أيّها الأهل : ليستقيم البناء ... أوقفوا المدمّرات

أيّها الأهل : ليستقيم البناء ... أوقفوا المدمّرات

في محاولاتهم للتربية الصحيحة، ينتهج معظم الآباء ولا سيما الجدد، أساليب وطرق في تربية ابنائهم، يستقون معظمها من «الترند» اي السائد في المجتمع، كالميول السائد بترك الطفل لحريته» خليه يطلع قوي احسن» او من «السوشال ميديا والإعلام وما يتخللها من محاضرات يقدمها اختصاصيون وغير اختصاصيين»، وهي في جزء لا بأس فيه تنم عن تخصص ووعي، ولكن يبقى بعضها ليحتوي على مغالطات منمقة في قالب مؤثر. فيما يستقي الأهل القسم الآخر من تجاربهم وتربيتهم بشقيها، فتشمل ما اعتادوه من تربية أهلهم، وما أرادوا تغييره وثاروا عليه فرفضوا تربية أبنائهم بالطريقة نفسها.



ومن هنا، يجب ايجاد مقاربات ومحاولات مختلفة لتربية الأطفال، بحيث أنه إضافة إلى الطرق المتبناة، يؤدي مستوى الوعي عند الأهل، بيئاتهم، ثقافاتهم، وتجاربهم... دورا قد يكون سلبيا حينا وإيجابيا حينا آخر.

يبقى السؤال، هو العنوان الذي يعمل تحت تحقيقه الكلّ، وهو كيف يتم بناء شخصية الطفل؟ يتفق عالمو الاجتماع والاختصاصيون والباحثون النفسيون على ثلاثة معايير تساهم او تعد المدماك الأهم لبناء شخصية الطفل وهي:

1 - البعد عن المدمرات: اي مدمرات تلك، قد يتبادر لذهن البعض، وهل يُنتهج في التربية التدمير دون ان يعلم الاهل؟ في الحقيقة إن الجواب هو نعم، فهناك تفاصيل وعادات في الحياة اليومية يقوم بها المرء أحيانا دون ان يدري أنها تساهم في تدمير الاطفال، أي تدمير شخصياتهم.أهمها اللوم، حيث يعمد بعض الأهل عندما يقترف اطفالهم خطأ ما او يفشلون او يخفقون في أداء امر ما إلى اللوم، بـ « لو انك ركزت، لو انك درست، لو انك انتبهت، اخبرتك عشرات المرات، نبهتك.... « وغيرها الكثير من تعابير اللوم، التي لم ولن تفلح يوما في دعم شخصية الاطفال، بل على العكس تربكهم وتحزنهم وتجعلهم متوترين غير واثقين بامكان النجاح في التجربة الأخرى، بل تتركهم غارقين بالذنب.

يضاف إلى اللوم، الصراخ والتأنيب، لسبب جوهري او لسبب غير مهم، ما يجعل الطفل دوما في حالة إرباك وتشوش، يتوقع الصراخ في كل لحظة ما يحرجه امام افراد عائلته اولا او زملائه ومجتمعه، إذ قد يتفاقم الوضع بطريقة تزرع الخوف في نفسه، فيرتبك في التصرف في المجتمع خوفا من لوم لاحق او من صراخ...



تلعب المقارنة الاسلوب المدمرنفسه، وغالبا ما ينتهجها الاهل دونما تفكير او قصد» لو ترى زميلك، أنظر كيف تصرف، لاحظ تفوقه وعلاماته، أخبرني ما ينقصه عنك، ليتك مثل فلان...» كلّ هذه المدمرات وغيرها من شانها ضرب شخصية الاطفال في الصميم، والحقيقة ألثابتة ان التدمير اسهل بكثير من البناء، لذا فإن ما يدمره الاهل في شخصية الطفل، من الصعب جدا ان يتم شفاؤه لاعادة بنائه من جديد.

لا يغرنك أنهم أطفال، فهم يحسون ويشعرون، ولديهم كراماتهم وعزة نفسهم، وبما انهم يشكون وينزعجون إذا تم توبيخهم بالصراخ واللوم والمقارنة، فهكذا هم، لا بل اكثر إذ هم في عمر لم تكتمل فيه مناعتهم الشخصية.

2- إعطاء اطفالنا ثقتنا: إن عامل الثقة اساسي في عملية التربية وبناء شخصية الاطفال. والثقة المقصودة تنبع من مقدار الايمان بهم والدعم الذي يتم الاحاطة بهم. فالاهل حينما يقولون لأطفالهم « واثق من نجاحك، واثق من تميزك، لدي ثقة كبيرة فيك وبتصرفاتك، أؤمن بأدائك، فخور بك، اثق بصدقك، بوعدك، باسلوبك....» فإنهم بهذا يعطون اطفالهم دفعا معنويا ونفسيا كبيرا، يجعلهم يقظين من ناحية ليبقوا على قدر الثقة الممنوحة، مرتاحين من ناحية أخرى لأن الهلهم اعطوهم شعور لا ينتج منه إلا الرضا، وواثقين بخطوات ثابتة نحو تحقيق اكبر فاكبر ليثبوا لاهلهم ولأنفسهم أن الثقة فيهم كانت بمكانها..


ومن المهم جدا لخلق هذا الواقع المحفز أن يكون الاهل حقيقيين، بحيث لا يغيرون رأيهم فورا إذا ما أصيب اطفالهم بالفشل، بل يعيدون ويكررون على مسامعهم، أن في الحياة نجاح وفشل وبهذا سينهض اطفالهم ويحققون ما فاتهم هذه المرة في مرات مقبلة.


