الانتخابات البلدية استحقاق في مهب التطيير في العام 2024

الانتخابات البلدية استحقاق في مهب التطيير في العام 2024

الكاتب: فانيسا سمعان | المصدر: النهار

8 كانون الثاني 2024


يفرض عدد من الاستحقاقات الدستورية نفسه في العام 2024، وإذا كانت انتخابات رئاسة الجمهورية تتصدّر الأولويات، فإن الانتخابات البلدية والاختيارية ليست استحقاقاً عابراً، بل ينتظره اللبنانيون منذ سنوات لأهميته، ولأن الحياة البلدية تعاني اليوم ترهلاً غير مسبوق لأسباب متعدّدة، بينها تراجع قيمة الميزانيات بشكل كبير على إثر الانهيار الاقتصادي، بالإضافة إلى الاستقالات التي حصلت.


وانطلاقاً من ضرورة دور البلديات في المدن والقرى والبلدات، من المفترض أن تجري الإنتخابات البلدية هذا العام بعد تمديد أمد مجالسها لسنتين. يُذكر أن التمديد الأول كان سببه تزامن الاستحقاق مع الانتخابات النيابية في العام 2022، والتمديد الثاني كان سببه “غياب المعوقات التقنية واللوجستية وتأمين التمويل اللازم لها”، فهل يشهد العام 2024 التمديد الثالث بسبب غياب القدرة على إنجاز الاستحقاق، أم أن الحكومة ستوفّر الإمكانات اللازمة وتجري الانتخابات؟


الحرب جنوباً معوّق جديد

في إطار الإمكانات والعوائق، فإن أسباب التمديد في العام 2023، الظاهرة والمخفية، تمثّلت بغياب التمويل بالدرجة الأولى، وغياب القدرات اللوجستية على إجراء الاستحقاق، إلّا أن ثمّة أسباباً سياسية أيضاً دفعت بالقوى النيابية إلى تطيير الانتخابات، منها ما هو مرتبط بحسابات سياسية في المناطق خوفاً من خسارة مجالس بلدية كانت محسوبة عليها.


إن هذه العوامل التي أدّت إلى تطيير الانتخابات البلدية في العام 2023 لا زالت قائمة، ولا ضمانات لإجراء الاستحقاق هذا العام، وأضيف إليها عامل الحرب المندلعة في الجنوب وغياب الاستقرار عن البلديات الحدودية، ما يزيد الأمور تعقيداً، ويُقلّل من فرص إجرائها في ظل الوضع المتأزم.


بيضون: لا معوّقات لتأجيل الانتخابات سوى الحرب!

القوى السياسية وكتلها النيابية لم تُطلق بعد عجلة العمل الانتخابي البلدي، وفي هذا السياق، يعتبر عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب أشرف بيضون أن “الحديث عن الانتخابات البلدية سابق لأوانه”، لكنّه شدّد على وجوب حصولها “في وقتها حسب القانون”.


ورداً على سؤاله عن المعوقات التي تحول دون حصولها، يُشير في حديث لـ”النهار” إلى أن “ليس هناك أي معوقات، لكن حصول الانتخابات من عدمه يعتمد على وضع البلد الأمني، خصوصاً أننا في حالة حرب في الجنوب”.

ويعبّر بيضون عن تفاؤله إزاء الوضع، ويرى أن “الاستحقاق الرئاسي بات قريباً، كما أن حرب الجنوب شارفت على الإنتهاء لأن إسرائيل لم تعد قادرة على الاستمرار أكثر، وهي بالفعل لم تحقق أي نتيجة، كما أن زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين لبيروت ستحمل معها طرحاً لحلول سياسية باعتبار أن الحرب كانت مكلفة جداً على أميركا وإسرائيل”.


القوات: ثنائي “مار مخايل” لا يريد الانتخابات

من جهتها، تشير مصادر “القوات اللبنانية” إلى أنه “لم يكن هناك من الأساس أسباب وعراقيل لوجستية لتأجيل الانتخابات، بل كانت الأسباب سياسية محض، إذ إن النائب جبران باسيل مدرك أن وضعه السياسي، بعد الانتخابات النيابية وبعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، لا يحتمل المزيد من الخسائر، و”حزب الله” بدوره لم يكن بوارد الدخول في انتخابات بلدية تؤدي إلى خلافات وانقسامات داخل البيئة الشيعية، وهذه الأسباب لا زالت قائمة اليوم، ما معناه أنه ليس هناك أي بوادر إيجابية لإجراء الانتخابات البلدية”.


وتعتبر المصادر أن “من يعطّل الانتخابات البلدية هو نفسه من مدّد للبلديات من دون وجه حق لأنه لا يريد أن يواجه حقيقة أن الرأي العام داخل هذه البلديات تبدّل ولم يعد في صفّه”. وتحمّل مصادر “القوات” مسؤولية التمديد إلى “ثنائي مار مخايل، الذي لا يزال يبحث عن حجج إضافية لتأجيل الاستحقاق، ومن المرتقب أن يتحجّج هذا الطرف بالحرب في الجنوب لتطيير الانتخابات مجدداً إذ إنه اعتاد على أن لا يحترم المهل الدستورية”.

وتؤكّد المصادر أن “تكتّل “الجمهورية القوية”، إلى جانب كتل أخرى، ستُمارس الضغط لإجراء هذه الانتخابات في أيار 2024، وستسلّط الضوء على الأطراف المعطّلة التي ترتكب الخطيئة، لأن معظم البلديات أصبحت منحلّة”.


ماذا يقول القانون؟

أما في الشق القانوني، فيُشير الخبير الدستوري عادل يمين إلى أن “الواجب الحكومي يقضي بإجراء الانتخابات البلدية المقرّرة في أيار ٢٠٢٤، لأن ليس هناك ما يمنع حصولها على الصعيد القانوني سوى تقاعس الحكومة عن أداء واجبها، وعليها تحمّل مسؤولية تأمين التمويل المطلوب لها”، مؤكّداً أنه “لا يوجد أي أمر طارئ يمنع حصولها”.


في سؤاله عما إذا كان التمديد للبلديات قانونياً، يلفت يمّين لـ”النهار” إلى أن “القانون السابق للتمديد كان فيه مخالفات دستورية، ولكن المجلس الدستوري مدّد للبلديات منعاً للفراغ بعد أن فشلت الحكومة في إجراء الانتخابات، وإذا تكرّر الأمر نفسه هذا العام، من المرتقب أن نشهد النتائج نفسها”.


في ظل الشلل الذي يضرب عدداً من المؤسسات الدستورية، يبقى إجراء الانتخابات البلدية في وقتها ضرورة ملحّة واستحقاق دستوري لا يحمل المزيد من التأجيل، خصوصاً أن السلطة السياسية هي من تسعى لتطيير هذه الانتخابات خوفاً من النتائج التي ستصدر عنها، وقد لا يكون ثمّة مبررات فعلية تحول دون إجراء الانتخابات في موعدها، وبالتالي فإن التمديد سيكون بمثابة تقصير بحق اللبنانيين وحقوقهم في التنمية على صعيد البلديات.