وقائع لقاء «المعاتبة» في «ميرنا الشالوحي»: للحديث الرئاسي تتمة
بعد خمسين يوماً على انفجار الخلاف، كان لقاء حزب الله والتيار الوطني الحر حدثاً بحدّ ذاته، يوازي بأهميته الأحداث الدراماتيكية الأخرى، وخصوصاً أن كل دقيقة تأخير كان يدفع الطرفان غرامتها مزيداً من التوتر والنفور على مستوى القاعدة الشعبية والحزبية.
ورغم أن الزيارة لم تكُن مفاجئة باعتبار أن «لا مفر منها»، إلا أن انضمام المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل إلى مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا كان مؤشراً إلى أن الخلاف مع رئيس التيار النائب جبران باسيل دخلَ مرحلة الاختبار الأدق، مع محاذرة أيٍّ منهما إعطاء تقديرات حاسمة حيال نتائج الاجتماع الطويل. لذا بقيت الأصداء التي واكبته متناقضة إلى حد ما، وسط «برودة لافتة»، وتأكيد الطرفين أن العتاب الكبير الذي طبع اللقاء لم يطوِ صفحة الانقسامات العميقة.
ولا شكّ في أن لقاء «ميرنا الشالوحي» رمّم شيئاً من صورة التفاهم المتصدعة. وتتقاطع مصادر الطرفين على أنه «كسر الجليد، لكنه لم يُعِد الحرارة الى سابق عهدها، رغم أن أحداً من المشاركين لم يشعر بثقل الاجتماع». كما أن النقاش تناول كل نقاط الخلاف، لكنه لم يصلِ إلى حلّ لأيٍّ منها.
بداية، لفتَ وفد الحزب إلى أن لا داعي «لنشر غسيل الخلاف على الملأ، وأيّ تصادم في المواقف يُمكن تذليله عبر قنوات التواصل المفتوحة» في إشارة إلى الحملة التي شنّها باسيل على الحزب بعد جلسة الحكومة في الخامس من الشهر الماضي. أما وقائع الاجتماع فسارت على الشكل الآتي:
في موضوع الرئاسة، قال باسيل إن التيار حدد مواصفات الرئيس العتيد، وهي تتصل بكتلته النيابية وتمثيله المسيحي وبرنامجه للفترة المقبلة من دون أن يذكر اسم مرشح بعينه، رغمَ أن الوفد سأل إن كانَ لدى التيار مرشحون محددون تنطبق عليهم المواصفات. وردّ الخليل بسرد المواصفات التي حددها السيد حسن نصر الله سابقاً، ومرّر اسم رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، فتوقّف باسيل كثيراً عند أن رئاسة الجمهورية هي الموقع الماروني الأول، وأن حزب الله لا يُمكن أن يتجاوز رأي التيار وموقفه، سائلاً إن كانت هناك نية لفرض فرنجية رئيساً، فأتى الجواب: «قطعاً لا»!
وأبدى باسيل عتباً كبيراً على مشاركة وزراء حزب الله في جلسات حكومة تصريف الأعمال، مشيراً إلى أن التفاهم قائم على عدة أعمدة، من بينها الاستراتيجية الدفاعية والشراكة وبناء الدولة، ومن ضمنها محاربة الفساد، معبّراً عن استياء كبير «كيف يدخل وزراء الحزب إلى جلسة ليسَ فيها وزراء التيار الوطني الحر». وشرح مطولاً موقفه بأن القضايا المحالة الى مجلس الوزراء ليست ملحّة بالقدر الذي لا علاج له من دون انعقاد الجلسة، وأضاف إن مشاركة الحزب في أيّ جلسة جديدة ستؤدي إلى تأزيم الخلاف أكثر، سائلاً عما إذا كانت لدى الحزب نية لحضور جلسات أخرى، فردّ الخليل بأنّ حضور الجلسات سببه القضايا المعيشية الملحّة، وأن الحزب عرض على التيار المشاركة والتعاون داخل الجلسة على إدارة الملفات، وبإمكان التيار أن يحضر ويرفض ما يريد من داخل الجلسة. وسأل: إذا كانت مصالح الناس ليست بنوداً ملحّة، فما هي الأمور التي تفرض على الحكومة الانعقاد؟ وأنهى الخليل المطالعة بالإجابة عن سؤال باسيل: «أنا هنا لست مخوّلاً بأن أقدّم أيّ التزام بشأن ما إذا كنا سنشارك مجدداً أو لا».
