خطوات مهّدت لعودة العلاقات المصرية - التركية

خطوات مهّدت لعودة العلاقات المصرية - التركية
  • القاهرة: أسامة السعيد


لم يتوقع كثيرون أن تكون الانعطافة في العلاقات المصرية - التركية بتلك السرعة، وبهذا التصاعد، ففي غضون نصف عام، تجاوزت القاهرة وأنقرة «جفاءً وتوتراً» في علاقتهما دام لعقد كامل، وانتقل البلدان سريعاً من مساعي «تطبيع» العلاقات، إلى الاتفاق على «ترفيع» التمثيل الدبلوماسي، وربما تشهد الآونة المقبلة لقاء قمة بات متوقعاً بين رئيسي البلدين.

طريق استعادة العلاقات المصرية - التركية مر بمحطات عدة، مهدت السبيل أمام البلدين اللذين جمعتهما علاقات تاريخية، وفرقتهما دروب السياسة بعد عام 2013، عندما أطاحت مظاهرات «حاشدة» للمصريين ساندتها القوات المسلحة المصرية، بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، لكن ما أفسدته «الآيديولوجيا» أعادت «البراغماتية» ترميمه، ولو بعد عقد كامل، بحسب ما يرى مراقبون.

ولم يكن اتفاق الرئيسين؛ المصري عبد الفتاح السيسي، والتركي رجب طيب إردوغان، خلال اتصال هاتفي (مساء الاثنين)، للتهنئة بفوز الأخير بالانتخابات الرئاسية، وإعادة انتخابه رئيساً لتركيا لفترة رئاسية جديدة، على «البدء الفوري» في ترفيع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء، سوى محطة جديدة في طريق ممتد، بدت بعض خطواته بعيدة عن الأضواء، حيث جرت أبرز مراحله الأخرى في محفل بعيد تماماً عن أجواء السياسة التقليدية».

ففي منتصف عام 2021، بدأ البلدان جولتين من المحادثات الاستكشافية لـ«تطبيع العلاقات»، وقدمت أنقرة بعض الإشارات التي تؤكد جديتها في طي صفحة التوتر مع القاهرة، وكان من أبرز تلك الإشارات إصدار تعليمات صارمة لقيادات تنظيم «الإخوان» ومنابرهم الإعلامية التي تنطلق من الأراضي التركية، بوقف تحريضها ضد القاهرة، وبالفعل أغلقت عدة قنوات تابعة للتنظيم، ورحل عدد منها إلى عواصم أخرى، بينما خضع من لم يلتزم من إعلاميي «الإخوان» للتوقيف من جانب السلطات التركية.

وجاءت الخطوة العلنية الأبرز على هامش حضور رئيسي البلدين حفل افتتاح كأس العالم لكرة القدم، الذي استضافته العاصمة القطرية الدوحة، نهاية العام الماضي، جرت أول مصافحة بين السيسي وإردوغان، وتحدث الأخير عن عقده «لقاءً مثمراً» امتد لأكثر من أربعين دقيقة مع الرئيس المصري، لتنطلق بعدها خطوات متسارعة نحو التقارب.

وفي غضون بضع أسابيع، التقى وزيرا خارجية البلدين، اللذين لم يلتقيا لأكثر من 10 سنوات، ثلاث مرات؛ إذ زار وزير الخارجية المصري سامح شكري تركيا مرتين في أقل من ستة أسابيع، بينما زار نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، القاهرة في مارس (آذار) الماضي.

وجاءت أزمة زلزال 6 فبراير (شباط) من العام الحالي، لتعطي العلاقات بين البلدين «نفساً إنسانياً»، تجسد في اتصالات هاتفية بين رئيسي البلدين، وتقديم مصر مساعدات إغاثية عاجلة، ثم تبادل وزيرا الخارجية الزيارات، لتنطلق بعدها عجلة تسريع وتيرة التقارب، سواء عبر تصريحات إيجابية من الطرفين، أو ترتيبات متأنية اتخذت طابعاً ثنائياً وإقليمياً.

«الإرادة السياسية» كلمة مفتاحية، يراها الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة «مهمة لفهم أسباب تسارع وتيرة التقارب المصري التركي، مشيراً إلى أن البلدين سعيا إلى بناء الصفحة الجديدة في علاقتهما على قاعدة المصالح المشتركة، والفوائد المتبادلة».

