خاص الموقع: المُحْدَث بإنجازاته وتداعياته لا بمجرياته . المؤرخ والكاتب السياسي د حسن قبيسي

خاص الموقع: المُحْدَث بإنجازاته وتداعياته لا بمجرياته . المؤرخ والكاتب السياسي د حسن قبيسي

المُحْدَث بإنجازاته وتداعياته لا بمجرياته

 وقف العمليات العدائية أولى الإجراءات وتسوية الدولتين أولى المستحقات

 

المؤرخ الأكاديمي والكاتب السياسي د. حسن محمود قبيسي

العدو الصهيوني المهزوم في أوربا وطريد شعوبها وملوكها وأمرائها على مدى التاريخ - باستثناء العصرالأموي في الأندلس-  في صراع معنا فوق أرضنا ، والحرب وجه من أوجه الصراع .                                                                                                                         للحرب مقوماتها: الأخذ بالاعتبارموازين القوى والتحسب لردات الفعل ، و الاستعداد تخطيطًا وعدة وعديدًا ، وتأمين المستلزمات والاحتياجات والمتطلبات، وكل الأمور الحياتية ،والتركيزعلى التعبئة الشعبية ، وتوطيد دعائم الوحدة الوطنية الشعبية التي تتقدم فيها وحدة الهدف على وحدة الصف وعلى تقاطع المصالح الآنية ، بالعمل على حشد أكبر عدد من الناس وراء المدافعين عن الوطن والمواطن ، و الإجماع ليس شرطًا لها.

وتوظيف التحالفات والعلاقات الدولية – وهي واهنة - لدعم القضية القومية ( جوهر الصراع العربي- الصهيوني ) - أمام الرأي العام العالمي ، التواصل والإعلام وشرح أسباب ومسببات المُحْدَث ، والمتابعة لكل تفصيل يخدم المعركة : أهدافًا وأساليب. وفي كلا الوضعين المحلي والعالمي يجدر بالمخطط دقة اختيارالحلفاء .

 فما دور الحكام  العرب والمسلمين وماذا أعدوا لتلك الحرب ؟ ماذا قدموا ؟ . ماذا أعدت مؤسسات المجتمع المدني لهذه الحرب ،وماذا قدمت؟ . إلى أي مدى يعدون أنفسهم ومن يمثلون لدورات ذلك الصراع الذي لا يمكن أن تنهيه تسويات تتمظهر بقيام أو إقامة دولتين على أرض فلسطين .وهل يرون أنفسهم وناسهم معنين بهذا الصراع؟ وهل يعتبر المسيحي أينما كان -حاكمًا كان أم مواطنًا- نفسه معنيًا بالدفاع عن الأرض التي شهدت ولادة السيد المسيح، و فوقها عذبه اليهود و « صلبوه » (كما في معتقداته ) ، ومنها ارتفع إلى السماء.

*****

فيما نشهد لم يلتفت المخططون ل« طوفان الأقصى » إلى أساسيات الصمود الشعبي ولم يعِدوا للحرب عدتها:  الماء والاستشفاء و الغذاء والدواء والكهرباء ، ففاق عدد ضحايا ندرتهاعدد الشهداء ، وسهوا عنها كلها في حرب الطوفان ، إضافة إلى أنهم لم يصيبوا في توقعات تداعيات حرب «طوفان الأقصى » ، وفاتهم أن أسر ثلاثة صهاينة سنة 2006 للمطالبة بتحرير عميد الأسرى العرب الشهيد سمير قنطار، وما كان - أسرهم - يحمل مخاطرودلالات ورمزية  « طوفان الأقصى »؛ أشعل أو عجل بإشعال حرب صيف تلك السنة . ما كانت التوقعات في الحسابان ، في تكرار لضبابية في التقدير كما في عدوان صيف 2006 ، وفيه وحوله قال السيد حسن نصر الله بمسؤولية تحسب له ، في مقابلة تلفزيونية بثت مساء الأحد 27-8-2006 ، في إنه لوعلم أن عملية خطف الجنديين «الإسرائيليين» يومها كانت ستؤدي إلى جولة العنف التي استمرت 34 يومًا لما قمنا بها قطعًا ». وقال إن قيادة حزب الله «لم تتوقع ولو واحدًا بالمائة أن عملية الأسر ستؤدي إلى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم، لأنه وبتاريخ الحروب هذا لم يحصل.. لو علمت أن عملية الأسر كانت ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعا». لكن التلمودين خارج كل التقديرات .

*****

في الشهر السادس من معارك « طوفان الأقصى » واعتداءات الجيش الصهيوني ،وتضليل الرأي العام العالمي، يقف العالم صامتًا عن ارتكابات الصهاينة متحاملًا على الفلسطيني مترددًا في موقفه من المقاومة الإسلامية في لبنان ، منزعجًا من الاحتجاج العراقي العنفي ضد الاحتلال الأمريكي لأجزاء من العراق ، يشن حربًا على «أنصار الله» في اليمن ، وبانتظار كلمة الفصل من الجمهورية الإسلامية في إيران .   

