كيف نخبر أطفالنا عن جنون الحرب المحيط بنا

كيف نخبر أطفالنا عن جنون الحرب المحيط بنا


مقطع مصوّر للطفلة الشهيدة نايا غازي كان كفيلاً بإثارة الذعر في نفس إبنة صديقتي البالغة من العمر 6 سنوات. شاهدت الفيديو على تيكتوك، مرفقاً بمشاهد للغارة العنيفة التي أسقطت مبنيين في الضاحية الجنوبية التي راحت نايا وسواها ضحيتها، فاكتشفت أن في العالم أمرا سيئا جداً يعرف بالحرب من دون أن تدرك المسمّى الوظيفي هذا، فانطلقت أسئلتها. صحيح أن هناك نقطة في حياة كل طفل يسأل فيها عن الحرب وماهيتها، ولكن هل جميع الأهل قادرون على منحهم الإجابات الوافية؟

أوّل سؤال تبادر إلى ذهن الطفلة عن نايا غازي هو “هل تألّمت”؟ بهذا القدر من البراءة تبلكمنا بشكلّ كلّي، مع تفكيرنا بأن نايا بالفعل ربّما تألمت كثيراً قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة. ولكن ماذا نقول لطفلة خافت فجأة من أن تنال المصير نفسه كنايا؟


بسبب وسائل التواصل الإجتماعي المنتشرة بشكل واسع بين أيدي الأطفال من كل الأعمار، ليس من السهل تحييدهم عن المشاهد العنيفة وأخبار الحروب المدمّرة التي تخنق المنطقة، أو حتى من الممكن أن يسمعوا عنها من أصدقائهم وأقربائهم. لذا من الأجدى البحث عن الأجوية من مصادرها العلمية الصحيحة.


من هنا، قدّمت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” بعض النصائح حول كيفية إدارة الحديث عن الحرب مع الأطفال لتزويدهم بالمعلومات في جوّ من الراحة والأمان، خلال أوقات النزاع والأزمات.

بداية، من المهم جداً إكتشاف الأهل ما يعرف أطفالهم وكيف يشعرون تجاه المعلومات التي بحوزتهم، من دون إغراقهم بالكثير من الأخبار غير الضرورية. إلا أنه من المهم أيضاً أن يشعر الأطفال بالراحة والأمان خلال الحديث مثلا أثناء تناول وجبة عائلية أو خلال نزهة ما، وأن يحاولوا تجنب الحديث بهذا الشأن قبل النوم مباشرة.

تذكّروا أن هناك أطفالاً يقلقون ويفكرون بصمت، وقد لا يشاركون مخاوفهم مع أهلهم. وهنا قد تساعد بعض التقنيات على الوصول إلى النتائج المطلوبة، كالرسم والقصص والأنشطة الأخرى في فتح النقاش، وعلى وجه الخصوص بالنسبة للأطفال الأصغر سنًا.

من المرجّح أن لا يمتلك جميع الأطفال الوعي الكافي للتمييز بين ما يشاهدونه من فيديوهات وصور وواقعهم الخاص، وبالتالي قد يظنون أن الخطر يلاحقهم بدورهم. ما على الأهل القيام به هنا هو طمأنتهم بقدر الإمكان.


إستمروا طوال الحديث بطمأنة أطفالكم بأنهم في مأمن من أي خطر، وقولوا لهم إن العديد من الناس والمسؤولين يعملون بشكل جدّي في جميع أنحاء العالم لوقف الصراع وإيجاد السلام، وحافظوا على أملهم حيًا من خلال ابقائهم متفائلين بقدر الامكان أن الأمور سوف تتحسن.


وفي هذا الإطار، من الجدير على الأهل إستخدام لغة تناسب عمر الطفل ومراقبة ردود أفعالهم، مع التركيز على أن الأطفال يأخذون إشاراتهم العاطفية من الكبار، لذا تحدثوا بهدوء وانتبهوا للغة الجسد مثل تعابير الوجه بالإضافة إلى نبرة الصوت.

إلى ذلك، تذكروا أنه من المقبول عدم معرفتكم لإجابة كل الاسئلة، فبالتالي من المنطقي أن تقولوا لأطفالكم إنكم في حاجة للبحث عن الاجابات عبر مواقع المنظمات الإخبارية أو المنظمات الدولية، وأوضحوا لهم أن المعلومات المتوفرة عبر الإنترنت ليست جميعها دقيقة ولا يمكن الركون إليها في كل الحالات.


ذكروا أطفالكم بأن كل شخص يستحق أن يكون آمنًا، وأنه على الرغم من حالة الخوف والقلق التي تخلقها الحروب، إلا أنه على الجميع القيام بدوره في نشر اللطف ودعم الأكثر ضعفاً مثل الجرحى والمصابين وتقديم المساعدة إذا تمكّنوا.


وختاماً، شجعوا أطفالكم على المشاركة في الأنشطة التي يحبونها والتي تسلّيهم، أو الانخراط في اي نوع من الأنشطة الإبداعية ما سيبقيهم منشغلين ويصرفهم عن التفكير بالأمور المؤسفة.


ولأن الحروب عادة ما تكون ذات مدّة طويلة، إستمرّوا بالإطمئنان على أطفالكم لمعرفة أحوالهم وبماذا يشعرون. لذا راقبوا أي تغييرات في الطريقة التي يتصرفون أو يشعرون بها ، مثل آلام المعدة أو الصداع أو الكوابيس أو صعوبات النوم والعدوانية أو الإنطوائية.


من الصعب على الكبار تقبّل واقع الحرب، فكيف بالحريّ أن نخبر طفلاً بأن الحرب حقيقية مع واجبنا بتهدأته دوماً، ونحن نحتاج إلى من يطمئننا؟ يبقى الأمل إذاً بأن تمرّ هذه الغيمة السوداء، وأن يتوفّر لأطفالنا ما تيسّر من سعادة في هذا العالم المجنون كي يمضوا قدماً نحو أيّام أكثر أماناً.