ويضيف فهمي لـ«الشرق الأوسط» أن التقارب بين القاهرة وأنقرة، لم يقتصر على البعد الثنائي فقط، بل دعت إليه كذلك «معادلات كبرى في الإقليم»، لافتاً إلى أن المنطقة تشهد خلال الآونة الأخيرة تحولات يصفها بـ«الاستراتيجية»، من إقليم شرق المتوسط إلى ليبيا، وصولاً إلى تطبيع العلاقات السعودية - الإيرانية، والتركية - السورية.

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن القاهرة وأنقرة «نجحتا في القفز على الخلافات الصغيرة في ملفات إقليمية، وانتقلتا إلى رؤية أكثر اتساعاً لشؤون الإقليم، تراعي حجم ودور البلدين، والمتغيرات المحيطة بالمنطقة، والتي تفرض تنسيقاً عالي المستوى بين العاصمتين».

وأوضح أن الطرفين المصري والتركي يدركان تماماً قيمة ما يمكن أن يقدمه كل طرف للآخر؛ فمصر تستطيع لعب دور مهم يدعم مسار تطبيع العلاقات التركية - السورية، واستيعاب تركيا في منظومة منتدى غاز شرق المتوسط، وفي المقابل تستطيع تركيا دفع المسار الليبي خطوات إلى الأمام، كما أن معادلة العلاقات بين مصر وتركيا وإسرائيل، يمكن أن يكون لها ثقل مستقبلي في مواجهة العديد من التحديات التي يشهدها الإقليم.

وبالفعل كان الملف الليبي إحدى العقبات البارزة في مسار العلاقات المصرية التركية، و«مقياساً» دائماً لجدية أنقرة في التقارب مع القاهرة، وكثيراً ما اعتبرت مصر أي تدخل خارجي في الشأن الليبي، مساساً بأمنها القومي، ودعت في أكثر من مناسبة إلى إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية.

لكن مصر التي حدد رئيسها في يونيو (حزيران) 2020 «خطاً أحمر» لوقف التصعيد بين قوات شرق ليبيا ونظيرتها في الغرب المدعومة من تركيا، حافظت طيلة سنوات التوتر مع أنقرة على أن تبقى العلاقات الاقتصادية بمنأى عن الاحتقان السياسي، وبالفعل سارت تلك العلاقات في اتجاه مغاير لما اتخذه المسار السياسي، فزاد مُعدل النمو في التبادل التجاري بين البلدين بمقدار 32.6 في المائة في 2021، بحسب إحصاءات رسمية مصرية.

البعد الاقتصادي يراه حسن الشاغل، الباحث بمركز «الأناضول» لدراسات الشرق الأدنى، «عاملاً أساسياً وحاسماً» في استعادة العلاقات المصرية - التركية لطبيعتها. ويلفت إلى أن الأزمات الاقتصادية التي عانتها الدولتان خلال الفترة الماضية دفعت باتجاه تغليب أطر التعاون وتسوية المشكلات، «بحثاً عن حلول تنعش الاقتصاد، لإدراك كل دولة أنها بحاجة إلى الدولة الأخرى».

ويضيف الشاغل لـ«الشرق الأوسط» أن تركيا صارت الآن أكبر مستقبل للغاز المصري، وهو ما يوفر تكلفة الشحن بالنسبة لتركيا لقرب المسافة مع مصر، كما أن هناك العديد من المنتجات المصرية مثل الحاصلات الزراعية والقطن تمثل أهمية بالنسبة لتركيا، كما أن الاستثمارات الصناعية التركية، وزيادة التبادل التجاري يمثلان أهمية للقاهرة.

ويلفت الباحث بمركز «الأناضول» لدراسات الشرق الأدنى، الانتباه كذلك إلى أن استعادة العلاقات المصرية - التركية لطبيعتها يخدم توجهات إقليمية، تدفع باتجاهها المملكة العربية السعودية، وهو إرساء نموذج التنمية الإقليمية عبر تصفير مشكلات المنطقة، وهو ما سيمثل «دفعة قوية للاستقرار الإقليمي برمته».

ويرى الشاغل أيضاً أن تنقية أجواء العلاقات المصرية - التركية يمكن أن تسهم في إغلاق ملف يصفه بـ«الشائك»، وهو ترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط، مؤكداً أن مصر وتركيا بلدان محوريان في هذا الصدد، ومن شأن التقارب بينهما تقريب الحل النهائي للعديد من المشكلات في تلك المنطقة الحيوية.


آخر الأخبار