العالم كله أمام مشهدية تدميرية دموية نتيجة المجازروالتخريب والتدمير، وكلها وليدة الخيانة والعجز والاستسلام والخنوع والقمع والجهل والغش والحسابات الخاطئة في البيئة العربية والإسلامية، التي أوصلت إلى هذا الوضع العربي والإسلامي المتردي ، والذي لا يخفف من مآسيه الكاريثية سوى الصمود الأسطوري القائم على ثقافة الصبروفعله.

و العالم الغربي باستخفافه بحقوق الفلسطيني والعربي بشكل عام في العيش حياة حرة كريمة، والدعم الأميركي المطلق للكيان الصهيوني، وشل فعالية الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية ، «العالم المتحضر المحب للسلام ونصير الحريات و المحافظ على حقوق الإنسان» هذا، شريك في الإبادة الوحشية لأهل فلسطين ، بعد شراكته في تهجير كثيرمن أسلافهم من فلسطين منذ سنة 1948.

*****

 أما وقد جمدت الفظائع في غزة مشوار التطبيع دون التراجع عنه، فالمخاض المتوقع في المدى المنظور لحقبة ما بعد الحرب بتداعياتها وإخفاقتها وإنجازاتها؛ بأن يكون وقف العمليات العدائية بين المتحاربين أولى الإجراءات ، فالأفراج عن الرهائن الصهاينة والمعتقلين الفلسطينيين (وإبعاد بعضهم وإلا إعادة اعتقالهم ) ، وسقوط حكومة نتنياهو – رغم ميل الصهاينة إلى الأكثر تطرفًا-  تحت ضغط أسرالمعتقلين والرهائن الذين سقطوا بهمجية نتنياهو نفسه ، وتتشكل لجان تحقيق حول إخفاقاته لا حول الجرائم الهمجية والإبادات الجماعية ، وبتفعيل محاكماته بجرم فساده وهو لم يكن أكثر ضررًا في المجتمع  الصهيوني من جنونه الانتحاري ، ويحضرني هنا أن العالم ما زال يحاكم هتلر بتهم قليل منها ارتُكِب، وكثير افتراء وتجن . و ستكون أزمات هجرات داخلية وإلى خارج كيان العدو الصهيوني .

بعدها تداعيات و/ أو إنجازات استراتيجية : تسوية الدولتين الهشةغير القابلة للتطبيق، في نسخة منقحة لاتفاقية أوسلو الموؤدة ،فوق أرض فلسطين. 

 انهيار النفوذ الأمريكي في العالم ؛ ولنا من تفكك الأمبراطوريتين البريطانية والفرنسية بعد العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 ، وتفكك المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفياتي بعد احتلاله أفغانستان ( دخل السوفيات في 25 كانون الأوّل 1979- وانسحبوا على مراحل بين  15 أيار 1988 و15 شباط 1989) لنا في ذلك دروس وعِبر.

و دور لبطل يخرج من بين الجماهير . دور لا ترسمه الدوائر المعادية لشعوبنا ؛ يلعبه صنيع لها بتسمية زعيم أو حزب أو حركة أو تنظيم، يتم التخلص منه فور إنهاء دوره . الدور المرجو لبطل يخرج من صفوف الجماهير ويعاني معاناتها . والدورفي الشكل قد يكون سلسلة انقلابات كما حدث بعد نكبة 1948 ، وتعاظم المد القومي ودعم حركات التحرر في العالم. وقد يكون فرصة لإصلاح ثوروي داخلي كما في تخليص مصر من ارتكابات مراكزالقوى بقياد ةعبد الحكيم عامر، أو لمقاومة شعبية مسلحة اشتد عودها بعد نكسة 1967، فتزامن اشتداد عود المقاومة الفلسطينية المنتصرة على العدو الصهيوني في «معركة الكرامة » يوم 21مارس/آذار 1968 ، ولحق بها انقلابان (إشكاليان) ) في السودان وليبيا ، وكانت حرب الاستنزاف والإعداد الكامل لها.

ولأن المُحْدَث بإنجازاته وتداعياته،لا بمجرياته ولا يمسيراته، صار« طوفان الأقصى » حرب تحريك لا حرب تصفير المعتقلات وفك الحصارعن غزة ووقف الاستفزازات في المسجد الأقصى وأماكن العبادة كما أُريد لها أن تكون ، أعاد تذكير العالم بالقضية الفلسطينية و الظلم النازل بأهلها ، وأثمان ذلك باهظة في الأرواح و الممتلكات، وقد لا تكون المكاسب المتوقعة تستحق كل تلك المجازفة . وعليه :                                                                                                      فإلى دورات عنف مستجدة يعود فيها كل إنسان إلى من حيث هُجر أو أتى .

جولات عنف لاتنتهي إلا بخريطة جديدة في وطننا العربي ، لا ذكر ل« إسرائيل » فيها .