وفي ما يتعلق بالشراكة التي اعتبر باسيل أن الحزب تخطّاها، ذكّر الوفد بكل «المعارك التي وقفَ فيها الحزب الى جانب التيار منذ ما قبل انتخاب الرئيس ميشال عون، مروراً بملفات الحكومات المتعاقبة والتعيينات وأمور كثيرة أخرى، وصولاً الى قانون الانتخاب الذي كان الجميع ضده، وقد قاتل الحزب حلفاء وخصوماً لإقرار القانون الذي اقترحه باسيل».
وفي مسألة بناء الدولة، أشار باسيل إلى عدم حصول تعاون في مواجهة ملفات الفساد، وفي تشكيل الحكومات، وإلى أن الحزب أخطأ في تقديره عندما سمّى الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، فردّ الخليل بأن «واقع البلاد ليس كأي دولة طبيعية، وهناك حسابات تتعلق باختيار الرؤساء والحكومات والوزراء من دون أن تكون المواصفات مطابقة لما يراه كل طرف. وأضاف: «في معركة بناء الدولة، وقفنا الى جانبكم، وعندما عطلنا البلاد حتى انتخاب الرئس عون، فعلنا ذلك من منطلق أنه الرجل الذي سيقود عملية بناء الدولة. وفي كل مرحلة، كنا نصرّ على أن تختاروا أنتم من يمثّلكم في الحكومات أو الإدارات، تحت عنوان أنكم ستأتون بالأنسب في إطار معركة بناء الدولة. وحتى في ملف مكافحة الفساد، شكّلنا فريقاً خاصاً برئاسة النائب حسن فضل الله وأعددنا ملفات كثيرة، ولم يكن بمقدورنا غير إرسالها الى القضاء وقد فعلنا ذلك، فما الذي يمكن أن نفعله أكثر؟».
سأل باسيل إن كانت هناك نيّة لفرض فرنجية رئيساً فأتى الجواب: «قطعاً لا»
في المحصلة، لا يمكن القول بأن هنا توافقاً على الملفات المختلف عليها. في موضوع الرئاسة، اتفق على أن «للحديث صلة»، وفي الحكومة «لم يأخذ باسيل وعداً بالمقاطعة». الشيء المشترك كان الاعتراف بتأثير الخلاف على القاعدتين الشعبيتين والحنق الذي نجم عن الصدام بينهما، وضرورة استكمال النقاش وعقد اللقاءات بهدف تعويم التفاهم وضبط التوتر.
من جانب باسيل، تبدو الصورة مطابقة الى حدود بعيدة. لكن الرجل الذي يقرّ بأهمية كسر الجمود واستئناف الحوار، يعتقد أن الخلافات الكبيرة تحتاج الى تفاهمات كبيرة أيضاً. لكن لديه ثوابته، فهو لن يقبَل بفرنجية مرشحاً للرئاسة، ولن يقبل المشاركة في حكومة تستولي على صلاحيات رئيس الجمهورية، ويريد الاستمرار في التنسيق مع الحزب ولو بطريقة غير مباشرة، مثل اللاتصويت في جلسات انتخاب الرئيس. لكنه لفت الى أن النقاش في قيادة التيار سيقرر سريعاً اتخاذ الموقف بشأن الاسم الذي سيرشّحه التيار لرئاسة الجمهورية وأنه لا يمكن الانتظار طويلاً.
وتشير أوساط باسيل الى أن نقطة التفاؤل الأساسية تكمن في أن وفد الحزب سأله في معرض الحديث عن الرئاسة عما إذا كان لديه مرشحون. ورغم أن باسيل لم يُقدم لائحة مرشحين، إلا أنه يعتقد أن الأمر فيه مدخل لحوار، وهو يصرّ على أنّ على الحزب ملاقاته في منتصف الطريق من خلال استبعاد المرشحين الأكثر تداولاً، أي فرنجية وقائد الجيش العماد جوزيف عون، والسعي الى رئيس جديد تطمئن له المقاومة ويمكنه حفظ التوازن بالنسبة للتمثيل المسيحي في الدولة، ويملك رؤية وقدرة على التصدي للمشكلة الاقتصادية والاجتماعية.