مؤامرة؟
الكاتب: زياد شبيب | المصدر: النهار
11 آب 2023
إذا كان يصحّ القول على سبيل التبسيط ولغايات البحث، أن الانقسام الأساسي في المشهد السياسي اللبناني اليوم هو بين فريقين، واحد معارض لسلاح حزب الله وآخر مؤيد له، وبأن القوى السياسية التي يتشكل منها هذا المشهد تتموضع في هذا أو ذاك من الموقعين المذكورين، فإن المتابعة الموضوعية لتطور الأحداث من خارج هذا الانقسام، ومن دون الدخول في الحكم على من يقف منهما إلى جانب الحق كله أو بعضه، إذا كان ذلك ممكنًا، توصل المتابع إلى تشخيص واحد أقرب ما يمكن إلى الاتجاه الذي تسلكه الأمور وهو أن الساحة اللبنانية تتحضر لصدام كبير.
السلاح الذي يَسنُد أصحابه ومؤيدوه شرعية وجوده إلى فكرة ووظيفة #مقاومة #الاحتلال، بصرف النظر عن مدى صحة هذا السند وعن مدى استمرار بواعثه، يمتلك بعدين آخرين غير الوظيفة الأساسية، وهما البعد الإقليمي بسبب انتمائه إلى محور إقليمي متصارع مع محور أو محاور أخرى من جهة، والبعد السياسي الداخلي المتمثل بوجود الحزب الذي يحمله في الدولة كحزب سياسي أساسي في المعادلة السياسية اللبنانية، مع ما يترتب على كل من هذين البعدين من إشكاليات لم يتمكن الحزب من معالجتها أو تقديم أجوبة كافية بشأنها. والمشكلة في ما يخص الأجوبة والمعالجات قد لا تكمن في غيابها أو عدم كفايتها بقدر ما هي ناتجة عن عدم اكتراث المؤيدين لرأي المناهضين ومواقفهم، وفي اللجوء إلى وصفة التخوين والتماهي مع العدو، التي أثبت التاريخ المعاصر بأنها إذا ما تزامنت مع الضغط وانسداد الأفق وتعذر الحوار قد تدفع البعض إلى ممارستها بالفعل.
عندما تضخمت حالة المقاومة ال#فلسطينية في لبنان أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي تحولت تدريجيًا وبسرعة إلى موضوع انقسام عمودي وصل إلى حمل السلاح من المعارضين لمقاومتها، ومما لا شك فيه أن الخطاب السياسي الحالي في معارضة السلاح يتخذ منحى تصاعديًا نوعيًا. هذا المناخ يشبه إلى حدّ بعيد ما عاشه لبنان في المرحلة التي سبقت الحرب، والتعامي عنه أو الاكتفاء بنعته بنعوت الخيانة ليس إلا من قبيل دفن الرأس في الرمال.
البحث في شرعيّة السلاح أو شرعية مقاومة الاحتلال بالمعنى التقني، والتمسك بالعبارة المدرجة في البيان الوزاري أو رفضها، لا طائل منه، لأن الطابع الخلافي بحدّ ذاته هو المشكلة التي لا يمكن تجاوزها. الشرعية وإن وُجِدت بالمعنى التقني لا تكفي ولا بد من أن يُدرك ذلك الجميع، وتجربة “الكفاح المسلح” الذي خاضه الفلسطينيون من لبنان وعلى أرضه خير دليل. وجود وعمل المقاومة الفلسطينية كان شرعيًا بالمعنى التقني لأنه استند إلى اتفاق القاهرة للعام 1969 الذي وقعه قائد الجيش آنذاك العماد إميل البستاني بتفويض من رئيس الجمهورية والحكومة وصادق عليه مجلس النواب (دون الاطلاع على تفاصيله)، وحظي عند إعلانه بتأييد أكثرية القيادات السياسية ولاحقًا أصبحت الأكثرية مؤيدة لإلغائه أو اعتباره باطلاً وأقرّ مجلس النواب في العام 1987 قانون إلغائه ووقع مرسوم الإلغاء رئيس الجمهورية أمين الجميل ورئيس الحكومة سليم الحص.
جميع الفرقاء الذين خاضوا حرب العام 1975 وصفوا ما حصل بأنه “مؤامرة”، وهذا لم يمنعهم من تنفيذها متسلحين بالموقف الذي استعانوا به هنا وهناك للتعبئة وشحن الهمم وخوض المعارك، والنتيجة كانت لصالح إسرائيل بتحوّل وجهة السلاح عنها ومن ثم تصفيته وبتدمير لبنان، واليوم إذا ما توافرت عناصر المؤامرة سوف ينبري كثيرون إلى ممارسة ما هم مبرمجون على فعله في منازلة جديدة دفاعًا عن “الوجود” يذهب ضحيتها الآلاف من “الشهداء” من جميع الأطراف.