أهلاً بكم في دولة “الخوّات”
الكاتب: نوال نصر | المصدر: نداء الوطن
30 تشرين الثاني 2022
ما لهم لهم وما لنا، لنا ولهم. هي قاعدة ذهبيّة تسري، تفرضها “«الجمهوريات”» في قلب الجمهورية، وكأنه لا تكفينا “«الخوات”» (باسم الضرائب) التي تفرضها الجمهورية الأم وتلك المفروضة، غصباً عناً، من جمهورية المصارف لتتفشى ظاهرة «خوات» لصوص الليل والنهار. نعم، ظاهرة «الخوّة» تكوي الكثيرين ولا أحد يبالي. فماذا يحصل في «دولة» تعبنا ونحن نسأل: وينيي… وينيي الدولة؟
لفتنا كلام «الدولة» عن تراجع في عدد السرقات. قلنا في قرارة أنفسنا: ممتاز. لكن، كما توما، أحببنا أن نسأل «واقعياً»: هل كل ما نسمعه لا يشي بأن الظواهر غير الطبيعية تزيد؟ هناك أشخاص رديفون باتوا ملجأ المواطنين المساكين، يراجعونهم متى سُرقوا ومتى عانوا ومتى قرر لصّ «شبيح» فرض خوّة عليهم مقابل حمايتهم وتمكينهم من القيام بأعمالٍ تجارية. لا، لم ينخفض عدد السرقات لكن إنخفض عدد من يتقدمون بشكاوى عن سرقات تعرضوا لها لأنهم ما عادوا يثقون بجدوى ذلك. السرقات و»الشبيحة» ليسوا الى تراجع بل الثقة تلاشت بدولة قادرة على استعادة الحقّ وفرض الأمن وبدل أن يأخذ المقهور حقّه ينهمك «بروح وتعا وطلاع ونزال» والعشاء مع الدولة خبيزة. فماذا يحصل تحت ضوء الشمس؟
“شبيحة”
في حماية العصابات
نصغي الى مصدرٍ يتابع واقعياً ماذا يحصل. نراه يجول بين الأحداث اليومية، المصوّرة بغالبيتها، ويقول: البلد فلتان على الآخر. والسرقات زادت أضعافاً، ويومياً هناك إطلاق نار في مكان ما والسرقات تشمل كل ما خفّ وزنه وزادت قيمته. لا شيء يتغير الى الأفضل بل الأسوأ هو الذي يزداد. وأمرٌ آخر، لا بُدّ أن دولتنا تنتبه إليه وإن كانت لا تبالي به، وهو زيادة فرض الخوّات، أو «الأتاوات»، كما يسميها البعض. ثمة عصابات مشكّلة أو تشكّلت، حديثة وقديمة – عديدها لبنانيون وسوريون- تسرح في الشوارع فارضة ببطشٍ قراراتها بسلب الناس «رواتب شهرية» لحمايتهم والسماح لهم بمتابعة أعمالهم. ثمة عصابات تجبي خوات شهرياً ممن يصرون على مواجهة الإنهيار الإقتصادي والإستمرار باللحم الحيّ. ومن لا يستجيب لها يتعرض الى إطلاق الرصاص ليلاً أو الى حريق مفتعل أو الى إعتداء أو الى إقفال مورد رزقه عنوة.
