الاجتياح السّياسيّ بديلاً للاجتياح العسكريّ

الاجتياح السّياسيّ بديلاً للاجتياح العسكريّ

يقول مرجع رسمي في مجلس خاصّ تعليقاً على ما يقدّم من عروض سياسيّة لوقف إطلاق النار: “ما لم يتحقّق في الاجتياح البرّي الذي وجد فيه العدوّ الإسرائيلي صعوبة إن لم نقل استحالة، يحاول الأميركيون تحقيقه عبر اجتياح سياسي”.


 


ليس هناك في الأفق ما يشير إلى إمكانية الوصول إلى وقف لإطلاق النار في وقت قريب. والمؤشّرات المرجّوة لا يمكن رصدها في أيّ من المقارّ الرسمية اللبنانية من عين التينة حيث مقرّ إقامة رئيس السلطة التشريعية وصولاً إلى السراي الحكومي حيث يمارس رئيس حكومة تصريف الأعمال صلاحيّاته بهامش محدّد دستورياً وسياسياً. المؤشّرات الجدّية ترصد فقط بالميدان. وربّما صوت طائرة الـMK التجسّسية فوق العاصمة بيروت على مدار الساعة أقوى انتشاراً وضوضاء من أيّ صوت سياسي آخر.


ثلاثة مؤشّرات ميدانية من شأنها أن تحدّد أفق قرار مفترض لوقف إطلاق النار:


1- العملية الناجحة التي نفّذها الحزب ضدّ قاعدة “بنيامينا” بطائرة مسيّرة، وأوقعت عدداً من القتلى وعشرات الجرحى من عناصر لواء غولاني.


2- الطلب الإسرائيلي من سكّان 25 قرية جنوبية مغادرة قراهم باتجاه شمالي نهر الأوّلي عند بوّابة مدينة صيدا، أي الانتقال من شمال الليطاني إلى شمال الأوّلي.


3- الضربة العسكرية الإسرائيلية المتوقّعة لإيران من حيث حجمها وأهدافها وعناصر المفاجأة فيها.


الحسم السّياسيّ


تخوض إسرائيل بغطاء أميركي وموافقة أوروبية معركة حسم مع الحزب ومن خلفه إيران مستندة إلى منطق “الهرم المقلوب” بالتفكير. لم تذهب بدايةً إلى المواجهة السياسية التي لطالما كانت البداية، ومع فشلها يتمّ الانتقال إلى المواجهة العسكرية، بل ذهبت مباشرة إلى العملية العسكرية بضربات مفاجئة وصاعقة من أعلى إلى أسفل باستهداف قيادات الحزب وكوادره العسكرية والأمنيّة من عملية البيجر وصولاً إلى اغتيال الأمين العامّ للحزب حسن نصرالله.


تخوض إسرائيل بغطاء أميركي وموافقة أوروبية معركة حسم مع الحزب ومن خلفه إيران مستندة إلى منطق “الهرم المقلوب” بالتفكير

العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان وبعكس ما يعتقد الكثيرون وصلت إلى نهايتها أو ما يقارب هذه النهايات، فهي مرحلة أولى تمهّد لمرحلة ثابتة عنوانها الحسم السياسي من بوّابة إعادة تشكيل السلطة في لبنان بعيداً عن هيمنة الحزب، إن من خلال انتخاب رئيس للجمهورية من خارج عباءة الحزب، أو من خلال انتخابات نيابية مبكرة لا قدرة للحزب على خوضها كما كان يخوض المعارك الانتخابية السابقة على الصعد الأمنيّ والسياسي والماليّ..!


الحزب


يضع الضغط السياسي الخارجي والداخلي الحزب في خيار بين أمرين كلاهما مرّ بالنسبة له:


1- أن يضحّي بنفسه لإنقاذ الطائفة الشيعية ومكاسبها داخل أجهزة الدولة ودورها في المعادلة الوطنية.


2- أن يضحّي بالطائفة الشيعية ومكتسباتها كي يخوض آخر معاركه العسكرية محتفظاً بمقولة “هيهات منّا الذلّة..”.


الميدان مجدّداً..


في خطابات نصرالله الأخيرة قبل اغتياله كان القاسم المشترك بينها عبارة “الكلمة للميدان..”، وتبدو المعادلة مستمرّة حتى تاريخه، فالحرب ضدّ الحزب، مهما كان توصيفها، القائمون عليها من إسرائيليين وغير إسرائيليين لا يتركون منفذاً لتسوية أو لتهدئة، وهم يعتقدون أنّ الفرصة سانحة للحسم لإنهاء كلّ وأنّ المسألة تحتاج إلى بعض الوقت، فيما يبقى السؤال: ماذا بقي من الحزب لإحداث مفاجأة ميدانية تقلب المعادلات والمخطّطات؟


عميد متقاعد في الجيش اللبناني في جلسة خاصة قال: “عملية بنيامينا الناجحة لا تعني أنّ الحزب بخير، بداية لأنّها جاءت متأخّرة من حيث التوقيت كي تنتج وقائع سياسية، وهي تشبه عملية “أمّ قصر” التي خاضها الجيش العراقي بقيادة صدام حسين وانتصر فيها في بداية الحرب، لكن سقطت بغداد بعد ذلك بأيام عندما أسقط الأميركيون تمثال صدام في ساحة الفردوس بوسط بغداد.


الأخبار المتواترة عن الحزب، وهي ضئيلة ولا يمكن الركون إلى مصداقيتها لصعوبة التواصل مع من بقي من مسؤولي الحزب، تشير إلى أنّ الحزب استعاد تماسكه التنظيمي، وبخاصة لجهة ضبط التحكّم والسيطرة والتواصل بين القيادة والمقاتلين، وهو ما تُرجم بنوعية القصف والالتحام على الحدود الجنوبية. لكن هل هذا يكفي؟


في خطابات نصرالله الأخيرة قبل اغتياله كان القاسم المشترك بينها عبارة “الكلمة للميدان..”، وتبدو المعادلة مستمرّة حتى تاريخه

المؤشّر الميداني الأساس هو خبر وصول منظومة الدفاع الأميركية، منظومة “ثاد” الدفاعية إلى إسرائيل، بالإضافة إلى قوات لتشغيله، للوقوف بوجه الصواريخ البالستية والمسيّرات المتطوّرة. وهذا ممّا لا شكّ فيه سيكون من شأنه أن يحدّ من فعّالية صواريخ الحزب ومسيّراته.


إقرأ أيضاً: هل اغتيال السّيّد أحزن سُنّة لبنان؟


هي حرب تخاض على تفاصيل صغيرة وتقنيّات مبهمة للكثيرين، ويحتفظ فيها الكلّ بأسراره ومفاجآته. يبقى الرهان على الوقت الذي لا يسقطه أحد من حساباته، وأوّله موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني 2024. فما قبلها ليس كما بعدها.

زياد عيتاني