تجربة الباصات في زحلة

تحمل تجربة الباصات المخصصة لنطاق مدينة زحلة أبعاداً بيئية صحية توازي أبعادها الإقتصادية. إذ قد يتفاجأ البعض أن زحلة، المدينة الخالية من مولدات الأحياء، أو من المشاريع الصناعية الكبرى والتي تصر بلديتها على تحمل عبء معالجة النفايات الصلبة بمطمرها الصحي عنها وعن جيرانها المنتشرين في 26 قرية بقضائها، والتي ناضلت طويلاً ووضعت من ضمن أولوياتها رفع المياه الآسنة عن مجاري المياه النظيفة، والحريصة على إبقاء محطة تكرير المياه الآسنة فيها شغالة رغم كل الصعوبات الإدارية والمالية التي تهددها، هي أيضا من المدن التي تعاني تلوثاً هوائياً عالي النسبة، يفاقم الفاتورة الصحية على أهلها، وخصوصا بالنسبة للقاطنين على منبسط بولفار المدينة الممتد بموازاة مجرى نهر البردوني.
هذا التلوث الذي تثبته منذ سنوات آلة رصد موضوعة في حديقة "الممشية"، تشير التقديرات أن مصدره الأساسي هو عوادم السيارات ووسائل النقل التي تعمل على مصادر الطاقة غير البيئية.
هذه القناعة تجعل بلدية زحلة مصرّة على نقل حضري مشترك، شكلت الباصات الصديقة للبيئة التي حصلت عليها من الإتحاد الأوروبي كهبة المنطلق العملي له.
إنطلاقا من هنا لا تقيّم بلدية زحلة تجربتها مع الباصات الأربعة حتى الآن، قياساً على عدد الاشخاص الذين يستقلونها يومياً، بل تعتبر أن معيار نجاح تجربتها يكمن في قدرتها على تخفيف نسبة التلوث الذي يشكل هدفها الأبعد مدى.
وعليه بعد مرور شهر من تسيير هذه الباصات، يعتبر رئيس البلدية أسعد زغيب أنه آن الأوان لسلسلة خطوات إضافية سيباشر بتنفيذها قريباً. أما أبرز هذه الخطوات للمرحلة المقبلة، فتتمثل بمنع دخول الباصات الصغيرة والكبيرة غير الصديقة للبيئة الى المدينة، مع الحرص على أن لا يفرض القرار كتدبير تعسفي على المواطنين أو حتى العاملين بوظائف النقل المشترك الخاص.
ومن هنا يشير زغيب الى توجه لإعتماد إجراءات مرضية ، تراعى من خلالها ظروف مستخدمي وسائل النقل المشترك الخاصة، كما مشغليها، وتسمح للبلدية بتنفيذ خطتها في التخفيف من مصادر التلوث.
وإذا كانت بلدية زحلة تتجه الى منع هذه الحافلات من دخول المدينة في فترة قريبة جداً، وقد أبلغت قرارها هذا الى المعنيين به، فهي سترسي نوعاً من التعاون معهم، ساحته المشتركة هي في المحطة الرئيسية للباصات، والتي ستشكل نقطة ترانزيت، تنقل قاصدي زحلة الى داخل المدينة بالباصات الصديقة للبيئة، ومجاناً، بمقابل رسم توقف يسدد من قبل أصحاب الباصات الخاصة، الذين لن يكون عليهم تكبد عناء أو تكاليف الدخول الى المدينة لإيصال زبائنهم. وبذلك تكون البلدية قد حافظت على لقمة عيش أصحاب الفانات والحافلات الخاصة، وجنبت المدينة التلوث الناتج عن عوادم وسائلهم، ومن دون أن تكبد المواطنين أي كلفة إضافية.
ولضمان حسن سير هذه العملية، ستكون هناك قسائم نقل مجاني، يمكن الحصول عليها عند محطات التوقف على أوتوستراد المدينة، بشرط أن يكون الفان أو الحافلة الخاصة مشتركين في المحطة الرئيسية.
هي تجربة نموذجية تواجهها صعوبات كثيرة في بلد كلبنان، ولكن نجاحها قد يؤسس لتجارب مشابهة مستقبلاً. ومن هنا يلتزم زغيب إستمرار المحاولة لتأمين إستدامة المشروع، تماماً كما فعلت بلدية زحلة بالنسبة لإدارة مطمرها الصحي الذي بقي شغالاً بإنتظام رغم كل الظروف الصعبة التي عصفت بلبنان وإقتصاده. وإنما مع التذكير بأن يداً واحدة لا يمكنها أن تصفق، وتعاون المواطنين مطلوب لما فيه مصلحتهم الإنمائية والإقتصادية وحتى الصحية.