مقايضة إسقاطٍ كإخراج لبدء مرحلة جديدة!
الكاتب: روزانا بومنصف | المصدر: النهار
3 نيسان 2023
مع ان نبأ عدم ممانعة الولايات المتحدة انتخاب رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجيه خرج من عند رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر كلام نُسب الى السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا فيما رفع السقف في وجه احتمال وصول قائد الجيش العماد جوزف عون الى الرئاسة الاولى من اجل تسهيل انتخاب فرنجيه، سعى رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” محمد رعد غداة زيارة فرنجيه الى باريس الى إسقاط فرص مرشح اقتصادي بدا اسمه محتملا ومتداولا للرئاسة.
تذرّع رعد بان هناك خبرا مرّ كخبرٍ عابر ولم يتطرق اليه البعض، وهو أن الإدارة الأميركية غيّرت وجهة نظرها تجاه مرشّح الرئاسة في لبنان، وهي لا تُفكّر بشخصيات ممن اعتاد عليها الجمهور اللبناني بل تفكّر بشخصية لها خلفية إقتصادية. يسهل ان يُرمى اي مرشح في خانة الولايات المتحدة من اجل تبرير رفضه، في حين ان المبررات الاخرى كما أوردها رعد “أنّه تحت عنوان التواصل مع صندوق النقد الدولي قُلنا إنّ ثلاثة مليارات دولار لن تنفع شيئا في البلد فلا تتعبوا قلبكم، ويجيبون بكلّ ثقة ان المسألة ليست مسألة مليارات بل هي فتح أبواب الدول من أجل مساعدتكم، وعليه يجب أن تركَنوا لسياسات تلك الدول من أجل أن نوفّر لكم المساعدات دائمًا”. في الطريق الى تسهيل وصول فرنجيه مجددا، والذي تردد انه يسأل عن ضمانات المرحلة المقبلة، نسف رعد ايضا فرصة الاعتماد على الاتفاق مع صندوق النقد من اجل بدء نهوض لبنان اقتصاديا، علما ان الاتفاق هو “ألف باء” احتمال التعاون الخارجي مع لبنان، وعلما ايضا ان بري كان تعهد في بيان منفصل غير البيانين اللذين صدرا عن كل من رئيس الجمهورية ميشال عون قبل ما يقارب العام وعن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بالمضيّ في الاتفاق المبدئي مع الصندوق من اجل اخراج لبنان من انهياره. والمؤشر لذلك ان الثنائي الشيعي لا يزال مندفعا اقله علنا وواقعيا في الدفاع عن مرشحه في مواجهة احتمال بروز اي قوة داخلية او خارجية تذهب الى مرشح آخر. واسقاط احتمال فرنجيه وفق ما يخشى البعض يجب ان يسقط معه مرشحين آخرين محتملين تطمح اليهم اطراف اخرى خارجية او محلية على اساس المقايضة بين الطرفين بعيدا من معادلة فرنجيه – ميشال معوض كمرشح للمعارضة. ويلاحظ ان اياً من الذين يتم التداول باسمائهم في الاشهر الاخيرة، لم يعلن احد منهم ترشحه للرئاسة باستثناء معوض، فيما ان فرنجيه نفسه لم يعلن بعد ترشحه ولم يبرز الى العلن او الى الواجهة تفاديا للتضحية به في حال حصول مقايضة ما ومن اجل بقاء فرص الوصول قائمة في حال خرج فرنجيه من المعادلة.
تجزم مصادر معنية ان ثمة مرحلة جديدة تستتبع الاخراج الضروري والحتمي لاقفال مرحلة لم تتكلل بالنجاح، وينبغي النظر الى زيارة وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد عبد العزيز الخليفي اليوم الاثنين لبيروت بعد اقفال صفحة والإعداد لبدء صفحة جديدة.
ولكن رغم ذلك، تسجل مصادر سياسية ملاحظات لجهة ان رسم “حزب الله” علامة استفهام جديدة حول موضوع الاتفاق مع صندوق النقد ينسف في العمق مبدأ وجود اوراق سلمها الى فرنجيه من اجل تقوية موقعه. ولم يُتح للأخير تظهير وجود اي اوراق بين يديه من اجل اقناع الداخل قبل الخارج بتحصيل ما يمكن ان يعزز سلطة الدولة اللبنانية وقرارها. فاذا صح ان فرنجيه حمل اجوبة وضمانات عن مجموعة اسئلة او مخاوف، فان الحري به تقديمها كذلك الى الرأي العام اللبناني لا سيما في ظل تحفّظ كل القوى المسيحية الأساسية عن انتخابه كونه مرشح الحزب وضمان عدم الطعن في ظهره وفق تعبير امينه العام السيد حسن نصرالله. صحيح ان الرئاسة باتت مرتبطة فعلا بقرار خارجي، لكن الجزء الداخلي يبقى مهماً من اجل ان يتاح للرئيس العتيد ان يقلع ايضا. ويُخشى انه يصعب على الحزب بما يمثل اقليميا من امتداد مذهبي وسياسي ان يقدم في هذه المرحلة التي يتم السعي فيها الى استعادة العرب النظام السوري من صقيع عزلته ولا شرعيته وفي مرحلة الغموض الاقليمي في انتظار ما ستؤدي اليه ترجمة الاتفاق السعودي – الايراني، ما يمكن ان يعزز موقع المرشح الذي يدعمه. فمن جهة يظهر كم ان دور رئيس الجمهورية محوري في لبنان رغم شكوى الصلاحيات التي تضاءلت واصرار الثنائي الشيعي على التمسك بموقع الرئاسة الاولى يساهم في تأكيد ذلك. ومن هنا التساؤل لا بل العتب الكبير لدى كثر على فرنسا التي لا ترى في مساعيها من اجل دعم ترشيح فرنجيه هذا الجانب من الامور، اي الاعتراض المسيحي الداخلي الواسع، بغضّ النظر عما يتمتع به فرنجيه بالذات. كما انها تتصرف بخلاف ما يُفترض انها مواصفات لرئاسة تغييرية تنقل البلد الى مرحلة جديدة. ولا يرى منتقدو المعادلة التي ربطت بين فرنجيه والسفير السابق نواف سلام كيف يمكن ان تسير هذه المعادلة المتناقضة في مضمونها وشكلها. ومن جهة اخرى، هناك حاجة الى التفاوض مع “حزب الله” بالذات الذي يرى كثر انه هو من يجب ان يقدم الضمانات ولا احد يستطيع ان يقدمها بالنيابة عنه، ولو ان التعويل كبير على موقع رئيس الجمهورية او شخصه. فميشال عون خرج من السلطة تحت عنوان “ما خلّونا” وفريقه “القوي” يبرر التراجع عن “تفاهم مار مخايل” بان الحزب خذله في بناء الدولة رغم التفاهم الموقّع بينهما. وكما ان اتفاق الطائف تضمّن بنودا كثيرة وردت كردّ فعل على “التسلط” الذي مارسه عون في استغلاله صلاحيات رئيس الجمهورية ابان رئاسته الحكومة العسكرية في 1989، فان الضمانات المطلوبة من فرنجيه تصحيحا لمسار خطير اعتمده عون لا تمس في الواقع كجوهر كل ما هو مطلوب في المرحلة المقبلة لجهة الممارسة الرئاسية الخاطئة، فيما ان الاجوبة الفعلية والجوهرية لا يستطيع تقديمها عن المرحلة المقبلة سوى “حزب الله” نفسه.