3- الحوار : يمثل الحوار اهمية كبرى في بناء شخصية الأطفال، ومن المهم التمييز بين انواع الحوار. واحوار هنا لا يقصد فيه المحاضرات والإملاءات والإرشادات والتوجيه والتصويب، بل الحوار هو مساحة يسمح فيه الاهالي لأطفالهم ان يعبروا عما في دواخلهم حول أي مسالة كانت بشكل حقيقي وصادق، ووبهذا يكون الاهل مستمعين إيجابيين.

من المهم الاستماع للأطفال، فغالبا ما يترك تعبيرهم انطباعات عدة لدينا، وأفكارا عدة، بعضها يترك في القلوب الدهشة حينما يبدأون بالتحليل والاستنتاج، ويناقشون ولديهم افكارهم ومعتقداتهم. وبعضها الآخر قد يدل إلى معاناة او وجع يفصح عنه الاطفال من حلال حروفهم إن صراحة او بالتضمين، ما يجعل الاهل قادرين على المساعدة بطريقة ما لاحقا، وأما

بعض ما يقولون احيانا، فيعلم الاهل ورون الامور من زوايا اطفالهم، والتي في أحيان كثيرة تكون صائبة لأنها صادقة وحقيقية، ولم تتلوث بالمجتمع ومتطلباته بعد.


لذا فحينما يستمع الاهل بإيجابية، يمكنهم المناقشة وسوق الأمثال للإقناع حينا،او للاعتراف بأنهم اقنعوهم حينا آخر. وليعلم الاهل أن لا شيء مهما كان يمكن ان يكون عائقا فلا يتحاورون عليه مع اطفالهم. وإذا لم يحاور الاطفال اهلهم في شؤونهم، فسيجدون البديل لمحاورته وإخباره، فليكن الاهل المرجع الإيجابي والصحي.

قد يساق احيانا في الحوار عتب، من تصرف اتخذه الاهل في حق اطفالهم، وهنا عليهم الاعتراف بتسرعهم إذا كان ذلك صحيحا، او يحاولون إقناع اطفالهم ان ما تصرفوه صحيح للأسباب التي يذكرونها، ولكن من الأهمية بمكان أن يخبروهم أنهم يحبونهم مهما كان، وأن الحب لا يتغير ولا يتبدل ولا تؤثر فيه ظروف، فهم الأحب والأقرب إلى قلوبهم بل هم قلوبهم، ولكن ما ينتهجه الاهل من تصرف احيانا يكون موجها إلى سلوكهم لا إليهم، ولا علاقة له بحبهم لهم.

إن الأساسيات الثلاث السابقة الذكر، والعرض بمحتواها تتكامل لتتفاعل وتعطي نتائجها مع المحيط الخاص والعام. فمن المهم جدا أن يكون الاهل متنبهين للبيئة التي يتفاعل فيها ابناؤهم، من الاخوة، إلى الأعمام والاخوال وبيت الجد، إلى الأصدقاء وأهلهم إن في المدرسة او في النوادي، لما يمثله المعشر والبيئة من تأثير على شخصية ابنائهم وسلوكهم ومكتسباتهم ومعتقداتهم.


قد تسالون؟ وكيف يجربون ويختبرون الحياة؟ هل يُكثر الاهل من الاحتواء والحماية؟ أيضعونهم في قالب زجاجي؟ الجواب هو بالطبع لا. إنما في السنوات بين الطفولة والمراهقة، تكون مناعة الاطفال قيد النمو، ويكون كل شيء بالنسبة إليهم ملفتا. إن علاقة أهل آخرين باصدقائهم، إن تعامل أقاربهم معهم، حيازة أصدقائهم على متطلبات تفوق ما يحصلون عليه، تميز الحالات الاجتماعية والفكرية التي تدفع الابناء انفسهم لمقارنة ذواتهم بغيرهم، وإلى التقليد حتى في غالبية الأحيان سعيا لإرضاء النفس والغير.

هنا تكمن اهمية المعايير الثلاث السابقة الذكر، فإن غياب المدمرات من لوم وصراخ ومقارنة وغيرها، يجعل الاطفال مندفعون لإخبارالاهل او مشاركتهم، لا سيما إن كان الاهل يهتمون بأصول الحوار ويعطوهم اوقاتهم ليخبروا ويناقشوا، ويكونوا مهتمين وينظرون في عيونهم غير منشغلين بامور اخرى كالهاتف والعمل وما شابه. ومن هنا على الاهل بث الثقة والصراحة والتأكيد على مبادئهم وانفتاحهم على النقاش والحوار البناء، وهكذا ينجحون في تخطي عقبة البيىة المؤثرة، فيأخذون إيجابياتها ويهملون سلبياتها بسهولة ووعي.

إن تربية الأطفال عملية شغوفة وفيها من الأمانة والمسؤولية الكثير، فالاهل يبنون شخصياتهم، ويحددون لهم مستقبلهم لانهم من خلال هذه الشخصيات سيخوضون التجارب والمنعطفات والمطبات. وعلى قدر صلابة الصوابية التي ينشئ عليها شخصيات الابناء، على قدر ما سينجحون ويتفوقون، والأهم على قدر ما سيكونون متصالحين مع انفسهم بانسجام تام مع الذات لا ينبثق عنه سوى الخير والنجاح والتحقيق.


ريان الينطاني - الديار