أسماءٌ كثيرة «شبيحة» تتردد يقود أصحابها عصابات فرض الخوات لكن من يعلنها أمامنا يوصي بضرورة الحرص قبل إعلانها لأن أصحابها لا يهابون قانوناً ولا أساليب ردع. هناك على طريق المطار شبيح معروف بالاسم لديه عصابة «تنغل» من زمان واليوم، في ايامنا الحالكة، إزدهر عملها. والناس يتوسطون لتقليل نسبة «الخوّة» لدى أحزاب فاعلة في المنطقة. المخابرات تعرف عن هؤلاء بالأسماء لكن الأولويات كثيرة وسياسة غضّ النظر تتقدم. في منطقة الرحاب في الضاحية الجنوبية، هي منطقة محاذية للسفارة الكويتية، تدور في رحابها يومياً أعمال شغب وإطلاق نار ويظهر مسلحون. قبل شهرين دارت أعمال عنف في المنطقة أمام متجر لبيع الهواتف الخليوية، حين أقدم شابان على استخدام أسلحة في حوزتهما، مطلقين النار باتجاه المتجر. وانتهى الخبر العلني عند هذا الحد أما عمقه او مضمونه فكان عدم سداد صاحب المتجر الخوّة المفروضة عليه. فكان هذا جزاءه. والجيران، أصحاب المتاجر المجاورة، تعلموا درساً: وجوب السداد الى عصابات الخوات أولا بأوّل كي لا يتلقوا قصاصاً أشد إيلاماً. القوى الأمنية طبعا تتدخل حيث أمكن. فوزي شحرور، الذي قتل في صور أثناء ملاحقة القوى الأمنية مطلوبين، كان من قبضايات منطقة الرحاب. ثمة أسماء كما الأرقام تُحذف في لحظة لكن تفاصيل إرتكاباتها لا تنتهي.
سؤالٌ طرحناه: كيف تحدّد قيمة الخوات؟ هل تفرض كما ضريبة الدولة تصاعدياً؟
“خوّات” على الحدود
التسعيرة تصاعدية
تختلف القيمة بحسب الجنسيات، السوريون، أصحاب البسطات على الطرقات، يدفعون 300 ألف ليرة يومياً، أما اللبنانيون فأقل قليلاً. هي عدالة قبضايات العصابات وبينهم سوريون ولبنانيون. في منطقة صبرا كل أصحاب البسطات يدفعون. هناك عصابات منظمة في صبرا يقولون إنها تابعة لكل من أ.ص والأخوين (م و ف)، تبسط نفوذها على أصحاب البسطات والمتاجر والمؤسسات وأصحاب المولدات. الدولة تعرفهم جيداً ، بالإسم والشكل والأفعال، فمن يحميهم؟ كيف لهم أن يتمادوا بأفعالهم وكل الأصابع تشير إليهم؟ أسئلة جوابها منها وفيها في دولتنا الغائبة بوهرتها الحاضرة بخوّاتها – بضرائبها.
ما يلفت في الموضوع أن من يتم القبض عليه بالجرم المشهود يعود ويخرج ليتابع تشبيحه وكأن شيئا لم يكن. غريبٌ كل ذلك. لا يتعب الشبيحة من حكّ أدمغتهم بحثا عن مصادر رزق متجددة. فها قد ابتكروا أخيراً عمليات الإحتيال العابرة للحدود. فهم يلاقون الآتين الى لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي وينقلونهم بحجة أنهم سائقون بالأجرة، ويمارسون عليهم أفكاراً جهنمية لا تخطر في بال. يأخذون منهم ثمن بطاقات تشريج، يحتاجون إليها بإلحاح، على أن يعيدوها إليهم أثناء الطريق، ويتركونهم ويغادرون. سجناء روميه، من داخل السجن، يقومون بأعمالٍ ابتزاز «أونلاين» أيضاً ويديرون عصابات في الخارج.
يبيع الترمس ويدفع “خوّة”
منطق الإستقواء
التفاصيل تستمرّ كثيرة. هناك خوّات تفرض أيضاً على المطاعم، الكبيرة منها والصغيرة، في مناطق وبلدات عديدة. قريب أحد النافذين في البلاد ضليع بذلك وهو يُركّز نشاطه على المطاعم والمقاهي و»السناكات». الفلتان الأمني والسياسي والإقتصادي يجعل كل شيء سهلاً ومباحاً. والبيوتات الضالعة في هكذا إرتكابات معروفة. القوى الأمنية في البلاد تعرفها واحدة واحدة. هنا، يتذكر أحد متابعي الموضوع حادثة مطعم الآغا على أوتوستراد السيد هادي في الضاحية الجنوبية. ثمة مسلحون أطلقوا قبل ثلاثة أعوام النارعلى واجهاته والسبب كان خوّة مالية. منطق الإستقواء موجود وقائم في البلاد، كما في بلاد قريبة محيطة بينها سوريا، غير أن ما يحصل اليوم أن ظاهرة الخوّات تزيد. خط الفانات رقم 4 في منطقة البربير كان دائما شاهداً على ذلك. لا يمرّ فان إلا إذا دفع مبلغاً مالياً الى شبيح كبير يُمسك الأرض كما الخاتم في الأصبع. وفي الاسماء، هناك قبضاي من (أ. ز) يمسك الخط في البربير، وآخر (م. ع) يمسك الخط في الحمراء، وثالث (ج. ي) يمسك الخط في الدورة.
