هل تسرّع التطوّرات التوافق المسيحي لملء الفراغ في بعبدا واليرزة؟
الكاتب: ابتسام شديد | المصدر: الديار
25 تشرين الأول 2023
لا أحد قادر ان يعرف متى تبدأ الحرب الكبرى وما هو شكلها ونتائجها، الا ان كل المؤشرات تدل على ان سيناريو الحرب الشاملة صار أقرب من اي وقت مضى، وعلى الأرجح هناك حرب باردة وطويلة على غرار الصراع الروسي – الأوكراني ، فالجبهة الجنوبية مشتعلة بقوة بالإعتداءات الإسرائيلية اليومية قصفا وباستهداف المدنيين والإعلاميين، والنزوح اللبناني من مناطق العمليات العسكرية الى مناطق أخرى صار واقعا.
الحرب إن وقعت ستكون تداعياتها كارثية على المجتمع اللبناني الغارق بأزماته، وفي حين اتخذت أحزاب وقوى سياسية اجراءات احترازية، فان البيئة المسيحية لا منقذ او معين لها في أزماتها ، على حد قول مصادر مسيحية، فالمسيحيون هم الأكثر تأثرا بالأحداث في ظل تقاعس المسؤولين وغياب المرجعيات السياسية والروحية، عن الإهتمام بأوضاع المجتمع المسيحي المثقل بالمشاكل، وصار معروفا حجم الانهيار في المجتمع المسيحي، وارتفاع معدلات الهجرة لديهم بشكل تصاعدي وكبير بسبب الأزمات الاقتصادية والمعيشية.
واشارت المصادر المسيحية الى انه على المستوى السياسي هناك حالة انفصام لدى القيادات المسيحية عن الواقع، وانفصال عن مجريات الأحداث، فالجولات واللقاءات التشاورية لا تأثير لها في الصخب العسكري، ووسط قرع طبول الحرب، وبدل ان يضغط المسيحيون لملء الفراغ وانتاج رئيس، والسير بتعيين او تمديد في آخر المواقع المسيحية في رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش، تراهم يتنافسون في الانتخابات الجامعية بتزكية الخلافات الماضية، تحت عنوان تنافس ديموقراطي. فالفراغ في سدة الرئاسة أتم عامه الأول، وفي مصرف لبنان حاكم بالإنابة والأصالة عن الحاكم الماروني، والفراغ اقترب كثيرا من قيادة الجيش وسط تجاذبات التعيين والتمديد.
كل ذلك، لم يدفع القيادات المسيحية للتوافق رئاسيا، بحسب المصادر، فخلافاتهم عميقة والتقاءهم عند الضرورة القصوى وعلى “القطعة”، كالتقاطع حول مرشح لا يملك حظوظا للرئاسة الأولى، ورفض الحوار وحضور مجلس الوزراء.
واكدت المصادر ان الهواجس المسيحية تضاعفت مؤخرا مع تفاقم الأزمات من جراء النزوح السوري، الذي يستنزف المجتمع اللبناني بأكمله، والمسيحي بصورة خاصة، لأنه وفق التوقعات سيكون على حساب الوجود والكيان في حال وقع التغيير الديمغرافي الجديد، مسيحيو الجنوب في قلب الحدث، وما حدث في رميش بعد مغادرة اهلها بدخول نازحين سوريين، أطلق إشارة تحذيرية، فكل الحديث في الأشهر الأخيرة عن نزوح سوري جديد على حساب المسيحيين.
في غزة لم يوفر الإجرام الاسرائيلي المسيحيين في الكنائس والمدارس والمستشفيات، وهذا الأمر يبعث على القلق من تكرار نموذج مسيحيي المشرق العربي، وما أصابهم من هجرة واضطهاد، ربطا بالهجرة الأرمنية الأخيرة في اقليم ناغورني كاراباخ بنزوح ١٥٠ ألف أرمني من دون ان يهتز الرأي العام العالمي.
المصادر المسيحية لا تستبعد ان يكون الوضع المسيحي دراماتيكيا وشبيها بمسيحيي الشرق، في حال نشوء حرب إقليمية، ومرشحا للمزيد من الانهيار مع تراجع حوافز البقاء وانعدام فرص العمل وتدهور المؤسسات وهجرة الشباب، مقابل تقدم حركة النازحين الجدد الى لبنان. فقوافل النزوح المتدفقة تطرح تساؤلات حول اندفاعتها المفاجئة في الأشهر الأخيرة، وما إذا كان ذلك مقدمة لفرض واقع لبناني جديد على حساب الوجود المسيحي، وخطر تحولهم يوما الى هنود حمر .
لطالما كان المسيحيون الفئة الأكثر تشظيا بالأحداث السلبية التي عصفت بلبنان، لأنهم دفعوا فواتير الحرب والسلم، وثمن التسويات والتفاهمات التي لم تكن مردوداتها إيجابية على الوضع المسيحي على الإطلاق، عل المسيحيين اليوم يفيقون من ثباتهم ويوحدوا موقفهم من القضايا المطروحة، فينتخبون رئيسا للجمهورية بدل الاستمرار بالاختلاف .