انتظارات متعدّدة لانعكاسات الاتفاق السعودي الإيراني

انتظارات متعدّدة لانعكاسات الاتفاق السعودي الإيراني

الكاتب: روزانا بومنصف | المصدر: النهار

29 آذار 2023

لم يعط الاتفاق السعودي الإيراني الذي أعلن عنه أخيراً أبعاده الفعلية فيما ينتظر الخارج باهتمام مفاعيل الاتفاق الذي لم تتضح مضامينه بعد ولكنه حمل مؤشرات بالغة الاهمية على مستوى المنطقة لا تتعلق فقط بإعادة العلاقات الديبلوماسية المرتقبة بين البلدين بل بما سيترجمه اتفاق مبنيّ على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية من محتوى عملاني وليس نظرياً فحسب. ما تم التوقف عنده مجموعة عوامل مهمة جداً تتصل بالمكاسب العملية لكل من الطرفين المعنيين ومغزى دخول الصين على رعاية وساطة بضماناتها في ظل الكباش الصيني الاميركي وانعكاس ذلك على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة بالاضافة الى الانعكاس السلبي الكبير لا بل الضخم للاتفاق على إسرائيل خاصة.

فبالنسبة الى المملكة السعودية فإن المكاسب الواضحة تتصل خصوصاً بإيجاد حل لحرب اليمن ولا سيما في مرحلة قيادة السعودية لمرحلة إنماء وتقدم على مستوى عال في الوقت الذي يفترض أن يكون الاتفاق وضع جداً للتنافس على النفوذ في المنطقة بين السعودية وإيران وأسّس لمرحلة تعاون ينتظر كثر أن يروا ترجمتها وطبيعة هذا التعاون. تكسب السعودية بذلك من حيث المبدأ تجميد إن لم يكن ضبط الطموح الإيراني للسيطرة على القرار السياسي في أربع عواصم عربية تغنّى المسؤولون الإيرانيون تكراراً بسيطرتهم عليها. وسيكون مثيراً معرفة الاتجاهات التي ستلي هذا الاتفاق من انعكاسات في كل من لبنان وسوريا لا بل يعتقد كثر أن التحول سيكون كبيراً جداً لجهة إنهاء الحرب بالوكالة التي تحصل في اليمن أو في لبنان وهل سيعني ذلك وقف مد التنظيمات الإيرانية بالاسلحة وممارساتها السلطوية للسيطرة على النفوذ والقرار.

وتكاد المكاسب الإيرانية تبرز أكثر في هذا الاطار مع وضع انهزامي وصلت إليه إيران أخيراً على جبهات عدة ليس أقلها في الداخل الإيراني مع تصاعد التحدي للنظام وقدرته على الاستمرار في ظل التظاهرات الكبيرة واليومية بعد مقتل الشابة مهسا أميني وانهيار اقتصادي غير مسبوق وعزلة دولية بعد تزويدها روسيا بالمسيرات في حربها ضد أوكرانيا في ظل عجز عن التقدم في الملف النووي وتالياً الحصول على رفع العقوبات.

ولا تقل آثار هذه العزلة ومستوى التحدي مع الانفتاح الخليجي على إسرائيل وإقامة علاقات ديبلوماسية معها أسهمت في تضييق الهامش على إيران وازدياد مخاوفها مما يثيره الحضور الإسرائيلي في دول الجوار الخليجي ولا سيما بعد عمليات الاغتيال التي حصلت لمسؤولين إيرانيين واختراق للداخل الإيراني على مستويات عدة. ومكسب إيران أيضاً الذي يُعدّ هزيمة مدوية لإسرائيل، هو توقيع الاتفاق تزامناً مع دعاية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقرب توقيع اتفاق تطبيع مع المملكة السعودية التي تحدثت للمناسبة عن فرص كبيرة للاستثمارات السعودية في إيران. هذا يعيد الى الواجهة مضمون الاتفاق وبنوده كما يبرز الى الواجهة إن كانت فرص هذه الاستثمارات هي للمستقبل ما بعد رفع العقوبات الاميركية على إيران أو التمهيد لذلك أو خرقها! إذ إن الولايات المتحدة التي رحّبت بالاتفاق وأعلنت أنها كانت على اطلاع عليه من الجانب السعودي برزت فيها ردود فعل مختلفة تتصل في شكل خاص بخسارة نفوذها في الشرق الأوسط لمصلحة الصين.

يقول أحد المراقبين الديبلوماسيين إن هناك على الاقل سعياً من حلفاء الولايات المتحدة الى تحقيق مصالحهم كما تفعل هي تماماً من دون أن يعني ذلك قطيعة معها أو ابتعاداً عنها. وكانت لافتة في شكل خاص المساهمات المالية المهمة للسعودية من أجل مساعدة أوكرانيا على رغم العلاقة الجيدة مع روسيا وكذلك الصفقة الضخمة من الطائرات التي تعتزم السعودية شراءها من الولايات المتحدة والتي كُشف عنها في موازاة الكشف عن الاتفاق السعودي الإيراني. ولكن الهامش الذي يتسع على هذا الصعيد ينذر بأخطار بالنسبة الى الولايات المتحدة انطلاقاً من أن مصالح حلفائها بدأت تتناقض مع مصالحها، على سبيل المثال في ما خص الانفتاح على نظام بشار الأسد والتطبيع معه، إذ تذهب الدول الخليجية الحليفة الى تقديم اعتباراتها على موقف واشنطن والدول الغربية الرافض لأي تطبيع قبل الحل السياسي فيما باشرت هذه الدول مفاوضاتها الخاصة.

وهذا يضعف على الاقل هيبة الولايات المتحدة أو قدرتها على إدارة الأمور وفق رؤيتها على الاقل، فيما انشغالاتها في الحرب الروسية على أوكرانيا وكذلك في الكباش المتصاعد مع الصين اقتصادياً وسياسياً بسبب تايوان يمنعها من إيلاء أمور المنطقة أولوية أو أن تجد أزماتها مكاناً على الطاولة الأميركية فيما دول المنطقة لم تعد تستطيع الانتظار. كذلك حققت الصين اختراقاً يصعب على الولايات المتحدة إنجازه، وهي تشكل قوة اقتصادية مهمة وإن في اتجاهات مختلفة بالنسبة الى كل من إيران والسعودية بما يتيح لها هامش ضغط باتت الولايات المتحدة تفتقده لا بل تثير ردود فعل عكسية في تشدّدها ولا سيما إزاء طهران.

ولكن الولايات المتحدة يمكن أن تتموضع بحيث يمكنها الاستفادة من الاتفاق والبناء عليه كذلك على عكس إسرائيل التي يخشى المراقبون أنفسهم أن تهرب من أزمة داخلية خطيرة تواجهها مع حكومة المتطرفين الحالية التي باتت تستدرج إدانات غربية وأميركية لها على نحو غير مسبوق في الوقت الذي تنحو فيه في اتجاه سياسة “محو الفلسطينيين” ما يبعدها أكثر عن إمكان التطبيع مع المملكة السعودية ومن فشل العودة الى الاتفاق النووي من أجل أن توجه ضربة الى إيران لخلط الاوراق في المنطقة.