تناقضات ماكرون اللبنانية: “التغيير” السياسي حسب المنافع الاقتصادية
الكاتب: منير الربيع | المصدر: المدن
24 كانون الأول 2022
خرق كلام الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الجمود السياسي لبنانياً، وإن لم يؤد إلى توفير أي متغيّر جديد. انشغل اللبنانيون في تفسير كلام ماكرون، والذي بلا شك يحتاج إلى تفسيرات كثيرة، خصوصاً أنه انطوى على جملة تناقضات، كمطالبته بضرورة تغيير الطبقة السياسية، في مقابل إشادته برئيس الحكومة نجيب ميقاتي على حساب رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل. وأشار ماكرون في حديثه مع رندة تقي الدين في صحيفة “النهار” إلى أنه يسعى إلى: “وضع خطة ومساعدة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الّذي يحاول رغم كلّ شيء، أن يبذل أقصى ما يمكنه، وألّا يتنازل للّذين اغتنوا في السّنوات الأخيرة، ويريدون البقاء ويقومون بالابتزاز، وأن يكون للبنان رئيس ورئيس حكومة نزيهان”.
وعن حزب الله قال ماكرون: “حزب الله موجود، إن كان على الصّعيد الأمني أو المستتر، ولكن أيضًا على الصّعيد الرّسمي والمنتخَب. فهُم على الأرض يستفيدون من عدم قدرة النّظام والآليّة السّياسيّة ومن جميعنا على حلّ مشكلات الناس. لذا أقول إنّ مشكلة لبنان في حلّ مشكلات النّاس، وإخراج الّذين لا يعرفون القيام بذلك، ثمّ إعادة هيكلة النّظام المالي، ووضع خطّة مع رئيس نزيه ورئيس حكومة نزيه وفريق عمل ينفّذها ويحظى بدعم الشّارع”.
تبني ميقاتي
من الواضح مدى التمسك الفرنسي بنجيب ميقاتي، بالإضافة إلى التعاطي بواقعية مع حزب الله. وهذا أمر أيضاً لا بد منه سياسياً. إلا أن الغريب هو التناقض في مواقف الرئيس الفرنسي الذي يريد تغيير الطبقة السياسية بينما يتمسك بميقاتي، ويحيل مسألة حلّ الأزمة اللبنانية على السياق الإقليمي، ما يعني إطالة أمدها بانتظار بلورة المبادرات التي قال إنه سيقوم بها. ولم تكن إشارة ماكرون إلى لقاء ميقاتي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سوى تبنٍّ واضح من قبل الفرنسيين لرئيس حكومة تصريف الأعمال.
يعود الفرنسيون إلى تبني ميقاتي بعد “سلسلة” مبادرات فرنسية تغيرت وتحولت من طرح حكومة اختصاصيين مستقلين، ترتكز على المداورة، إلى العودة لحكومة التوازنات السياسية. فيما هناك من يعتبر أن طريقة تعاطي ماكرون مع ملف لبنان تنطوي على حسابات اقتصادية لا سياسية أو مواقف مبدئية. فهو عندما ينظر إلى لبنان إنما ينظر إلى قطاعات النفط والغاز، المرفأ، وغيرهما من المشاريع التي حصلت شركات فرنسية على امتيازات أساسية فيها. أما الحديث عن إعادة هيكلة النظام المالي والمصرفي، فلا بد أيضاً من المرور بإسم سمير عساف، الرجل المصرفي والمالي المقرب من ماكرون. كذلك، فإن لبنان لا بد له أن يكون محطّة أساسية لإعادة إعمار سوريا. وهنا الطموح الفرنسي كبير جداً.
أولوية المصالح الاقتصادية
عندما كان التحضير جارياً لعقد مؤتمر “بغداد واحد”، كانت باريس تفوز بامتيازات لشركة توتال الفرنسية في العراق بمليارات الدولارات. وفي حينها، قال ماكرون وغيره من المسؤولين الفرنسيين إن همّهم الأساسي هو تقوية موقع وموقف رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، على قاعدة التكامل والانسجام مع رئيس الجمهورية برهم صالح. عقدت قمة بغداد 2 والكاظمي أصبح خارج المعادلة وكذلك صالح. هذا أيضاً يمكن له أن ينسحب على التجربة الفرنسية في لبنان لاحقاً. هنا أيضاً ثمة من يعتبر أن ماكرون -وبالاستناد إلى كل المساعي السابقة للتقارب مع إيران- كانت غايته البحث عن الفوز الفرنسي بإعادة تأهيل مصافي النفط في إيران، والأدوار التي لا بد أن تلعبها شركتا بيجو ورينو، بالإضافة إلى شركة إيرباص.
بناء على هذه المعايير، تقرأ قوى سياسية متعددة المسار السياسي الذي ترسمه باريس في لبنان وفي المنطقة ككل. صحيح أن هناك حالياً توتر فرنسي إيراني، على خلفية موقف باريس من التظاهرات في إيران والتنديد بممارسات النظام، إلا أن ذلك له ما يقابله في مساعي التقارب الفرنسية مع دول الخليج لأهداف اقتصادية أيضاً، سواء كانت تتعلق بمجالات النفط أو غيره. هذا كله بالتأكيد يلبي مصالح فرنسية ومصالح الدول الأخرى. إلا أنه لا يمكن أن يتطابق مع كلام ماكرون حول تغيير الطبقة السياسية في لبنان، وكيفية إنجاز الإصلاحات المطلوبة.