أسئلة الشارع السنّيّ الصاخبة: لماذا تكتفي إيران بمشاغلة إسرائيل؟
أحمد الأيوبي - نداء الوطن
تَحكُمُ الخطابَ الإسلاميَّ حول القضية الفلسطينية منظومةٌ فكريةٌ تستند إلى الجوانب الدينية والتاريخية وتقوم على قاعدة «الانتصار الحتميّ» في الصراع مع الحركة الصهيونية التي تزوِّر التاريخ وتعمل على تفريغ الأرض وإنهاء الوجود العربي في أرض الإسراء والمعراج. وقد أدّى الاعتقاد بحتمية الانتصار استناداً إلى اعتباراتٍ دينية بحتة، إلى إسقاط الحسابات الواقعية وتجاهل الأخذ بالأسباب، ما أوقع هزائم كبرى بسبب طغيان عنصر الحماس على الإعداد. وهذا ما تغرق فيه الساحة الإسلامية في لبنان بعد أن ابتعدت عن الثوابت والإعداد، ما يطرح أسئلة كثيرة حول حقيقة مشاركة بعض فصائلها في «المشاغلة» الدائرة على الحدود الجنوبية هذه الأيام.
ومع انطلاق «طوفان الأقصى» شهدت المناطق السنّية موجات تعاطف واسعة مع الشعب الفلسطيني فتحرّكت التظاهرات والاعتصامات وعلت الخطابات، وارتفعت الدعوات للشباب بالتطوّع للالتحاق بجبهة الجنوب بعد إعلان الجماعة الإسلامية انخراطها في المواجهة الدائرة جنوباً، كما شهدت الأوساط العلمائية نقاشات واسعة حول سبل التعامل مع المستجدّات الحاصلة بين غزة ولبنان.
تضجّ أوساط المجتمع السنّي بالأسئلة حول كيفية التعامل مع ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي من مجازر، فيلجأ الكثيرون إلى التظاهرات والاعتصامات لكنّ شيخ قراء طرابلس بلال بارودي يسأل: ما الفائدة من التظاهرات والإضرابات وإقفال المدارس والجامعات؟
ويتوجّه إلى وزير التربية والتعليم العالي مقترحاً عليه أن يُحوِّل التعطيل التقليدي للمؤسسات التربوية إلى محطة للتوعية والدعم للقضية الفلسطينية في المراحل التعليمية كافة: الابتدائية والثانوية والجامعية، داعياً إلى تخصيص فترات التعطيل لتوعية الأجيال بحقيقة القضية الفلسطينية وبتاريخها الذي يجمع تاريخ الإسلام والمسيحية، ففيها القدس وبيت لحم مهد المسيح وولادته وفيها مسرى الرسول محمد، وفيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وإليها جاء عمر بن الخطاب استجابة لبطريركها ليعطي العهدة العمرية وبها تأسّست قواعد العيش والشراكة بين المسلمين والمسيحيين وهي الشراكة الحقيقية التي بقيت عبر الزمن بدل التكاذب السائد الآن، سائلاً لماذا الصمتُ القاتل لدى الغرب على قصف كنيستين في غزة؟
يرى الشيخ بارودي في حديث خاص بـ»نداء الوطن» أنّ إيران طارئة على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني قدّم منذ النكبة حتى اليوم تضحياتٍ جساماً في سبيل قضيته ومهما حاول الإيرانيون التقدّم بالدعاية السياسية وتشكيل «فيلق القدس» فلن ينجحوا لأنّ فيلقهم اجتاح عالم العرب وضلّ طريقه إلى فلسطين.
ويلفت إلى أنّ التصدّي للمشروع الصهيوني واجب وطني إسلامي مسيحي مشترك لتبقى الرؤية واضحة على المستوى الوطني والتعاون قائماً لمنع الانزلاق والاختلاف حول تقدير الموقف من التطوّرات المتسارعة، ولحماية لبنان من استغلال المحور الإيراني، رافضاً الاعتداء على أرزاق المواطنين وممتلكاتهم تحت ذريعة التظاهر، معتبراً أنّ هذه الممارسات تضرّ بالقضية وهي مشبوهة وغير مبرّرة ونحن نتعاطف مع كلّ من يتضرّر من هذا الشغب، لأنّنا في طرابلس عانينا من هذه الظاهرة الخطرة.
ولاحظ الشيخ بارودي أنّ عقلية اتّهام الضحية بقتل نفسها مشتركة بين إسرائيل التي اتّهمت الفلسطينيين بالوقوف وراء قصف المستشفى المعمداني، وبين النظام السوري الذي اتّهم الثوّار السوريين بمجازر الغوطة، معتبراً أنّها مدرسة واحدة في تحالفٍ منسوج على مستوى المنطقة والعالم تتلاقى فيه المصالح الغربية مع مصالح حلف الأقليات الإيراني، وما نشهده من «مشاغلة» بين أطراف محور طهران والقوى الغربية ليس سوى استمرار للمخادعة الطويلة الأمد التي يتعرّض لها المسلمون والمسيحيون معاً في هذا الشرق.
لماذا اقتصر الردّ الإيراني على عدوان إسرائيل على غزة على الخطابات الخجولة وبعض الإعلام، فحضر الخطاب الهادئ الذي كان غائباً في حروب إيران العربية؟ لكنّ الجواب على هذا السؤال هو بالبحث عن مصلحة إيران الحقيقية في انتصار «حماس» في غزة، وربما تكون مصلحة إيران في ترك «حماس» تواجه مصيرها وحدها خصوصاً أنّ «حزب الله» «أنجز» الترسيم البحري للحدود مع إسرائيل والترسيم البري في الطريق، وهم يتفاوضون مباشرة أو مداورة مع المبعوث الأميركي (آموس هوكشتاين) الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية، والردود انطلاقاً من الجنوب لا تتعدّى خطوط الاشتباك باستثناء ما يتبنّاه الفلسطينيون، ولا نعتقد أنّ «الحزب» يغامر بكل ما كسبه في لبنان وسوريا من أجل فلسطين، ليس حكمة منه كما يظنّ البعض، بل لأنّه ليس له مصلحة بهذا التدخل كما هو الحال في سوريا والعراق واليمن.
يلفت انتباهَ الشيخ بارودي إطلاقُ الحوثيين صاروخاً قيل إنّه كان في طريقه إلى فلسطين، لكنّ البوارج الأميركية سارعت إلى إسقاطه وهذا يستحضر سؤالاً جوهرياً: إذا كانت أميركا تستطيع في بحرنا أن تعترض صاروخاً يتّجه إلى فلسطين، فلماذا لم تعترض مئات الصواريخ التي استهدفت السعودية والإمارات؟ هل هناك حلف؟ هل هناك مسرحية؟ نعم... فالرادار يرى الصاروخ ولا يميّز وجهته ويُفترض أن يتصدّى له، فلماذا يسمح أن تسقط صواريخ الحوثيين في السعودية والإمارات ولا يُسمح أن تصل إلى إسرائيل؟ وما دامت الصواريخ تهدّد الدول السنية فهي تعبر بلا عوائق!
ويدعو إلى التبصّر في كيفية التعامل مع الأحداث بعيداً عن العواطف العمياء، ويؤكد رفض الفتنة المذهبية والطائفية، ويرفض بشكل قاطع استغلال قضية فلسطين من محور إيران المحترف في الصفقات والذي يقاتل بالعرب حتى آخر عربي ويحمي نفسه ومشروعه بأعلى مستويات التخاذل والتنازل.