ما تضجّ به الساحة اللبنانية منذ يومين، حول اللقاء الذي عقد بين ممثل عن حزب الكتائب وممثل عن حزب الله، وما اجترح على تسميته “حوار مع الحزب”، سارع الكتائب إلى نفيه، فيما أكد الحزب حصوله.
تضج الساحة بنفي وتأكيد فيما تبقى المشكلة في مكان آخر. أما السجال القائم، فيدل عن ضعف سياسي يتجنّب الإقدام على أي خطوة تتجاوز التنميط الموجود. ويقوم هذا التنميط على ما قاله وأكده أمين عام حزب الكتائب سيرج داغر، في معرض نفيه لحصول أي لقاء أو حوار بين حزبه وحزب الله. وهذا كلام يتكرر على ألسنة اللبنانيين منذ سنوات.. من بينه، أن حزب الله مشروعه تدمير الدولة، أو يدفع القوى الأخرى إلى خيارات تقسيمية أو انقسامية.
أسس التحاور
هنا بالتحديد يكمن مدار الضعف في المقاربة السياسية، لا سيما أن كل الطرق جرّبت مع حزب الله، ولم تؤد إلى تحقيق أي هدف، فيما كان هو يسجّل تراكم نجاحات لصالحه، وآخرها ما حصل على وقع الانهيار القائم.
القناعة المبسطة لإضعاف نفوذ الحزب وسطوته، هي في تعزيز الدولة ومؤسساتها ومرتكزاتها. الدولة الوطنية لا الحسابات الطائفية الضيقة، ولا الحسابات السياسية المصلحية. وعلى هذه القاعدة لا بأس من التحاور مع حزب الله، بشرط أن يكون الفريق المتجه إلى التحاور مسلّحاً بموقف سياسي اجتماعي جامع، أي أنه قد نسّق خطوته مع حلفائه الآخرين، ليذهب أقوى. وثانياً، أن لا يذهب إلى الحزب للحوار على قاعدة الحوار الثنائي فقط، ولحسابات سياسية آنية، ما يعني أن يكون الذاهب إلى التحاور فارغاً من أي مشروع، ومتوجهاً إلى هناك بأوراق لا تلحظ فكرة سياسية متكاملة، لأنه حينها سينجح الحزب في تعبئة فراغاتها.
استقرار أم انهيار
قبل أيام، انشغل لبنان أيضاً بما قالته مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربارا ليف، والتي شددت على أن الوظيفة الأساسية بالنسبة إلى بلادها في هذه المرحلة هي الحفاظ على الاستقرار، وذلك من خلال التركيز على دعم الجيش والقوى الأمنية. وتحدثت عن وجود نظريتين. الأولى، تتحدث عن الانهيار الشامل. والثانية، تتحدث عن ضرورة حماية الاستقرار. وأكدت أن واشنطن حريصة على تثبيت الاستقرار. ولذلك يتم توفير الدعم للجيش والقوى الأمنية. ولكنها استطردت، أنه في حال حصلت الفوضى والانهيار لن تتمكن القوى الأمنية والعسكرية من حفظ الاستقرار بشكل كامل، وأن السياسيين قد يغادرون لبنان إلى منازلهم في الخارج. تكريس الاستقرار يعني حكماً التفاوض مع حزب الله أو الحوار معه. أما بالانهيار الشامل فإن الحزب سيكون أكثر المستفيدين منه، طالما أنه الأكثر قدرة على الصمود وعلى رص صفوف بيئته وحلفائه. وهذا ما تظهَّر حتى الآن منذ ثورة 17 تشرين إلى الانتخابات النيابية الأخيرة، وصولاً إلى كل ما هو قائم اليوم.
تجربة 14 آذار
لا يجب أن يكون هناك مشكلة في الحوار مع حزب الله، لأن ذلك مسألة ضرورية. أي تسوية سياسية أو رئاسية لا بد ان تكون متقاطعة مع الحزب. وبالتالي، فإن الحوار بشكل مباشر أو غير مباشر سيكون محتوماً. أما استمرار مسار المواجهة بهذه الطريقة، فلن يؤدي إلا إلى مزيد من الاستنزاف وإطالة أمد الفراغ. ما يعني انتظار اللحظة الإقليمية والدولية المؤاتية لتقاطعات خارجية، قد تنعكس داخلياً، وسيكون الحزب جزءاً أساسياً منها. ولكن مع فارق أنه حينها سيذهب إلى التحاور مع خصومه وهم في حالة التشتت، أو سيذهب إلى محاورتهم وهم فرادى، ما سيضعف موقفهم.
المسار الذي اتخذته قوى الرابع عشر من آذار ضد حزب الله -وهو يحتاج إلى نقاش عميق غير متاح الآن- أدى إلى نتيجتين أساسيتين. الأولى، سنوات من الاغتيالات والاشتباك السياسي والأمني. والثانية مراكمة الحزب مكتسبات انطلاقاً من أخطاء الآخرين، وأهمها تركه وحيداً للتحالف مع التيار الوطني الحرّ وميشال عون وجبران باسيل. هذه السياسة دفعت الحزب إلى احتضان عون وباسيل إلى حدّ العمل لحسابهما ولصالحهما، لتعزيزهما في مواجهة محاولة عزله. فلو نجح الآخرون في فرض آلية تحاور معه، لما أوصل الحزب عون وباسيل إلى ما وصلا إليه بالارتكاز إلى حاجة الحزب للغطاء المسيحي.
تجربتا السنيورة والحريري
في المقابل، هناك تجربتان أساسيتان يمكن استذكارهما في معرض هذا الكلام. الأولى تجربة الرئيس فؤاد السنيورة، والتي كانت ناجحة سياسياً، من خلال تكريس التوازن السياسي وعدم تقديم التنازلات. ولكنه حينها كان مدعوماً من قوى 14 آذار ككل، وكان لديه مشروع واضح. فيما التجربة الثانية هي للرئيس سعد الحريري، وكانت مقومات نجاحها قائمة إلى حدود بعيدة من خلال ربط النزاع مع الحزب. إلا أن المشكلة كانت في نقطتين: الأولى، مشكلة الحريري مع حلفائه من جهة، ما أدى إلى إضعاف موقفه، وأُجبر على تقديم تنازلات كبيرة بفعل إفراغ جعبته من أوراق القوة السياسية، وبسبب طريقة إدارة التسوية. والنقطة الثانية، هي في ذهابه بعيداً في التحالف مع عون وباسيل وتقديمه لهما كل ما يريدانه، وكأنه أراد استنساخ تحالف حزب الله مع التيار الوطني الحرّ، بتحالف بين التيار الوطني وتيار المستقبل. وهذه لم تكن ممكنة.
لا بد من قناعة ترتكز على أن لا مشكلة في الحوار مع حزب الله. لا بل إن ذلك أمر مطلوب وحاجة ضرورية. الأهم فيها أن يذهب المتحاورون موحدين أولاً، ومتفاهمين على عناوين سياسية ومشروع واضح، يجتمع عليه حلفاء ما كان سابقاً يسمى 14 آذار. وثانياً أن يذهبوا وبيدهم مشروع سياسي واضح وقائم على التكامل لإنجاز التسوية المطلوبة. أما الأهم فهو عدم الذهاب وفق صيغة أن حزب الله قوي ولا يمكن الحصول منه على أي تنازل، وبالتالي لا بد من الاستسلام أمامه.. لأن ذلك غير صحيح.