لا تسقط شعرة من تفاصيل كثيرة إلا بأمرٍ من شبيحة أزقة وأحياء ومستديرات عديدة في البلاد. وإذا كان «الشبيحة» الصغار «يعملون العمايل» في الناس فإن أفعال الشبيحة الكبار تُصبح في منظور الناس، عموم الناس، أمراً عادياً. فالموز اللبناني ممنوع من العبور الى سوريا بدون «خوّة»، إذا سألنا عن الرابحين والخاسرين فيها فستتقدم أسماء. عبور المخدرات بين لبنان وسوريا يجري مقابل «خوّات» عند الحدود البرية. أصحاب المولدات في لبنان يفرضون هم أيضا ما يُشبه «الخوّة» على اللبنانيين الذين وضعوا طاقة شمسية. رسمٌ على الرسم. ثمة مؤسسات ووزارات رسمية كثيرة يدور الحديث فيها – وعنها – عن خوّات وآخرها في مغارة النافعة. فهل نحن في مغارة علي بابا أم في وطن اسمه لبنان؟
وتستمرّ «الخبريات» في بلد نُهب وسُرق وتُرك على مغاربه.
باللبناني… حالياً
دعارة متعددة الجنسيات
الذين يتابعون أمنياً أخبار «الفقش والطقش» والسرقات في البلاد، يبتسمون حين نسأل عن حال منطقة الدورة التي «تعوم» فيها الدعارة عند «نصاص» الليالي. فتيات أثيوبيات مشلوحات على الميلين، دعارة ولواط وكل ما يخطر في البال. وهناك من يتكلم عن عصابات تسهل عمل هؤلاء مقابل «خوّات» أيضا. ولا تنتهي القصص عند هذا الحدّ، فثمة عصابات، تحت أسماء واستعارات، تُسهل عمل هؤلاء على السوشيل ميديا. وثمة طعن بالسكاكين وتشويه وجوه وأعمال منافية للآداب. والأسوأ أن لا أحد يبالي. لن نسأل: وينيي الدولة؟ لا نفع منها.
المجرمون أصبحوا كثراً
نعود الى تشبيح من نوع آخر، الى سرقة الدراجات النارية. نسمع شكوى من شخص بعلبكي – أقاربه متهمون بسرقات وهو منها براء – يعيش في بيروت: «يوميا «تطير» 50 دراجة نارية في بيروت، من يقول أن ذلك غير صحيح هو كذاب، لا أحد يشعر بالناس، لا الدولة ولا الأحزاب، والكل يعرف أوكار اللصوص والشبيحة: اين ينامون، اين يجلسون، اين يبيعون المسروقات. تشليح وتعاطٍ وفساد وإذا ضربنا الشبيح يستدعوننا بحجة: من نحن لنضربه؟ أنا من سرقوا دراجتي أول مرة وثاني مرة وثالث مرة. ولم يتحرك أحد. نسمع يومياً عن وصول مخابرات وقيامها بسحب تاجر ماذا عن الحرامي؟ إنه أكثر سوءاً من التاجر. وصلنا الى مطرح غلط. قبضتُ بنفسي على لصٍّ وذهبت به الى المخفر لتسليمه فأجابوني: لا مكان له في السجن». نترك البعلبكي يتكلم ونتابع بحثنا عن الدولة في المزرعة.