لبنان لن يخاطب مجلس الأمن… قبل رفع الفيتو الأميركيّ
يوماً بعد يوم، يزداد المشهد سوداوية: رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواصل مشروعه التدميري وفي بال قيادته العسكرية أن لا مفرّ من التوغّل البرّي حيث تُدار أشرس المعارك في ساحات الالتحام. في المقابل، يتصرّف “الحزب” وكأنّه استعاد زمام المبادرة بعدما أعاد تنظيم صفوفه الداخلية وأصلح مواقع الخلل التي أصابته نتيجة استهداف عدد كبير من قياداته وفي طليعتهم الأمين العامّ السيّد حسن نصرالله.
يقول بعض المطّلعين على موقف “الحزب” إنّ الحرب مرشّحة للاستمرار أشهراً طويلة ما دام “الحزب” متحصّناً بالصبر الاستراتيجي الذي يسمح له بخوض جولات طويلة من المعارك على أرضه، ومن دون سقف زمني، وما دامت إيران لم تتخلَّ عنه أو تسمح بـ”تصفيته”، خصوصاً أنّ مجريات الأحداث، وتحديداً العسكرية منها، بيّنت خلال الأيام الأخيرة أنّ “الحزب” في مسار تصعيدي متدرّج يدلّ على أنّه يخوض المعارك وفق استراتيجيته الخاصة وتكتيكه العسكري وتوقيته.
قاتل أو مقتول
يذكر المطّلعون أنّ “الحزب” أقفل أذنيه على بقيّة التفاصيل، لا سيما السياسية منها، حاصراً كلّ تركيزه بالميدان حيث يخوض حرباً وجودية باتت على قاعدة “قاتل أو مقتول”. ويشير هؤلاء إلى أنّ فرملة اندفاعة بعض القوى السياسية إلى إبرام تفاهمات سياسية، ومنها رئاسية، حدثت على وقع الأعمال العسكرية بعدما تبيّن أنّ التوغّل البرّيّ ليس بالسهولة التي يعتقدها الإسرائيلي.
في هذه الأثناء، لا تزال حركة المشاورات الدبلوماسية عاجزة عن إحداث أيّ خرق لاعتباريْن اثنين:
1- إصرار إسرائيل على مواصلة حربها بعدما تراوح بنك أهدافها بين إعادة مستوطني الشمال إلى منازلهم وبين فرض شرق أوسط جديد.
2- خروج الولايات المتحدة الأميركية من مربّع عجزها عن لجم نتنياهو إلى مربّع منحه غطاء كاملاً تحت عنوان حماية أمن إسرائيل.
يذكر المطّلعون أنّ “الحزب” أقفل أذنيه على بقيّة التفاصيل، لا سيما السياسية منها، حاصراً كلّ تركيزه بالميدان
ومع ذلك، تحاول بعض الدول الحريصة على الاستقرار في لبنان إيجاد ثغرة للنفاذ منها إلى صيغة تسمح بخفض منسوب التوتّر والمعارك والعمل على أطر دبلوماسية لصياغة معالم اليوم التالي. وهنا تشير المعلومات إلى خطّ مفتوح بين الفرنسيين والإيرانيين لإبقاء حالة التواصل قائمة بينهما. بالتوازي تتحدّث المعلومات عن مبادرة عربية يُعمل عليها بكثير من الهدوء والرويّة، ولا تزال تفاصيلها غير واضحة، لكنّها تراوح بين سيناريو “الدوحة 2″، وسيناريو طاولة حوار لبنانية تهدف إلى الخروج بسلّة تفاهمات ترسم معالم المرحلة المقبلة. وذلك على وقع المشاورات الدبلوماسية التي ستحدّد مصير جنوب الليطاني.
إلى ذلك، لا يزال منبر مجلس الأمن مقفلاً بقرار أميركي، وتفيد المصادر الدبلوماسية أنّ الفيتو الأميركي يحول دون إصدار أيّ قرار أو حتى بيان رئاسي يدين الحرب. وبالتالي، من غير المرتقب التقدّم بأيّ مشروع قرار في الوقت الراهن ما دامت واشنطن على موقفها، وذلك بعدما قرّر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة “الطلب من وزارة الخارجية والمغتربين تقديم طلب إلى مجلس الأمن الدولي ندعوه فيه إلى اتّخاذ قرار بالوقف التّام والفوريّ لإطلاق النار، مع التشديد على التزام الحكومة اللبنانية تنفيذ القرار رقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن بمُندرجاته كافّة، لا سيّما في شقّه المُتعلّق بنشر الجيش في جنوب لبنان وتعزيز حضوره على الحدود اللبنانية بما من شأنه أن يضمن تنفيذ هذا القرار”.
لا يزال منبر مجلس الأمن مقفلاً بقرار أميركي، وتفيد المصادر الدبلوماسية أنّ الفيتو الأميركي يحول دون إصدار أيّ قرار أو حتى بيان رئاسي يدين الحرب
وهذا ما قصده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بقوله إنّه “من خلال الاتّصالات نحن نتبادل الأفكار من أجل الخطوات التي يجب أن تُتّخذ، لكنّنا نسعى إلى تأمين موافقة دولية مسبقة قبل عرض الموضوع على مجلس الأمن الدولي، خصوصاً أنّ معظم الدول متعاطفة مع لبنان”.
لذلك من غير المرتقب إقدام وزارة الخارجية اللبنانية على أيّ خطوة قبل ضمان الموقف الأميركي. وبهذا المعنى يُفهم أنّ مندوب لبنان في الأمم المتحدة هادي هاشم يتحيّن الفرصة لتقديم مشروع قرار لوقف إطلاق النار يُفترض بباريس وهي حاملة القلم أن ترفعه إلى أعضاء مجلس الأمن.
إذاً ستكون مبادرة باريس للتقدّم بمشروع قرار أمام مجلس الأمن أولى الإشارات الجدّية إلى تقدّم المفاوضات الدبلوماسية وإلى رغبة الولايات المتحدة في وضع حدّ للعدوان الإسرائيلي. أمّا قبل ذلك فستُترك الكلمة للميدان… بانتظار أولى المحطّات المفصليّة، وهي الرئاسة الأميركية.
كلير شكر